Menu

تفاصيلُ التنفيذ: 17 أكتوبر.. هكذا تمّ الرد

17 أكتوبر

الطريق إلى الرد كانت قاسية، صعبة، محفوفة بالمخاطر، لكن العزيمة كانت هناك في الصدور التي أقسمت على اقتحام المصاعب فداءً لدماء وروح أبو علي. كانت كلمات الجبهة قاسية حتى على أبنائها وهي تصرخ فيهم: ليس من أجل الصمت أتيت بكم، خرجتم من رحمي الأزلي لتعيشوا بكرامة، فالويل لكم إن لم تنزعوا حريتكم من أشداق الموت. الويل لكم إن لم تثأروا لدماء رفيقكم المصطفى.

في يوم الأحد بعد الظهر 14 أكتوبر، بعد أن التقى الرفيق حمدي قرعان للمرة الأولى بمسؤول الجهاز العسكري للجبهة عاهد أبو غلمة وشرح له الخطة وتسلّم كل تفاصيل العملية وتفاصيل الدخول والخروج من مكان تنفيذها، بقي أن يعاين الرفيق المكان على أرض الواقع، ولذا طلب منه التوجه إلى الفندق حيث دخل الرفيق حمدي قرعان إلى فندق حياة أو المعروف بفندق "ريجنسي" الواقع على خط التماس شرق القدس . تقدم إلى مكتب الاستقبال وهناك أخرج الرفيق حمدي قرعان من جيبه بطاقة هوية إسرائيلية زرقاء مزورة باسم سامر شحادة، وقد تم تصوير الهوية وتم الاحتفاظ بصورة عنها في ملف الفندق ومكث في الفندق تلك الليلة، وحينها تعرف الرفيق على تفاصيل الخطة على أرض الواقع وتعرف على أماكن الدخول والخروج.

بالمقابل كان قد عمل طاقم المساعدين على الأمور اللوجستية للعملية، حيث استأجروا سيارتين من شركة تأجير سيارات مقدسية "فيت فونتو" إحدى السيارتين تم استئجارها لصالح الرفيق محمد الريماوي (37 عاماً) وهو من بيت ريما وكانت من نوع "فيت فونتو" صغيرة وخفيفة الحجم والوزن، واستقل هذه السيارة الرفاق المنفذين، أما السيارة الأخرى فقد تم استئجارها باسم الرفيق لؤي عودة وهو مقدسي، وكان مخطط بأن تستخدم هذه السيارة للإنقاذ والحراسة. سيارة فتح الطريق (باللغة الأمنية) يستقلها الرفيق محمد وكان قد أخفى بداخلها رشاشاً من نوع "سكوربيون" الذي كان سيستخدمه في حالة المطاردة.

في ساعات بعد الظهر من يوم 16 أكتوبر، سافر الرفاق في السيارة على طول مسار الانسحاب المخطط له وفحصوا طرق انسحاب محتملة، كما أعد باقي الرفاق المساعدون شقة اختباء في بيت صالح علوي من سكان حي الإسكان في قرية العيزرية. أما بالنسبة للسيارة الثانية فكانت أشبه بشاحنة يخفي الرفاق بداخلها أسلحة رشاشة وقنابل ومتفجرات ووسائل قتالية أخرى بهدف استغلال تلك الإمكانيات في حالة حدوث طارئ كفشل عملية تصفية زئيفي أو ملاحقتهم، أو أي أمر آخر يستجد على طبيعة العملية، وللعلم أنه كان مقرراً على الرفاق في حالة فشل العملية أو عدم النيل من هدفهم "زئيفي" فتح جبهة كاملة في منطقة القدس الشرقية كنوع من إطار سلسلة الرد وضمن حلقة من حلقات الثأر المقررة عسكرياً للمجموعة. إلا أن نجاح العملية أغنى عن ذلك.

