Menu

عُمر الحكاية (الجزء الأول): قتل "إلياهو عميدي"

أحمد نعيم بدير

عمر الحكاية

غزة _ خاص بوابة الهدف

سلسة "عُمر الحكاية" تأتي ضمن ملف خاص أعدته بوابة الهدف الإخبارية، في الذكرى الأولى لاغتيال المُناضل والقيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، عُمر النّايف.

من يُصدّق أن أول مُواجهة بين عُمر النّايف وجيش الاحتلال، كانت بسبب رغيف خبزٍ؟!. هذا بالفعل ما حدث، حينها كان عُمر بعمر العشر سنوات، طلبت منه والدته إحضار الخبز من عند "فُرن الحارة"، بعد أنّ عاد لتوّه من المدرسة.

"المشوار" هذا ليس بالسهولة التي قد يبدو عليها، فطلّاب المدارس، يُعانون الأمرّين في رحلتهم من وإلى مدرستهم، بسبب مُضايقات جنود الاحتلال والمستوطنين.

حمِل عُمر فرش الخبز عائداً إلى منزله في جنين، وفي الطريق طلب منه جندي "إسرائيلي"، ممّن كانوا يحرسون مكتب العمل، رغيفاً مُقابل المال، لكنّ كيف يمنح عُمر "العنيد" رغيف خبزٍ لصهيونيّ؟! رفض، لكنّ الجندي سرق رغيفاً، ما أثار غضب الطفل عُمر، وجعله يركض إلى البيت مُسرعاً، ومُتسائلاً: كيف أخذ منّي الرغيف؟!.

أوّل الرّد

بعدها بأيام، ذهب عُمر برفقة ثلاثة أطفال وكسّروا بعض ممتلكات مكتب العمل، شعر حينها أنه أعاد حقه، واستمر بعد ذلك في المُناوشات والاشتباكات الخفيفة، بما كان يناسب سنّه آنذاك. كانت العصي والحجارة ترافقه وأصدقائه، كظلّهم الذي يرافقهم في كل وقت.

مع مرور سنوات عمره، ازداد الوعي الفكري لعُمر، وانضمّ إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكان نشيطاً في المدارس الثانوية واتحادات الطلاب ولجان العمل التطوعي.

بعمر الـ22، توّج النّايف عمليات طفولته بتنفيذ عملية نوعية، هو وشقيقه حمزة 20 عاماً، ورفيقٍ ثالث، قتلوا فيها مستوطناً.

في الرابع والعشرين من أكتوبر 1986 قرر الرفاق الثلاثة، عُمر وشقيقه حمزة ورفيقهم سامر المحروم، تنفيذ عملية داخل الأراضي المُحتلة، فكانت مدينة الناصرة قبلتهم.

في الجزء الأول من سلسلة "عُمر الحكاية"، يروي حمزة النّايف، المُقيم في المملكة الأردنية، تفاصيل ما فعلوه بـ"إلياهو عميدي".

ذهب الرفاق الثلاثة للناصرة باحثين عن هدفٍ يشفي بضع غلٍ طال أمده، مُتسلحين بسلاحٍ أبيض –مجموعة سكاكين- حتى عثروا على مجنّد ومجنّدة في أحد مواقف الباصات في المدينة.

"رأيناهم وتجهزنا للهجوم، لكن كان هناك سجّان من شرطة الاحتلال تقابلت معه في أحد السجون عندما كنت مُعتقلاً في وقتٍ سابق، فعرفني وقررنا إلغاء العمليّة وتراجعنا".

فشلت العمليّة وعاد الثلاثة أدراجهم إلى جنين، لكن كلمة "فشلت" غير موجودة في قاموس عُمر ورفاقه الذين خرجوا لتحقيق هدفٍ ما.

"لم نُلغِ العملية كفكرة، فالفكرة موجودة، ولكن تم إلغاء مكان التنفيذ، بعدها ذهبنا نبحث عن مكانٍ آخر نصطادهم فيه، فكان القرار، إلى القدس يا شباب".

