Menu

ظواهر خلافية صهيونية

د.فايز رشيد

الفسيفساء اليهودية في فلسطين لن تشكل وحدةً عضوية بين تشكيلاتها الإثنية، ولن تكون سبعون، ولا حتى مئة عام كافية لتشكيل «مجتمع»، و«قومية»، و«أمة» في الكيان الصهيوني، وكلما مرت السنوات قُدما فإن انقساماته تتعمق. انقسامات سياسية، اجتماعية، اقتصادية وغيرها. إضافة إلى عنصرية ممارسة بين تشكيلاته العرقية. نحن لا نتجنى والحالة هذه، ولا نعكس قراءة رغائبية لهذا الشارع (ولا نقول مجتمع)، وإنما نتيجة لقراءات تحاول استقصاء الدقة في قراءته. بالفعل، لقد تجددت المواجهات الحادة الأسبوع الماضي بين مجموعة كبيرة من اليهود المتدينين المتزمتين «الحريديم»، وبين عناصر جيش الاحتلال في القدس المحتلة، خلال تظاهرات «الحريديم» الرافضة للخدمة العسكرية في جيش الاحتلال من منطلقات دينية، على الرغم من مواقفهم السياسية اليمينية المتشددة. وأسفرت المواجهات عن وقوع إصابات عدة بين الجانبين، واعتقال نفر قليل من المتظاهرين.

معروف أن «الحريديم» يرفضون الانخراط في الخدمة العسكرية الإلزامية في جيش الاحتلال من منطلقات الشريعة اليهودية، ومنذ العام 1948 حظيوا بإعفاء كامل من الخدمة، إلا أنه في العقدين الأخيرين جرت محاولات عدة لفرض الخدمة عليهم، ولو جزئياً. ومع الوقت تحول إعفاء «الحريديم» إلى مشكلة متفاقمة، انعكست بقوة على نسبة الشبان الذين يؤدون الخدمة العسكرية الإلزامية. إذ تقول المعطيات إن نسبة التجاوب مع الخدمة في حدود 67 % من أصل الشبان اليهود. وحسب ما ينشر، فإن 80 % من الممتنعين هم من «الحريديم»، وهذه نسب متصاعدة بفعل نسبة التكاثر العالية «للحريديم». وأقرت الحكومة الصهيونية في عام 2013 قانوناً يفرض على شبان الحريديم الخدمة العسكرية جزئياً في وحدات عسكرية خاصة بهم. إلا أن هذا جوبه بمعارضة شديدة. 

وقبل عام، ألغت الحكومة الحالية القانون إلا أنها أبقت على فرض خدمة جزئية هامشية. وبحسب تقارير أخيرة فإن إجمالي الشبان «الحريديم» الذين يخدمون في جيش الاحتلال خدمة جزئية لا يتعدى 19%. ويواجه الكثير من الشبان المجندين ملاحقات في أحياء «الحريديم»، واندلعت على هذه الخلفية الكثير من المواجهات بين «الحريديم» وعناصر الأمن الصهيوني. إلا أنه يوم 12 سبتمبر/أيلول الماضي أصدرت المحكمة العليا قراراً يقضي ببطلان إعفاء شبان «الحريديم» من الخدمة العسكرية، وألزم الحكومة بسن قانون جديد، حتى عام من يوم صدور القرار، ووقعت سلسلة من الصدامات بين المتظاهرين وعناصر الاحتلال.. وأزمة مرشحة للتفاقم.

على صعيد آخر، وقبل 16 عاماً، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2001 قامت الجبهة الشعبية بقتل الوزير العنصري رحبعام زئيفي في فندق في القدس رداً على اغتيال الشهيد أبو علي مصطفى الأمين العام للجبهة. كان ذلك قبل ساعات من دخول بيان استقالته من حكومة أرييل شارون حيز التنفيذ. الكيان الصهيوني صنع منه حينها نبياً يهودياً، ولم ينشر الاستقالة ولا أسبابها آنذاك. اليوم كشف الكيان أسباب استقالته.. كان زئيفي زنديقاً في حياته السياسية والشخصية. وقف على رأس حزب يميني متطرف كعنصري، ودعا لتنفيذ ترحيل للفلسطينيين، وهدد الصحفيين، وتسكع مع المجرمين، وهاجم النساء، واغتصب العديد منهن، وتملص من العقاب بفضل تسامح الشرطة الصهيونية معه خوفاً من الفضائح.

ورغم ذلك، أهين الكنيست بسن تشريع خاص نص على مناسبات وميزانيات رسمية -معظمها لمنفعة المستوطنين- لتخليد زئيفي، وسميت باسمه، منها متنزهات، وطريق، وجسر، وميدان، وحتى معسكر جيش. كل هذه أصبحت نصباً تذكارية لإرث شخص زنديق. حدث ذلك حتى بعد نشر برنامج «عوفدا» لشهادات اعتدائه جنسياً على النساء بشكل منتظم، وتهديده منتقديه بمساعدة المجرمين، وحتى بعد أن أعلن بعض النواب أنهم سيعملون على إلغاء القانون لتخليده بواسطة ميزانيات حكومية، بخلاف السنوات السابقة، وقرر مديرو المدارس عدم عقد المناسبات لذكراه في مؤسسات التعليم، رغم أنه في منشور مدير عام وزارة التعليم تقرر أن على المربين أن يكرسوا جزءاً من الدروس في هذا اليوم لذكرى زئيفي.

يقول الصحفي جدعون ليفي في «هآرتس» «المفروض أن يدور الحديث عوضاً عن الثناء عليه بأن يعرب المواطنون عن احتجاجهم على إصرار الكنيست على مواصلة تخليد الذكرى، وغرس إرث شخص جدير بكل شجب». ينبغي التقدير لمديري المدارس الذين يعلنون أن «واجب التخليد هو قضاء لا يريده الجمهور، ولا يمكنه أن يقوم به» (مدير مدرسة بلدية في «تل أبيب»، ناتي شتيرن)، أو يقترحون بدائل أكثر منطقية: «كنت اقترح على المديرين إحياء يوم الذكرى، ولكن للتصدي لسلوك زئيفي: الفاشي العنصري، وأعمال التحرش، فإرث زئيفي من الأفضل شطبه أو نبذه، وبالتأكيد عدم غرسه في الأجيال القادمة».