لا شك أنه قرار جنوني وعبثي، ذلك الذي أدى إلى استقطاع قرابة ثلث رواتب موظفي السلطة في قطاع غزة، جنوني لأنه لم يأخذ بالاعتبار الكوارث الاقتصادية والمالية التي ستلحق بالأفراد والأسر والمجتمع في قطاع غزة على ضوء جملة الكوارث السابقة والمستمرة كالحصار والبطالة وعدم توفر بنية تحتية مناسبة، وعبثي لأن من اتخذ القرار، لم يدرك إلى أي حد من الممكن أن تصل ردود الفعل الفردية والجماعية في قطاع غزة، واستسهال اتخاذ هذا القرار الذي تسبب بمجزرة حقيقية على كافة المستويات، لا يشير إلا إلى أن من اتخذه لا يعبث فقط بحياة المواطنين في القطاع، بل أن ذلك العبث يطال عموم الوضع الفلسطيني على مختلف المستويات، ذلك أن هذا الشعور بالقهر والظلم المتواصل من قبل القيادة الفلسطينية من خلال جملة من القرارات التعسفية لا بد لها إلا وأن تتحول إلى فعل يؤدي إلى مزيد من علاقات تناحرية بين الجمهور من ناحية والقيادة الفلسطينية من ناحية ثانية.
وإذا ما تجاوزت الأخطار المالية والاقتصادية والمعيشية لهذه المجزرة، فإننا نعتقد أن الأخطار ذات السمات الاجتماعية والنفسية ربما تشكل أكثر خطورة على مستوى الانقسام النفسي والاجتماعي بين شطري مناطق السلطة المتاحة من الوطن الفلسطيني، ذلك أن هذا القرار اقتصر على قطاع غزة دون الضفة الغربية، وهذا يعني أن القيادة تحمل قطاع غزة ومواطنيه مسؤولية الانقسام، ومسؤولية ضعف الأداء الحكومي وفساد قيادات السلطة، وموظفوا قطاع غزة، عليهم أن يتحملوا وحدهم مسؤولية فشل تعاطي القيادة الفلسطينية مع مختلف الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا من شأنه أن يحول الانقسام بين الضفة وغزة، من ملفاته السياسية والاقتصادية، إلى البعد الأكثر خطورة، تقسيم نفسي واجتماعي بين الشقين الشقيقين، بحيث ينظر كل شق إلى الآخر، وكأنه خصم وربما عدو، ونعتقد أن هذا الأمر، تشكل أخطر نتائج لتلك السياسة الرعناء التي سلكتها القيادة الفلسطينية في الضفة الغربية عندما اتخذت قرارها بارتكاب مجزرة الرواتب في قطاع غزة!
ولا شك أن عدم تحرك أهلنا في الضفة الغربية لنصرة موظفي قطاع غزة، حتى الآن على الأقل، سيترك صدعاً من الصعب ترميمه في الجسم الفلسطيني على المستويات الاجتماعية والنفسية، وبصرف النظر عن نتائج أي تحرك فعال في الضفة الغربية، فإن نتائجه ستخفف من عملية الاحتقان على المستويات النفسية والاجتماعية.