Menu

فكر المقاومة بين ثقافتين

في ذكرى استشهاد القائد وديع حداد انقلاب الصورة

وديع ابو هاني

عندما نتحدث عن فكرة وفكر المقاومة يعود بنا الزّمن إلى مرحلة الفدائي، مرحلة الزمن الجميل، فالأغاني الثورية وحدها كانت تلهب الشباب الفلسطيني والعربي والأممي الصديق، بل تطال مرحلة هي جزء من مرحلة المد الوطني والقومي والعالمي لحركات التحرّر في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، وفكرة المقاومة كثقافة بالمفهوم الشامل لا تعني اقتصارها على السلاح ومدى تطوره وأنواعه، بل للفكر السياسي الذي يقف وراءه ويدعمه، والحاضنة الشعبية التي شكّلت الأساس لمجمل الإنجازات الوطنية عبر التضحيات العظام التي قدمّها شعبنا مدعوما من طلائع أمته العربية وأحرار العالم الذين كانوا يدركون بوعي والتزام طبيعة ترابط المعسكر المعادي، وأهمية النضال المشترك لمواجهته.

عندما نقف عند ذكريات تلك المرحلة من المدّ الوطني والقومي لا نستطيع إلا أن نتذكر محطات وعمليات نوعيّة، ورموزًا ثورية لمقاومين تركوا بصماتهم الكفاحية في مدرسة الثورة و الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين .

وديع حداد وشعار وراء العدو في كل مكان، تكثيف لمرحلة حيث كان مجرد اسمه فقط يقضُّ مضاجع الأعداء، وكيف لا وقد استطاع وديع حداد أن يبني سلسلة من معسكر الأصدقاء للثورة الفلسطينية بشكل عام، والجبهة الشعبية بشكل خاص، وكان الأمميون الثوريون يتقاطرون من أمريكا إلى اليابان، ومن أوربا إلى إفريقيا إلى رموز من فضائِنا الحضاري الإسلامي للانضمام لصفوف الثورة، فقد كان وديع حداد يعي بعمق أهمية الحلقة الأممية ثورياً في الاسناد والدعم، ووديع حداد الذي إذا هدّد نفذ وإن وعد صدق، وكانت بزمنه يد المقاومة والثورة تضرب في أي مكان وتطال من تشاء. إن فكرة الثورة و ثقافة المقاومة لم تأت من فراغ، ولا في سماء صافية، بل امتدت جذورها إلى تاريخ شعبنا، ومرحلة من النضال شكلت الوجه المشرق لثورتنا في مرحلة المواجهة والمقاومة ضد أطراف المعسكر المعادي الإمبريالي الصهيوني الرجعي الغربي.

لقد رافق تلك المرحلة قدرة قتالية، واستعدادات كفاحية وتضحويّة وتحالفات عريضة فلسطينية وعربية وعالمية، وكانت يد الثورة تطال العملاء وتحمي المناضلين وذويهّم, وتقتص ممن يحاولوا التطاول على الشعب الفلسطيني وثورته ومناضليه.

ما أحوجنا اليوم إلى استعادة زمن الفدائي الجميل والنظيف في مواجهة ثقافة التراجع والهبوط، في مواجهة مدرسة وثقافة دايتون والتنسيق الأمني، وهي ثقافة غريبة عن شعبنا وتاريخه، بل أحد إفرازات اتفاقات أوسلو وفكره السياسي الذي ندفع ترجماته اليوم، من ملاحقة ومطاردة للمقاومين, ومن اعتقال وكم أفواه لمناضلين وقمع لذويّهم, من أهالي شهداء وأسرى.

نحن أمام انقلاب للصورة حيث ترى ثقافة دايتون العدو صديق وتنسق معه، وترى الصديق عدو وتتعامل معه في خدمة المشروع الأخر المعادي للثورة والثوار. 
حالنا اليوم في ظل ثقافة دايتون. يُلاحق مقاومون وتُعتقل قيادات، ويجري قتل مناضلين في سفارات فلسطينية، وتصفّية رموز وطنية وازنة، ولا نحرك ساكناً (تصفّية الراحل عرفات) ويتم غسل دماغ فدائي الأمس ليصبح أداة قمع وبهراوة تطال إخوانه ورفاقه، وما لم يستطع العدو وأجهزته أن يصله، فنحن نعيش في زمنٍ غريب وفيه انقلاب للصورة.

إنه لفرق كبير بين مرحلتين وثقافتين على سطح واحد، كالفرق بين خيمة وخيمة كما كان يقول الشهيد غسان كنفاني ،والمفارقة الأكبر، الفرق بين ثقافة مقاومة جسدها الشهيد وديع حداد، ونحن نقف أمام ذكرى استشهاده، وبين ثقافة دايتون والتنسيق الأمني مع الاحتلال التي تنخر الجسد الفلسطيني وتضعف مناعته ومقاومته.
رغم كل الصورة السوداوية للمشهد العربي والفلسطيني والعالمي الرسمي فإن بذور وثقافة المقاومة، والانتفاضة تجد تجلياتها في أكثر من مكان وعنوان بين أطراف ومحور المقاومة.

من المقاومة القانونية والدبلوماسية إلى المسلحة والشعبية، وهذه المقاومة هي وحدها التي ستستمر وتنتصر على عدو لا يعرف إلا لغة المقاومة والانتفاضة والقوة لطرده.

رحم الله وديع حداد في ذكرى استشهاده وكل الشهداء، سيبقى ظلّه وما زرعه من ثقافة مقاومة يطارد العدو في كل مكان .

_استشهد وديع حداد في 28 آذار 1978 ودفن في بغداد في موكب مهيب، شارك فيه الحكيم وقيادة الجبهة.

وديع أبو هاني
إعلامي فلسطيني
دمشق.