Menu

مصر في مواجهة العملات الصعبة وسعر الصرف وارتفاع الأسعار

تعبيرية

القاهرة _ خاص بوابة الهدف

عاود الجنيه المصري الهبوط مرة أخرى خلال معاملات يومي الخميس والجمعة أمام الدولار مع زيادة طلبات المستوردين استعدادا لشهر رمضان، وتراجع في التدفقات الدولارية بالبنوك.

كان الجنيه قد هبط  بشكل حاد بعد تحرير سعر الصرف في نوفمبر تشرين الثاني ليصل إلى نحو 19 جنيها قبل أن يبدأ في أواخر يناير كانون الثاني في استعادة بعض عافيته ليسجل في بداية معاملات اليوم الأربعاء نحو 15.73 جنيه للدولار في بعض البنوك قبل أن يتراجع بحلول الساعة 01:40 بتوقيت جرينتش إلى ما بين 16 و16.1 جنيها للدولار. بينما عاد مجددا خلال الايام الماضية للهبوط امام الدولار حيث وصل الى ما يقارب 18 جنيه امام الدولار الواحد .

عادت أهمية سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار، خلال الاسبوع الماضي بالتداول والأهمية ذاتها للمواطن المصري في الوصول للسلع الأساسية. فارتهان مستوى معيشة المصريين بقيمة الدولار؛ فيما جاء بعد القفزات الكُبرى التي حققها مقابل الجنيه المصري، والتي انعكست بدورها على موجة غلاء في أسعار السلع الأساسية، فضلًا عن إجراءات الإصلاح الاقتصادي التي اتخذتها الحكومة، مثل زيادة أسعار الوقود، وإقرار قانون القيمة المضافة.

فمنذ مطلع عام 2017 حددت تسع شركات محلية من قطاعات مختلفة، سعرًا تقريبيًّا للدولار في موازناتها التقديرية للعام المُقبل، حيث توقعت النسبة الأكبر من تلك الشركات وصول السعر إلى 21 جنيهًا، فيما رجح آخرون أن تتراوح قيمته بين 17 و20 جنيهًا.

وكان البنك المركزي قد أعلن في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تعويم الجنيه، وترك سعره يتحدد وفقًا للعرض والطلب دون تدخل منه، وهو الإجراء الذي رفع سعر الدولار من مستوى 13 جنيهًا يوم التعويم، إلى ما يدور حول 19 جنيهًا خلال الأيام الأخيرة من العام المنصرم واستمر على هذا المنوال حتى منتصف شهر فبراير، الا ان وصل في البنوك الى 16جنيه ، بعدما كان يبلغ سعره الرسمي في البنوك قبل التعويم 8.88 جنيه.

قبل أيام نشرت وكالة «بلومبيرج» الأمريكية، تقييمًا عن الحالة الاقتصادية المصرية الأخيرة، وخلصت إلى نتيجة مفادها أن «شهر  عسل انخفاض الدولار أمام الجنيه أوشك على الانتهاء»، وبالرغم من أنها وصفت قرار تعويم الجنيه المصري في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بالقرار الناجح؛ لأنه أسفر عن خفض قيمة الجنيه إلى النصف وكذلك الأسهم بقيمة الثلث، مما أدى إلى جذب المستثمرين الأجانب، إلا أنها حذرت من هبوط العملة المصرية من جديد مرة.

حزمة القروض الدولية  والعائدات الدولارية

الخبير الاقتصادي المصري رضا عيسى، رجح إلى إن الدولار سيواصل ارتفاعه خلال النصف الأول من العام الجاري 2017، ليصل إلى 22 جنيهًا مصريًّا، في ظل السياسات الاقتصادية الحكومية الطاردة للاستثمار، وغياب سياسة رشيدة من جانب البنك المركزي، وكذلك تضاؤل التحويلات من العاملين في الخارج نتيجة لمجمل الأوضاع الداخلية في مصر.

وتبلغ العائدات الحكومية خلال العام الجديد، حوالي أربعة مليارات دولار تقريبًا، تحصل عليها مصر من حزمة القروض الدولية (صندوق النقد، والبنك الدوليين، والبنك الأفريقي)، فيما تبلغ العوائد المتوقعة من بيع السندات الدولارية إلى الخارج حوالي ستة مليارات دولار، وكذلك من المنتظر أن تبلغ التدفقات المتوقعة من بيع شركات القطاع العام والبنوك حوالي عشرة مليارات جنيه.

يضيف عيسى ، أن هذه العائدات الدولارية ليست كافية لمواجهة الاحتياجات الدولارية، في ظل تراجع الاستثمارات الأجنبية، وعائدات السياحة، وتخلي الدولة تدريجيًّا عن القطاعات الإنتاجية والسلعية، متوقعًا أن أزمة الدولار ستستمر لبقية العام الجديد، في ظل استمرار نفس الظروف المواتية لارتفاعه.

براي مراقبين وخبراء أن مشكلة تذبذب العملة أنها لا تشجع على جذب المستثمرين الأجانب؛ نتيجة تآكل الأرباح وعدم استقرار السوق، إضافة إلى الفساد الحكومي الذي يُبطئ من وتيرة برنامج الإصلاح الاقتصادي، وبحسب تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات وصل حجم الفساد المالي في مصر نحو 77 مليار جنيه في عام 2015، كما أكد رئيس الجهاز السابق أن الفساد المالي في مصر بلغ 200 مليار جنيه سنويًا.

