Menu

ماذا يحدث لو اختار لبنان قانون انتخاب نسبي؟

انتخابات لبنان - تعبيرية

بيروت - خاص بوابة الهدف

في المداولات الجارية في لبنان لاختيار قانون انتخابي، تم طرح مشاريع مختلفة لقوانين ناظمة للعملية الانتخابية، أبرز هذه الطروحات هو مشروع القانون الانتخابي وفق النسبية شبه الكاملة "لبنان دائرة واحدة"، ومع إعلان رئيس مجلس النواب اللبناني "نبيه بري" علمه بموافقة "سعد الحريري زعيم "تيار المستقبل" ورئيس الوزراء اللبناني الحالي، موافقته على قانون من هذا النوع، يكون "بري" قد فجر قنبلة سياسية من العيار الثقيل، رغم ترجيح أغلب المتابعين أن هذا الموقف يأتي في إطار المناورة بين الفرقاء السياسيين وليس في إطار موافقة جدية قد تفتح الباب لتغيير تاريخي في تركيبة النظام السياسي اللبناني.

ومن يتابع المشهد السياسي اللبناني الحالي، أو يدرك طبيعة النظام السياسي الطائفي القائم، يتلمس تبعات اختيار نظام نسبي كامل لإجراء الانتخابات، فقد اعتاد اللبنانيين اختيار ممثلين لطوائفهم في العملية الانتخابية التي تجري عادة وفق قانون "الستين"، المقر منذ العام 1960، والذي يعني أولاً تقسيم لبنان لدوائر مناطقية حسب التوزيع السكني لأبناء الطوائف المختلفة، فتنتخب طرابلس مثلاً مرشحين سنة بواسطة أغلبية سكانها من المسلمين السنة، فيما ينتخب سكان المناطق التابعة لدائرة بيروت الأولى ومعظمهم من المسيحيين 5 من المرشحين المسيحيين لمقاعد مخصصة للمسيحين في المجلس النيابي، وكما هو واضح فإن فرصة الاختيار المتاحة أمام المواطن اللبناني تختصر في إمكانية اختياره لزعيم لطائفته في الحي أو الدائرة التي يعيش فيها، وهو ما يحد من أي إمكانية لمشاركة سياسية حقيقية للمواطن، ويعني استمرار الزعامات الطائفية الحالية في مواقعها.

البرلمان اللبناني الحالي انتخب في العام 2009 وتجاوز فترته القانونية بالطبع، وحظي بتمديد لولايته نظراً لتعذر إجراء الانتخابات في غياب التوافق السياسي بين الفرقاء، وتجري المدولات بخصوص القانون الانتخابي الجديد للسماح بإجراء الانتخابات النيابية في الموعد المقر لها، ورغم إصرار بعض القوى السياسية على ضرورة إنتاج قانون انتخابي جديد، فإن المداولات توضح تمسك العديد من القوى السياسية بالقانون القديم ومحاولاتها "تمرير الوقت" لإجراء الانتخابات بموجبه دون أي تعديل، فيما يهدد رئيس الجمهورية اللبنانية "ميشال عون" باللجوء لاستفتاء مباشر للشعب اللبناني لإقرار قانون انتخابي جديد إذا لم تنجح القوى السياسية والكتل البرلمانية في التوافق على تعديله في البرلمان.

التطورات الأخيرة والمواقف المستحدثة لا تعني فعلياً تحول لبنان للنموذج الانتخابي النسبي، ولكن هناك ضرورة ما لفتح الذهن وقراءة التأثيرات المحتملة لتطبيق هذا القانون على المشهد السياسي اللبناني:

- النظام المقترح هو استمرار توزيع العدد الإجمالي لمقاعد المجلس بحسب الحصص الطائفية، أي أن الحصيلة النهائية لعدد مقاعد المسلمين السنة أو الشيعة أو الدروز أو المسيحين الماورنة أو الكاثوليك أو الارثذوكس لن تتغير، ولكن سيتيح الفرصة لكل ناخب لاختيار نواب من مختلف الطوائف والمناطق لا من منطقته أو طائفته  فحسب.