وفي ساعات المساء من تاريخ 16/10/2001م توجه الرفاق الثلاثة حمدي قرعان وباسل الأسمر ومحمد الريماوي إلى الشقة في العيزرية، وبقي الرفيق محمد فيها لكي يتوجه إليهم في ساعات الصباح الباكر. أما الرفيقين حمدي وباسل فاتجهوا إلى باب العامود في القدس حتى أول الليل وقد اتصل الرفيق حمدي بالفندق من "بلفون" كان بحوزته وحجز غرفة باسم سامر شحادة لاثنين، ولأن الاسم محفوظ لديهم تم قبول الحجز، وفي الساعة الثامنة والنصف مساءً توجه الرفيقان إلى الفندق بواسطة سيارة مستأجرة ودخلوا من مرآب الفندق أي باب الخروج عند التنفيذ. وقدَّم الرفيق حمدي هويته المزورة وكان قد التقى بنفس الشخص الذي استقبله المرة الأولى ودفع أجرة الغرفة وحصل من موظفة الاستقبال على مفاتيح الغرفة الواقعة في الطابق الثالث، وبقيت كل المواد اللازمة للتنفيذ بالسيارة في مرآب الفندق، وبعد أن استقرا في غرفتهما، خرج الرفيقان في جولة شاملة في الفندق، حيث فحصا أبواب الطوارئ ونظام الحراسة والمصاعد وطبيعة الحياة في قاعة الجلوس، ثم صعدا إلى الطابق الثامن لتفحص مكان التنفيذ في غرفة رقم 816.

في يوم الأربعاء صباحاً حسب ما هو مخطط نهض الرفيقان حمدي وباسل مبكراً من نومهما الساعة السادسة صباحاً وقاما بتجهيز أنفسهما وأخذا وضع الاستعداد للتنفيذ، وفي الساعة السادسة والنصف خرج الرفيق حمدي من الغرفة ليتأكد من وجود سيارة الهدف في الساحة الأمامية للفندق حيث كانت تقف بالعادة، وأثناء خروجه لاحظ زئيفي وزوجته ياعيل يتناولان وجبة الإفطار في مطعم الفندق ورجع إلى الغرفة وخرج مع رفيقه باسل، وبواسطة درج خلفي يستخدمه عمال الفندق ويستخدم في حالة الطوارئ وصلا إلى مرآب السيارات وأخذا المواد اللازمة للتنفيذ من السيارة حيث كانا يحتفظان بها في مكان سري. فحصا أخيراً وصعدا من نفس الدرج إلى الطابق الثامن الذي يقطن فيه العنصري زئيفي حيث كان يُمنع الصعود إلى هذا الطابق للعامة بواسطة المصاعد الكهربائية، وانتظر الرفيقان في مدخل الدرج لفترة تصل إلى حوالي ربع ساعة. وبعد السابعة بقليل غادر زئيفي غرفة الطعام وصعد باتجاه غرفته من أجل أن يأخذ من هناك حقيبة. ليخرج له مُقدَّس وسالم اليدين رفيقنا حمدي قرعان شاهراً مسدسه "كاتم الصوت"، مُعتذراً لناجي العلي، ونادى عليه من الخلف بلقبه "غاندي"، لتكون تلك آخر كلمة يسمعها في حياته، كلمة من ثائر ومُنتقِم جبهاوي، وما أن التفت صوب مصدر الصوت، فوجئ بحكم الجبهة الشعبية، ثلاث رصاصات صُبت في جسده النجس حمماً وبراكيناً وغضباً جبهاوياً معبئاً بثقل وأوجاع وآلام لعُمر شعب كامل، حال حياته القهر والذل والهوان، ثلاث رصاصات كل رصاصة فيهن كانت طريقاً للثأر والخلاص والانتقام لدماء الأمين العام أبو علي مصطفى ، لتسيل بعدها دماء الزناخة والنجاسة، ولتكون أيضاً آخر الدماء التي يراها زئيفي في حياته، دماؤه هو، وبهذا يسقط أول وزير صهيوني في تاريخ الثورة الفلسطينية على يد أبناء الجبهة الشعبية.

ترك الرفاق في غرفة الفندق كُتيباً كان قد أُعدّ في ذكرى الأربعين لاستشهاد أبو علي، ليُأكدوا للعدو أن دماء أبي علي لا تساويها دماء، وأن رجال المقاومة قادرون على الوصول إلى أهدافهم في كل مكان وزمان.

