تراجعت القيادة السياسية الفلسطينية عن تقديم طلب عضوية كاملة في الأمم المتحدة خلال انعقاد الجمعية العامة للمنظمة الدولية، وهو الأمر الذي كانت تلك القيادات تصرح به طول الأشهر الماضية، تبرير هذا التراجع عزز ما تناقلته وسائل الإعلام من أن ضغوطاً أميركية وعربية على الجانب الفلسطيني بهذا الشأن من أجل "إتاحة مساحة أمام إدارة ترامب لإطلاق عملية سياسية تقود في نهايتها إلى دولة فلسطينية".
وبالفعل، فإن إدارة ترامب بدأت بالتحرك في إطار عملية سياسية تهدف إلى تغيير التفويض الممنوح لوكلة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" ودمج مكوناتها بالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، هذا الأمر يتطلب تصويتاً في الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة حالياً، وليس من المرجح، ان توافق الجمعية العامة على مثل هذا التغيير على تفويض الأونروا في ظل ميزان القوى القائم في الجمعية العامة، الأمر الذي يحتاج إلى جهود أميركية – إسرائيلية محمومة من أجل تعديل ميزان القوى القائم لضمان التصويت بالموافقة على هذا المشروع.
ورغم أن السعي الإسرائيلي – الأميركي الهادف إلى تعديل التفويض الممنوح للأونروا ليس بالأمر الجديد، إلا أن الدولة العبرية وجدت أن هناك فرصة ذهبية هذه المرة نظراً لموقف إدارة ترامب المتصلب من الأمم المتحدة وتبني هذه الإدارة لرؤية واشنطن على ضرورة تفكيك وكالة الغوث ودمجها مع ممثليات تهتم بشكل عام بمسألة اللاجئين على المستوى الدولي، وبحيث لا يتم "تخليد" مسألة اللاجئ الفلسطيني مع بقاء وكالة الغوث كما هي عليه الآن، وفقاً لما اتفق عليه نتنياهو عند اجتماعه سابقاً مع مندوبة الولايات المتحدة في المنظمة الدولية نيكي هالي خلال زيارتها الأخيرة لتل أبيب، التي وعدت بالتوجه إلى الكونغرس الأميركي لقيادة حملة منظمة تهدف إلى إلغاء وتفكيك وكالة الغوث والضغط على مختلف الدول من أجل تعديل ميزان القوى لصالح التصويت على مشروع تتقدم به واشنطن لهذا الهدف، مع أن كل الدلائل تشير إلى فشل هذا المسعى، مع ذلك فإن مثل هذه الحملة قد تأتي ثمارها في حال فشل الجانب الفلسطيني والمنظومة العربية في التصدي له في مرات قادمة وهو ما تعول عليه الدولة العبرية التي نشطت مؤخراً في جلب المزيد من الاعترافات بها من قبل دول كانت تمنح صوتها بشكل أوتوماتيكي لنصرة القضية الفلسطينية.
المفارقة، أن القيادة السياسية الفلسطينية تتراجع عن التقدم بعضوية كاملة لفلسطين في الأمم المتحدة، بدعوى اتاحة المجال لعملية سياسية أميركية، بينما تلجأ إدارة ترامب من الناحية العملية لإلغاء وكالة الغوث وتفكيكها في محاولة يائسة لإغلاق الملف الأهم على صعيد القضية الفلسطينية وهو ملف اللاجئين الفلسطينيين!