Menu

(انتفاضة القدس نموذجا + أمثلة اجتماعية)

نظرية "غوبلز" في التأطير.. أو مصيدة احتلال العقل والوعي!

نصّار إبراهيم

نظرية "غوبلز" في التأطير.. أو مصيدة احتلال العقل والوعي!

باول يوزف غوبلز (بالألمانية: Paul Joseph Goebbels) 29 أكتوبر 1897 - 1 مايو 1945) هو وزير الدعاية السياسية في عهد أدولف هتلر وألمانيا النازية،
تقوم نظرية غوبلز على فكرة السيطرة على العقول وفق نظرية التأطير، ومن خلال ذلك يجري تمرير السياسات... هذه النظرية لا تزال فاعلة ومستخدمة بحيوية وقوة... وخاصة في مجتمعاتنا العربية ، كما تستخدمها أيضا الدول الاستعمارية ضد شعوبنا بفعالية كثيفة.

وبقليل من التأمل سنكتشف في حياتنا اليومية آلاف الأمثلة على كيفية استخدام الحكومات والأنظمة نظرية غوبلز في التأطير من أجل فرض سياساتها باعتبارها "خياراتنا الحرة"... والمضحك أننا نقوم بذلك "ونحنا مبسوطين ع الآخر!".

لتقريب الفكرة لنلاحظ المثال التالي: "ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺰﻭﺭ ﺻﺪﻳﻘﺎ ﻟﻚ ﻓﻲ ﺑﻴﺘﻪ ﻭﻳﺴﺄﻟﻚ:

ﺗﺸﺮﺏ ﺷﺎﻱ ﺃﻭ ﻗﻬﻮﺓ ؟ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ ﺃﻥ ﻳﺨﻄﺮ ﺑﺒﺎﻟﻚ ﺃﻥ ﺗﻄﻠﺐ ﻋﺼﻴﺮﺍ ـ ﻣﺜﻶ.... هذه الوضعية تسمى : ﺃﺳﻠﻮﺏ ﺍﻟﺘﺄﻃﻴﺮ، اي جعل ﻋﻘﻠﻚ ﻳﻨﺤﺼﺮ ﻓﻲ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﻣﺤﺪﺩﺓ ﻓﺮﺿﺖ ﻋﻠﻴﻚ ﻻ ﺇﺭﺍﺩﻳﺂ ﻭﻣﻨﻌﺖ ﻋﻘﻠﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻻﺧﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻤﺘﺎﺣﺔ.... ﺑﻌﻀﻨﺎ ﻳﻤﺎﺭﺱ ﺫﻟﻚ ﺑﺪﻭﻥ ﺇﺩﺭﺍﻙ...ﻭﺑﻌﻀﻨﺎ ﻳﻔﻌﻠﻪ ﺑﻬﻨﺪﺳﺔ ﻭﺫﻛﺎﺀ... ﻭﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻤﺎﺭﺱ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﺳﻠﻮﺏ ﺑﻘﺼﺪ، أي عندما ﺃﺟﻌﻠﻚ ﺗﺨﺘﺎﺭ ﻣﺎ ﺃﺭﻳﺪ ﺃﻧﺎ ﺑﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﺗﺸﻌﺮ ﺃﻧﺖ..

أو مثلا حين ﺗﻘﻮﻝ ﺃﻡ ﻟﻄﻔﻠﻬﺎ:

ﻣﺎ ﺭﺃﻳﻚ..ﻫﻞ ﺗﺬﻫﺐ ﻟﻠﻔﺮﺍﺵ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﺍﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﺃﻡ ﺍﻟﺘﺎﺳﻌﺔ؟ ﺳﻮﻑ ﻳﺨﺘﺎﺭ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﺍﻟﺘﺎﺳﻌﺔ.. ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﺗﺮﻳﺪﻩ ﺍﻷﻡ ﻣﺴﺒﻘﺎً ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﺸﻌﺮ ﺃﻧﻪ ﻣﺠﺒﺮ ﻟﻔﻌﻞ ﺫﻟﻚ ﺑﻞ ﻳﺸﻌﺮ ﺃﻧﻪ ﻫﻮ ﻣﻦ ﻗﺎﻡ ﺑﺎﻻﺧﺘﻴﺎﺭ... 

