لاشك أن الحصار المُتواصل علي قطاع غزة، شكَّل عائقاً أمام مصالح المواطنين، فالاقتصاد الغزَّي يُعاني من حالة غير مسبوقة من الكساد والركود وتراجع القدرة الشرائية لدى المواطنين خاصة في ظل الإجراءات المفروضة من قبل السلطة الفلسطينية على القطاع من خصم على رواتب الآلاف من موظفيها وإحالة عدد كبير منهم للتقاعد المُبكر، وهو ذات القطاع الذي يُعاني سكانه من معدلات قياسية من الفقر والبطالة.
وينظر المواطن بعين الأمل بعد تسلّم حكومة الوفاق الوطني اليوم كافة معابر قطاع غزة، ضمن تنفيذ اتفاق المصالحة الوطنية الموقَّع بين حركتي فتح وحماس في القاهرة يوم الثاني عشر من أكتوبر المنصرم.
فبدأت أولى الخطوات المُبشرة بقرار أصدره المدير العام للجمارك لؤي حنش، يقضى بمنع الازدواج الضريبي والجمركي على انتقال البضائع بين المحافظات الشمالية والجنوبية، حيث أمر بوقف استيفاء أية رسوم جمركية وضرائب عن السجائر والتبغ ومشتقاته وعن المركبات التي تحمل عدم ممانعة للترخيص.
وفي ذات القرار الصادر قبل يومين عن حنش، أمر أيضاً بوقف استيفاء أية رسوم جمركية وضرائب عن السلع التي يتم إدخالها من المحافظات الجنوبية.
والسؤال الذي يُراود الكثيرين الآن، هل هذه القرارات والأوامر المُتعلقة برفع الضرائب والجمارك، ستخفف عن كاهل المواطنين وهل ستُترجم فعلاً على الأرض؟.
رئيس لجنة تنسيق دخول البضائع لقطاع غزة رائد فتوح، أكد اليوم في تصريحاتٍ لوكالاتٍ محلية، بدء دخول شاحنات البضائع إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم مع الجانب "الإسرائيلي" بدون دفع رسوم الجباية من أصحابها، وأن شاحنات البضائع بدأت بالدخول.
وللاستزادة حول الموضوع أكثر، يوضِّح الخبير الاقتصادي د. أسامة نوفل لـ"بوابة الهدف"، عدة نقاط هامة حول ما جرى اليوم، وما هي تبعات رفع رسوم الجباية وأمور أخرى. يقول "ما جرى اليوم يحمل في طياته مجموعة من الإيجابيات تتمثل في دخول البضائع إلى قطاع غزة بكميات أكثر مع عدم فرض رسوم عليها، وكل ذلك سينعكس على الحركة الاقتصادية بالنشاط والحيوية".
اليوم، وفور إعلان رفع رسوم الجباية المفروضة على البضائع التي تدخل للقطاع، عم التفاؤل في أواسط التجار ولو على نحوٍ خجول، إلّا أنه وفي ظل وجود الإيجابيات، تبيَّن أن هناك سلبيات أيضاً، يُضيف الخبير نوفل "اليوم تسلمت حكومة الوفاق المعابر إلّا أن هناك حالة من الفراغ في المعابر لعدم دمج الموظفين العاملين فيها مع الموظفين الجدد، والموظفين الآن الموجودين على المعبر ليس لديهم الدراية الكاملة بموضوع البضائع والمنتجات التي تدخل إلى قطاع غزة".
كما وأكد نوفل على أن مسؤول لجنة إدخال البضائع إلى قطاع غزة رائد فتوح تحدث اليوم عن أن البضائع أصبحت تدخل إلى قطاع غزة بدون رسوم، "وأنا أؤكّد له أن البضائع أيضاً تدخل بدون فحص ولا رقابة، فأصبح هناك تخوف كبير جداً على حماية المستهلك في المرحلة القادمة".
موقع المنتج الوطني من الإعراب؟
"في الحقيقة سيتأثر المنتج الوطني بشكلٍ كبير، فنحن نتبع سياسة سعرية لحماية المنتج الوطني في القطاع الزراعي على سبيل المثال، ونحن في هذه الأيام في موسم البصل، والمفروض منع دخول سلعة البصل من إسرائيل لنحمي لمزارعين المحليين، ولكن بعد ما جرى اليوم سيتضرر مزارعي البصل في القطاع، وستغزو البضائع الإسرائيلية أسواق القطاع وكل ذلك على حساب المنتج الوطني"، يُضيف المُحلل نوفل.
وفي سياق الرفع الذي شهده هذا اليوم، أعلن الوكيل المساعد لوزارة المالية عوني الباشا عن إيقاف تحصيل الـ25% من ضريبة جمارك السيارات في قطاع غزة، مُوضحاً أن هذا القرار جاء تماشيًا مع توحيد الضرائب بين الضفة والقطاع بعد التفاهمات الأخيرة التي أدت إلى توحيد منظومة العمل داخل وزارة المالية بما فيها الجمارك والضرائب.
الخبير نوفل أثنى على هذه الخطوة، قائلاً: "بعد رفع الـ25% التي كانت مفروضة على السيارات، سنشهد تراجع في أسعار السيارات الحديثة والمستخدمة مما يشجع عملية الشراء".
"الهدف" تحدثت مع نائب رئيس جمعية مستوردي المركبات وائل الهليس، الذي قال خلال الاتصال أن أسعار السيارات الحديثة ستشهد انخفاضاً في قطاع غزة خلال الفترة القادمة بعد رفع الرسوم الجمركية، مُوضحاً أنَّ "السيارات الموجودة لدينا في قطاع غزة أسعارها منخفضة ومناسبة للشراء أفضل من الضفة الغربية إلّا أن الجمارك التي كانت مفروضة في السابق هي السبب في الأسعار الكبيرة التي كنَّا نعلمها".
وكنوعٍ من التفصيل، أوضح الهليس أن "السيارات الصغيرة كـ(باندا – بيكانتو) سينخفض سعرها بما قيمته من 1000 إلى 2000 دولار، أما باقي السيارات ستكون قيمة الانخفاض في السعر بما قيمته من 2000 إلى 5000 دولار، ويشمل هذا الانخفاض كافة السيارات المتواجدة في قطاع غزة الغير مجمركة"، خاتماً حديثه بإيجابية عمَّا ستشهده الحركة الشرائية في الفترة المُقبلة، كما في أسواق الضفة.
وبالعودة إلى المحلل الاقتصادي د. نوفل، لم يبدِ تفاؤله إلى حدٍ كبير بشأن ما تحدَّث به نائب رئيس جمعية مستوردي المركبات، حيث عقَّب بالقول "السيارات هي سلع مكمِّلة وليست سلع أساسية، وبالتالي الذي سيتأثر برفع الجمارك هم فئة محدودة جداً من الذين لديهم القدرة الشرائية على اقتناء السيارات الحديثة"، داعياً إلى الاهتمام والتركيز أكثر على السلع الأساسية التي تُستهلك من جميع سكان قطاع غزة.
المُشاهد للصورة من بعيد ويرى تسلّم حكومة الوفاق للمعابر في القطاع يعلم بأن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، إلّا أن المواطنين في قطاع غزة يتابعون بعين الشقي المُنتظر، تطورات تطبيق اتفاق المصالحة الفلسطينية وانعكاساته على الأوضاع المعيشية الاقتصادية المُتردية في القطاع الذي يُعاني من حصار مُطبق وتوقف عملية إعادة الاعمار ومن الاجراءات المفروضة من قبل السلطة، فلسان حالهم يقول: نعيش على الأمل ولكن بحذر.