ولتبدأ في هذه اللحظة المرحلة الأخيرة لاستكمال مخطط ما بعد العملية للانسحاب من الفندق، بدون ترك أي علامة استفهام أثناء ذلك، وقد خرج الرفيقان من درج الطوارئ الذي وصلا منه إلى الطابق الثامن وهذا أوصلهم إلى سيارتهم في المرآب، ثمّ خرجا بأمان بدون أن يُثيرا أي انتباه، وسافرا في السيارة المستأجرة على طول مسار الانسحاب المخطط له. لكن الخطة لم تكتمل، فلم يتمكن الرفاق من الوصول إلى رام الله حيث وُضعت الحواجز على الطرقات، وعندما لاحظ الرفيقان حمدي وباسل ذلك تركا سيارتهما في أحد شوارع القدس، واستخدما الخطة البديلة وتوجها مشياً على الأقدام إلى بيت الرفيق صالح علوي في العيزرية، أما الرفيق محمد الريماوي الذي كان من المفروض أن يتبعهم بعد خروجهم من الفندق والذي كان ينتظرهم أمامه في سيارته للتغطية عليهم والمساعدة في انسحابهم، حدث عطل معه في السيارة وهذا ما دفعه إلى تركها، وتوجه أيضاً مشياً على الأقدام إلى البيت الذي خرج منه، والتقى الرفاق جميعاً في البيت وهنّئوا بعضهم بعضاً. لكن الاحتلال وقواته لم يتركوهم يهنأون بالفرحة، ففي الساعة الثالثة من صباح اليوم التالي، طوقت قوات كبيرة من جيش الاحتلال الشقة التي كانوا يتواجدون فيها، ولحسن الحظ فقد تنبّه الرفاق لذلك قبل وصول القوات بلحظات، ليتمكّنوا من الفرار، إلّا أنّ جنود الاحتلال لاحظوهم، ولاحقوهم بالطائرات والآليات. تفرّق الرفاق عن بعضهم البعض وتخلصوا من الملاحقة، ووصل حمدي وباسل إلى بيت لحم جنوب القدس، والرفيق محمد وصل إلى مخيم قلنديا شمال القدس، أما الرفيق صالح فقد تم إلقاء القبض عليه.

ولتبدأ الحملة العسكرية الصهيونية الشرسة في تلك الأثناء، غير مستثنية مدينة أو بلدة أو قرية ضفاوية، وفي ظل أوسع وأشرس حملة عسكرية تقوم بها حكومة الكيان بحثاً عن باقي أفراد المجموعة، لكن الفشل الذريع كان أسهل من أن يُسجل إلى جهودهم وأطقم استخباراتهم وأقمارهم الصناعية وطائراتهم ودباباتهم، وليستمر رفاقنا في التخفي قرابة الثلاثة شهور. إلى أن اختمرت الخيانة لدى من سمّوا أنفسهم قادة أجهزة أمنية بسلطة أوسلو وعلى رأسها الأجهزة الأمنية المفعَّلة إسرائيلياً والمدربة أمريكياً، لتحاصر رفاقنا في وسط مدينة نابلس وتعتقلهم بعد عملية مقاومة طويلة، حيث أعتقل الرفيق عاهد أبو غلمة المتهم بالمسؤولية عن التخطيط لتلك العملية الجريئة والعقل المدبر لها، ومسؤولية الجهاز العسكري للجبهة الشعبية والذي قاوم وكما رفاقه تلك الزمرة المتعاونة، وقفز هو ورفاقه من الطابق الرابع من البناية التي كانوا يتواجدون فيها، وكانت النتيجة وكما رآه العالم بأسره على شاشات التلفاز، كسير القدمين.

وكان معه الرفيقين حمدي قرعان وباسل الأسمر ورفاق آخرين من المطلوبين بنابلس، أما بالنسبة للرفيق مجدي الريماوي قائد ومُجنِّد المجموعة العسكرية التي نفذت عملية الثأر، فقد تم اعتقاله هو الآخر في منطقة أم الشرايط قضاء رام الله بعد عملية ملاحقة وحصار خانق، إلى أن طالت منه يد الخيانة الأوسلويّة، لتبدأ بعد ذلك عملية محاكمتهم الدنيئة.