ﻭﻧﻔﺲ ﺍﻷﺳﻠﻮﺏ ﻳﺴﺘﺨﺪﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻭﺍﻹﻋﻼﻡ... ﻓﻲ ﺣﺮﺏ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﺍﻟﻔﺎﺻﻠﺔ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺍﻟﻤﻄﺎﺭ ....ﻓﻘﺎﻣﺖ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﺑﺘﻌﺒﺌﺔ ﺍﻟﻄﺮﻓﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﺍﻟﺤﺎﺳﻤﺔ ﻫﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺍﻟﻤﻄﺎﺭ... ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ ﺟﻤﻴﻊ ﻭﺣﺪﺍﺕ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﺤﺔ ﺍﻟﻌﺮﺍﻗﻴﺔ ﺗﺘﺮﻗﺐ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ... ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﻘﻂ ﺍﻟﻤﻄﺎﺭ..ﺷﻌﺮ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ ﻛﻠﻪ ﺳﻘﻂ ﻭﻣﺎﺗﺖ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ!.. ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﺃﻧﻪ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻟﻢ ﻳﺴﻘﻂ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﻤﻄﺎﺭ!!" (عن صفحة أ. الرحمن هلال).

والآن لنتأمل واقعنا قليلا.. لنستعيد كيفية تمرير القرارات والسياسات حول رفع الأسعار او تخفيض الرواتب أو تمرير الاتفاقيات السياسية...أو حول الحقوق وحرية التعبير مثلا.

هل تقبلون برفع اسعار المحروقات مثلا 5% أم خسارة القرض المقدم من البنك الدولي!؟

أو مثلا حين يتم التفكير بتغيير المناهج التعليمية .. تبدأ التسريبات أن ذلك سيمس عقيدتنا وإيماننا... وهكذا يتشكل رأي عام مسبق ضد أي تغيير.. وما أن يحدث أي تغيير حتى ولو كان جملة في كتاب التربية الدينية مثلا حتى تصبح تلك الجملة أم المعارك.. وأنها هي الفصل والفيصل في الإيمان.

أو مثلا لتمرير التوقيع على اتفاقية سياسية أو اقتصادية تمس ركائز السيادة الوطنية... في البداية يتم طرح المعادلة هكذا: هل نذهب إلى اتفاقية بحريتنا أم ننتظر أن تفرض علينا فرضا... يعني لا مجال لأية خيارات أخرى إما أن نقبل أو يتم فرضها... لا خيار آخر... لا مقاومة...

أو مثلا: تتجوزي س أو ابن عمك أو تظلي في البيت، أو تقبلي الإهانة والضرب أو زوجك يتزوج عليكِ !!؟... 

هذه الفكرة بالضبط ما حاول الاحتلال الإسرائيلي القيام به في مواجهة انتفاضة القدس الأخيرة حين حاول تخيير الفلسطينيين ما بين البوابات الإليكترونية والكاميرات الذكية... وكادت أن تمر بفضل نظرية غوبلز للتأطير .. لولا أن الوعي الجمعي لشعبنا في القدس حسم أمره وكسر ثنائية الخيار حين قال بوضوح لن نقبل لا هذا ولا ذاك ونحن مستعدون للمقاومة ودفع الثمن... حينها اهتزت وتخلخلت المعادلة.. وسقطت...

الفكرة... أن المجتمع بقواه ومثقفيه وإعلامييه عليه دائما أن يحرس وعيه وأن يبقي عقله متحفزا... وأن يكون مستعدا لكسر نظرية الخيارات المغلقة.. أن يكون مستعدا للتحرك خارج الدائرة المرسومة لحركته بعناية وذكاء... وأن يفكر دائما بخيار ثالث ورابع وعاشر حتى لو بدا للوهلة غير عقلاني وفق ثقافة العجز والاستسلام السائدين.