Menu

باسل في الولجة: شوكة في حلق المستعمرة

باسل الأعرج - أرشيفية

المقداد جميل

يقع بيت الشهيد باسل الأعرج ملاصقًا للمستعمرة "الإسرائيلية" التي وُجدت عنوةً على أراضي قرية الولجة، قرب مدينة بيت لحم، وفي أعلى جبال القدس . تظهر في صورة جويّة خريطة لمنزل الشهيد الباسل، وهو يقع كما وصفه أحدهم "شوكةً" في حلق العدو، حيث يقع بين مستوطنة "جيلو" والشارع الإلتفافي الموجود بجانبها.

بقي باسل لسنوات فاهمًا واعيًا لهذا الوجود الجبري على الأرض، والذي ظلّ يراه طوال سنواتٍ وهو يأكل قريته التي طالما تشبث ترابها بأقدامه أثناء طفولته وهو يمشي في أرجائها، ولم يغب هذا الأمر عن بال الباسل، الذي كان واحدًا من أبرز الشبان المشاركين في مسيرات رفض الاستيطان في القرية. كان واعيًا لمعنى "الأبارتهايد"، يملك إصرارًا قويًا وغريبًا على مواصلة الرفض لآخر لحظة، وهو يتوقع أن يؤكل بيت عائلته في أيّ وقت كي يُضم للمستعمرة الملاصقة له، كما ظلّت آلة الغصب "الإسرائيلية" تأكل أراضي القرية شيئًا فشيئًا.

رفض الاحتلال تسليم جثمان باسل الأعرج في البداية، إلا بشروطٍ عدة، أهمها "أن يتم الدفن مباشرة بعد التسليم"، وأن لا يعود الجثمان على بيته. هذا الرفض يحمل جانبين، الأول رفضًا معنويًا لعودة هذا الشهيد إلى بيته، رفضًا يحمل دلالاتٍ أكبر تُخيف المحتل، الذي يرى باسل عائدًا لمنزله، والذي لطالما كان يتوق إليه، وهو يخاف أيضًا لأن هذا ينذره بإمكانية أن يعود من هم غير باسل، من بقوا عشرات الأعوام في غيابٍ عن منازلهم. ويحمل جانبًا ثانيًا، جانبًا ماديًا، خوف الاحتلال من الاشتباك المباشر الذي دعا إليه باسل في كلماته ورسائله طوال حياته، وهذا الذي يجد أقرب وأهمّ فرصة له لتطبيق الاشتباك، جنازة منظّره والداعي إليه، خصوصًا أن الجنازة ستتم إلى جانب المستعمرة الغاصبة.

فالمحتل لا يتوق أن يكون هناك من هم مثل باسل، الذي كان يستيقظ في صباحاته ليرى المستعمرة تغطي الشمس والسماء أمام القرية، فيزيده الأمر إيمانًا بصحة طريقه ومواصلته إليه، ولا يُحب أن يراه أيضًا ينظر نظرته الأخيرة للمستعمرة، وهو قد جاءها منتصرًا، أولًا بجسده الذي قاوم للحظة الأخيرة، ثانيًا بهذا الجيش الذي يمضي خلفه بدءًا من فكره وكلماته، حتى جسده وجنازته التي هبّ إليها الآلاف من رام الله ونابلس وحيفا والداخل.