حدا عاقل

الساعة الحادية عشر من يوم 15 نوفمبر، وصل الشبّان الثلاثة إلى المدينة المُقدسة واشتروا من أحد المتاجر مجموعة من السكاكين لتنفيذ العملية. "بدأنا بالتجوّل في حارات وشوارع القدس نبحث عن جنود أو مستوطنين، حتى حاصرنا أحدهم في أحد الأزقة، اقتربنا منه لقتله، فتبيّن أنه مُختل عقلياً فتركناه (بدنا حدا عاقل نقتله)".

تابعت المجموعة عملية البحث عن "حدا عاقل" كما أسلف حمزة، حتى رأوا أحدهم قادم من بعيد، لكنه كان طفلاً، فتركوه. يمرُ الوقت وحتى اللحظة لم يعثروا على أحد واستمروا في البحث حتى أصبحت الساعة الرابعة عصراً.

"عند الساعة الرابعة، ذهبنا إلى منطقة عقبة الخالدية بالقدس، فوجدنا دورية لجيش الاحتلال، صعدنا على درج العقبة حتى لا ترانا الدورية، فجأةً صرخ عُمر لقيناه لقيناه وسبقنا إليه، كان هناك مستوطن يبلغ من العمر 24 عاماً وصاحب جثة ضخمة، ذهب عُمر إليه مُسرعاً وبدأ بطعنه في خاصرته".

في هذه اللحظة أخذ المستوطن بالصراخ، سيما وأن العملية في وضح النهار، فقام حمزة بتثبيته على الأرض وأوكلت مهمة الطعن لعُمر وسامر، حتى طعنوه (14) طعنة، أما الـ(15) فكانت من نصيب حمزة، عن طريق الخطأ.

دقائق، بالكاد تُعد، حتى وصلت دورية من جيش الاحتلال إلى مكان العملية. تأكد الشبّان من أن المستوطن يلفظ أنفاسه الأخيرة قبل أن يهربوا سريعاً. ثوانٍ قليلة حتى انتشرت الدوريات في الحارات والأزقة المُجاورة بحثاً عن عُمر وسامر وحمزة.

يصمت حمزة ليتذكّر الحدث، ثم يكمل "بعدها هربنا إلى كنيسة القيامة في المدينة، وبعد لحظات حوصرت الكنيسة من كافة الجهات وبقواتٍ كبيرة، اقتحموها واعتقلوا عُمر وسامر، (وأنا كنت مُمدد على كرسي باطون في مدخل الكنيسة بسبب الجُرح، فاجتمع حولي السيّاح، مما أعاق اعتقالي)". 

إيش إسمك..؟!

بعد أن اعتقل الجيش عُمر وسامر، تعرض عُمر لضربٍ مُبرح من الجيش، لأنه لا يُجيب على سؤالهم الذي تكرر عشرات المرات: ايش اسمك..؟، رُغم أنهم أخذوا هويته ودققوا فيها، فكان عُمر في كل مرة يرفض الإجابة.

عُمر وسامر أصبحوا خارج حدود المربع، الذي يُحيط بالكنيسة من كافة الجهات، بعد أن اعتقلهم الجيش، وحمزة الآن بمفرده، مع جرحه النازف، بلا رفاقه.

عادت القوات واقتحمت الكنيسة، واعتقلوا حمزة ووضعوه على كرسي مُتحرك، ومن ثم على نقالة مُتوجهين إلى مستشفى "هداسا عين كارم" في القدس المحتلة، لإجراء عملية عاجلة له. وفور انتهائها، نقلوه إلى مركز "المسكوبية" للتحقيق.

"كان عُمر وسامر في التحقيق، ولم نلتقِ إلا بعد أيّام. ما عرفته من عُمر فيما بعد، أن المُخابرات الصهيونية قالت لهم في الساعات الأولى للتحقيق (حمزة مات)،  في مُحاولة للضغط عليهم. بعدها استمر التحقيق معنا 18 يوماً استخدموا فيها كل أنواع وأساليب الضغط القاسية، وكانت أسئلتهم تتمحور حول (مين وراكم)، حتى توصّلوا إلى نتيجة: أننا فعلاً خرجنا من تلقاء أنفسنا".