- النظام المذكور لا يعني تحول النظام السياسي اللبناني للعلمنة، أو نهاية الطائفية السياسية، فالمكونات السياسية والأحزاب لا زالت قائمة على بنى وأسس طائفية ضاربة في عمق التركيبة الاجتماعية والاقتصادية، والاحتمالات الأرجح هو أنه مع بدايات تطبيقه سيحمل مخاطر من عدم الاستقرار، فعملياً سيتم اختيار ممثلين للطوائف الأصغر حسب رغبة مصوتي الطوائف الأكبر، أي أن طائفة صغيرة مثل الطائفة الدرزية لن تختار ممثليها ولكن سيختار المصوتين السنة والشيعة والمسيحيين من يريدون من المرشحين الدروز، وهو ما قد يعتبره البعض فرض على هذه الطوائف من قبل طوائف أخرى أو من قبل القوى السياسية المتزعمة لطوائف اخرى.

- رغم ضعف قدرة النظام النسبي المقترح على إحداث قلب النظام السياسي سريعا باتجاه نمط المواطنة الحقيقية، أو العلمنة وكسر النظام الطائفي، إلا أنه سيجبر القوى السياسية على إجراء تغييرات كبيرة في بنيتها على المدى الطويل، وكسر نمط العضوية الحزبية الطائفية لهذه الأحزاب لتأهيلها لحيازة مقاعد وأصوات مخصصة لطوائف أخرى، وهو ما يعني بداية حقيقية لكسر التركيبة الطائفية.

- سيكسر النظام الانتخابي النسبي تدريجيا نمط "البيوت السياسية" السائد في الساحة اللبنانية، والذي يعني وجود زعامات عائلية متوارثة تحتكر السيطرة على أصوات وجمهور مناطق وأحياء محددة، وتعقد الصفقات وتفاوض باسم هؤلاء المصوتين، في مقابل فتات من الخدمات والمصالح التي تقدمها لهم على نحو فردي أقرب ما يكون للرشاوي والأعطيات.

- النظام الانتخابي الجديد يعطي فرصة حقيقية لبعض قوى اليسار كالحزب الشيوعي اللبناني مثلاً لتحسين كتلته النيابية، من خلال تجميع أصواته الضائعة عادة في مختلف دوائر لبنان والتي لا تمكن مرشحي هذا الحزب وسواه من الأحزاب العلمانية الصغيرة من الفوز بالمقاعد بنظام الدوائر، ولكن مجموع هذه الأصوات التي تسقط من الحساب في فرز الدوائر سيشكل مجموع أفضل في حالة تجميعها في فرز خاص بدائرة واحدة لكل لبنان.

- القوى الليبرالية والمجتمع المدني، سيجد فرصة حقيقية لتقديم بعض وجوهه للمشهد النيابي عبر هذه الآلية الانتخابية، وهو ما سيُعزز فرص تدخل ممولي هذه القوى، وتعزيز رهاناتهم في المشهد السياسي اللبناني.

- سيحمل هذا النظام فرصة للمواطن اللبناني لقول كلمته بشأن قضايا كبرى تتعلق بالمقاومة، والموقف السياسي للبنان، والنظام الضريبي، بدلاً من قصر تصويته واختياره لمرشحيه على ارتباطات شخصية أو حيثيات محلية، وهو ما يعني تحول الجدل السياسي في لبنان من موضع لصراعات ونقاشات النخب تبعا لرعاتها الاقليميين إلى نقاش يسهم فيه المواطن ويتدخل فيه عبر التصويت في كل استحقاق انتخابي.

حلم تحول لبنان إلى وطن حقيقي لمواطنيه، ومغادرة النظام الطائفي الذي فرضه المستعمر الفرنسي، واستمر العمل فيه، قد يكون لا زال بعيداً، خصوصاً في ظل التجاذبات الاقليمية والدولية التي لطالما نهشت هذا البلد العربي، ولكن فرصة البدء في هز عرش نظام مملكة الطوائف تبدو قائمة، وليست مرهونة بإقرار النظام النسبي فحسب، ولكن بكل ذلك الغليان الشعبي الذي عبرت عنه الاحتجاجات ضد الإهمال الحكومي والفساد في قضية النفايات وفي ملفات أخرى، هذا الغليان الذي قد يجد تعبير عنه في تصويت قد يفاجئ الكثيرين إذا ما أتيح للبنانين نظام انتخابي سليم، وقد يجد تعبير آخر له إذا ما بقيت أبواب مجلس النواب موصدة ولا تفتح إلا لأمراء الطوائف وزعماء البيوت السياسية.