معدلات التضخم العام 

بالمقابل سجل معدل التضخم مطلع العام الحالي : قفزات جديدة في الأسعار بمعدل 30%، فينما سجل لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 20.2%، وهو الشهر الذي شهد قرار التعويم، ورفع أسعار البنزين.

ووفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ، أرجع الجهاز أن الارتفاع الأخير في معدل التضخم إلى ارتفاع متباين في أسعار المجموعات السلعية والخدمية، على رأسها مجموعة الأطعمة والمشروبات، التي سجلت ارتفاعًا بنسبة 20.1%.

يُذكر أن معدلات الفقر في الجمهورية ارتفعت خلال العامين الأخيرين لتصل إلى 27.8%، من إجمالي الشعب المصري في 2015/2016، مقارنةً بـ26.3% عام 2012 ــ 2013.

فيما يرى مراقبين في هذا الجانب أن كل تلك السياسات أدت إلى ارتفاع قيمة الجنيه، وهو ما يُسمى في علم الاقتصاد بمصطلح «الأموال الساخنة»، أي تدفق رؤوس الأموال من دولة إلى أخرى لكسب فائدة بسيطة على سعر الفائدة لتغيير سعر الصرف، وهو ما يؤدي إلى عدم استقرار السوق، بالرغم من أنه أدى لرفع الاحتياطي النقدي إلى 28 مليار دولار، وهو ارتفاع وقتي مخادع لن يحتفظ بموقعه طويلًا.

على صعيد السياحة

الحكومة المصرية التي خصصت مبلغ 43 مليون دولار لتطوير منظومة تأمين المطارات، كما قامت بدفع22 مليون دولار في ظل اقتصادها الذي يمر بحالة ركود سيئة؛ من أجل استهداف 266 دولة لتنشيط السياحة التي تعتبر شريانًا اقتصاديًا لتوافد العملة الصعبة التي تحتاجها الحكومة المصرية؛ لرفع الاحتياطي النقدي في ظل انخفاض سعر الجنيه.

وبالرغم من أن الحملة التي أطلقتها وزارة السياحة قد أثمرت عن رفع حظر السفر إلى مصر من عدة دول آخرها النرويج والسويد وفنلندا والدنمارك، إلا أن قرار روسيا قد يؤثر بشكل كبير على الدول الأخرى التي قد تلوح بالتراجع في قراراتها؛ حتى تحسن الحالة الأمنية التي هي أهم أسباب تنشيط السياحة الممثلة لواحدة من أهم ركائز الاقتصاد.

أزمة جديدة تواجهها السلطات المصرية قد تنسف بجهود الحكومة لإحياء قطاع السياحة، كما أنها تؤثر بشدة على جذب الاستثمارات الأجنبية في تلك الأوضاع التي يعاني فيها الاقتصاد المصري حالة ركود.

برنامج الاصلاح الاقتصادي في مصر :

قالت شركة HSBC للدراسات الدولية في مجال الاقتصاد، في دراسة أجراها الباحثان سيمون ولياميز ورزان ناصر، إن مصر حققت إنجازا غير مسبوق في مجال التحول من نظام السعر الثابت إلى نظام تحرير سعر الصرف. وأشارت الشركة في الدراسة، إلى أن هذا الانتقال تم بسلاسة واحترافية فائقة، وأن هذه البداية لبرنامج الاصلاح الاقتصادي في مصر تعتبر بداية استثنائية وغير عادية ، نظراً للقدرة الفائقة على اجتياز هذه المرحلة الصعبة بأقل قدر من الخسائر .

وأشارت الدراسة إلى أن برنامج الإصلاح الاقتصادي الذى تنفذه مصر، بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، يقوم على أربعة ركائز، تضم إعادة التوازن إلى الاقتصاد من خلال تعديل بعض السياسات المالية والنقدية والتغيير في سياسة سعر الصرف، بالإضافة الي تقوية نظام الحماية الاجتماعية والضمان الاجتماعي من خلال إعانات الطعام والدعم النقدي.

كما تضمن تلك الركائز إصلاحاً هيكلياً يؤدى إلى ارتفاع درجة النمو الاقتصادي، وإلى تحقيق النمو الشامل، وخلق المزيد من فرص العمل، وتشجيع التصدير، بالإضافة إلى تحقيق الاستقرار من خلال زيادة احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية.

وأشارت الدراسة إلى أنه قد تحقق قدر كبير من التقدم في كل مجال من هذه المجالات الأربعة خلال الأربعة أشهر الماضية (من 3 نوفمبر وحتى الآن)، غير أن هناك المزيد الذى يجب القيام به في كل مجال من هذه المجالات.

وأشارت الدراسة إلى أن قانون القيمة المضافة VAT الذى وافق عليه مجلس النواب في أغسطس 2016، يعتبر من أبرز السياسات المالية الجديدة، والتي ستؤدى إلى ارتفاع الدخل القومي من الضرائب التى تصل حاليا إلى 13% من إجمالي الناتج المحلى GDP، وهى نسبة أقل بفارق 2% عما كان عليه الحال قبل 25 يناير 2011. ومن المتوقع أن تصل إلى هذه النسبة (15%) ، وفق توقعات صندوق البنك الدولي، في العام المالي 2020 / 2021.