Menu

«انطلاقة حماس، والفخ الكبير»

من الانطلاقة

أحمد مصطفى

ثلاثون عامًا على هذه الحركة التي استطاعت أن تبرهن للبيت الفلسطيني مدى انضباطها المؤسساتي (داخل أطرها التنظيمية). متينةٌ هي حماس أمام أفرادها، صلبة، قوية وصارمة.

طال الفساد العديد من صفوفها كأي تنظيم فلسطيني يتسلّق دخلاؤه عليه من ثغرة التشاركية، وعلى الرغم من ذلك استطاعت أن تضبط ترنحها في الكثير من المآزق.
في النصف الأول من نشأتها كانت أقوى رغم الامكانات الشحيحة، وكانت أمهر، إلى أن دخلت أبواب السياسة من أضيق الطرق؛ هنا وقعت حماس في الفخ الكبير، الفخ الذي نقل فاتورة محاسبتها إسرائيليًا وعربيًا من عقابٍ فرديٍ لأفرادها، إلى عقابٍ جماعيٍ لكافة شباب ونساء وشيوخ وأطفال قطاع غزة.

كان النصف الثاني من عمرها قاسيًا، فعلى الرغم من سيطرتها على القطاع بعد أحداث الانقسام الفلسطيني وفوزها بالصندوق الانتخابي، وعلى الرغم من ضبطها للأمن والفلتان، وبالرغم من تطوير ترسانتها المسلحة؛ إلا أنها وجدت شعبًا قُطِعَت الأنفاس والمعابر عنه، ووجدت عمالًا يجلسون في بيوتهم لأحد عشر سنة بعد أن كانوا يعملون في إسرائيل، وأصبحت قوى الشباب مهدرة على نواصِ الطرقات، ولم يغدو قرار المواجهة مع العدو عفويًا كما كان، بل أصبح مرهونًا بالسياسة والإقليم من الدرجة الأولى.

هذه الكبوة الخطيرة التي نقلت حماس من مربع المقاومة إلى مربع السياسة وتحمل مسؤولية شعب كامل، شكلت لها أعباءً جسيمة، ففي الوقت الذي تنعم به حماس بالاكتفاء المادي والدعم الخارجي لها ولأبنائها ومقاومتها (وهذا حقها)؛ ترى على جانب الصورة شعبًا جفّ اللُعاب من فمه جوعًا وعطشًا.

حاول شعبنا الفلسطيني العظيم أن يحتويها دومًا، وقاسمها مرارة الحرب ودفع من أرواحه ثمنًا زهيدًا لأجل قضيته المنشودة، ولم يثر عليها يومًا، لكنّ الشعب الآن أصبح في وجه المِخرز، ولم تعد به أي طاقة ليصلبَ طوله ويقاتل بها أو يصبر، بعد معركة الوعي الحاصلة، أصبح المواطنون يذكرون حماس بمقولة نابليون بونابرت الشهيرة: "أُشبِعُ جنودي أولًا ثم أبدأ المعركة".

أدركت حماس ذروة هذا الخطر في الوقت الراهن، فبدأت بالانسحاب من الحكم لتتخلى عن كافة مسؤولياتها الحكومية، وستدفع ثمن ذلك من دمائها بكل طاقاتها لتعود للمربع الأول الذي يخرجها من هذا العبء، ولن تعود عن المصالحة التي تشكل لها نقطة الأمل الأخيرة التي سيشكرها شعبنا عليه رغم كل الضرر فيما سلف.

اليوم تحتفل حماس بانطلاقتها، اليوم تولد حماس من جديد، اليوم تعود للأناشيد الثورية القديمة، اليوم ترسم حماس بروتوكول شعبي راديكالي هدفه الأول الانطواء على نفسها، والعمل على إعادة شعبيتها، والاكتفاء الذاتي بكافة العواقب التي ستحل عليها دون أن تشرك شعبها بعقوبات جديدة تدمره وتذمره بالمقاومة وأهلها، وبالأحزاب وأيديولوجياتها.

كل عام وشعبنا الفلسطيني حر، كل عام وحماس أنضج، كل عام والفصائل الفلسطينية تحت سقيفة الوحدة الوطنية أمتن.

المجد للشهداء، الشفاء للجرحى، الحرية للإنسانية.