مفاجأة أكبر من العملية

الأمر الغريب بل المُفاجئة الكبرى التي لم يعرفها الرفاق، إلا خلال التحقيق، أنهم قتلوا "شخصاً مهماً" في عقبة الخالدية، وهو "إلياهو عميدي"، كان من طلاب المعهد الديني للمستوطنين المشهورين في إيذاء الفلسطينيين، وبعد قتله نشبت مواجهات بين المستوطنين والعرب، حتى وصلت بينهم إلى حرق محال تجارية ومنازل وإلقاء عبوات "مولوتوف" على بعضهم البعض، ونتج عن هذه الاشتباكات، تشكيل لجان من الفلسطينيين لحماية منازلهم وشوارعهم من غطرسة المستوطنين.

"نقل الاحتلال عُمر ورفاقه إلى (معبار الرملة) ومن ثم إلى توقيف بئر السبع، بعدها بـ38 يوماً تم تشكيل محكمة سريعة لتهدئة الشارع الاسرائيلي، وكان الحكم علينا بالمؤبد لكل واحدٍ منّا، في جلسة سريعة لم تتعدّ الخمس دقائق".

خلال جلسة المحكمة، سأل أحد الصحفيين "الإسرائيليين" عُمر "هل أنتم نادمون على فعلتكم؟"، أجابه: بالتأكيد لا ولن نندم. وانتهى بهم المطاف في سجن جنيد –كان حينها تحت السيطرة "الإسرائيلية"، وتسلّمته السلطة الفلسطينية بالعام 1995-.

في الأيام الأولى للرفاق الثلاثة داخل السجن، رفضوا التفتيش العاري، فاندلعت مُناوشات في السجن، بعدها تم تحويلهم إلى زنازين العزل الانفرادي، وبعد أسبوعين تم إخراج عُمر وسامر.

ظل حمزة في زنازين العزل لمدة شهرين كاملين، وكان السبب أن مُدير السجن حينها سأله "هل قلتم فعلاً، خلال التحقيق، أنّكم غير نادمين على ما فعلتم؟!"، فردّ حمزة بنبرة باردة (آه)، الأمر الذي أثار غضب وانفعال مدير السجن، بعدها أخرج المدير عُمر وسامر ورفض إخراج حمزة.

وفي أحد الأيام تجهّز عُمر وحمزة لمُقابلة الأهل في موعد الزيارة. أحد الضباط الدروز شاهد عُمر وهو يأخذ "كبسولة" من أحد الحاضرين فهمّ لأخذها منه، فهجم عليه عُمر وضربه حتى صار يتوسّل لإنهاء الموضوع بلا فوضى، وبعد أن تركه عُمر، ذهب الضابط مُسرعاً وضرب "الأزعكاه- صافرة الإنذار"، فأتت بعدها كل قوات القمع في السجن، وضربت عُمر، ثمّ عزلته عن باقي الأسرى. "كانت آخر مرة بشوف عُمر فيها".

يقول حمزة: عندما كان عُمر في زنازين العزل بعد أن ضرب الضابط، علمنا أنه ضرب ضابط آخر داخل العزل. هذا الضابط كان محسوباً على المستوطنين المُتدينين، وكان يستفزنا بكلماته، بأنهم لن ينسوا إلياهو عميدي وأننا سوف نبقى في السجن.

في عام 1987، خاض الرفاق الثلاثة والأسرى في سجن جنيد، الإضراب عن الطعام، الذي شارك فيه أكثر من (3000) أسير فلسطيني من مختلف السجون، واستمر لمدة (20) يوماً؛ رداً على استلام ديفيد ميمون مهمة مديرية السجون، إذ قام بسحب العديد من الإنجازات التي حققها الأسرى في وقتٍ سابق.

بعد ثلاث سنوات ونصف داخل السجن، بدأ عُمر النايف بالتخطيط لشيءٍ ما، لا يدري أحدٌ ما الذي يدور في رأس عُمر، حتى شقيقه حمزة..!

يتبع في الجزء الثاني: خطة الهروب من السجن..