Menu

"رأى المسمار الذي كان يعلق عليه عقاله، فمات"

تعبيرية

خالد جمعة

رأى المسمار الذي كان يعلق عليه عقاله، فمات...

عندما كنت أدرس في معهد البوليتيكنيك في مدينة الخليل، استأجرت بيتا عند رجل يدعى "أبو سالم"، ومع طول مدة استئجار البيت، نشأت علاقة بيننا، وكانوا يرسلون معي العنب وورق العنب والخوخ من كرمهم إلى أهلي، وكان أهلي يرسلون لهم سمكاً من غزة بالمقابل.

ذات يوم، جلس أبو سالم على حافة الكرم، وراح يحدثني عن غزة وأول زيارة له لبحرها، لكنه لم يعرف أن تفصيلة في وسط الحكاية ستبقى معي إلى الأبد.

قال: أنا مولود عام 1948 في قرية وادي الحسا، "وهي مجاورة لقرية حتا التي هجر منها أبواي"، ولم نكن نستطيع زيارة البحر قبل عام 1967، وبعد أن أكملت إسرائيل احتلال البلاد، صار بإمكاننا أن نزوره، وفي أول رحلة لنا من الخليل إلى غزة، أمر أبي السائق أن يتوقف في وسط الطريق بين الخليل وغزة، وقال: هنا كانت تقع قريتنا، دعونا ننزل لنرى ما حل بها، وفعلا نزلنا، وكنا نحن كمراهقين نريد الذهاب إلى البحر، ونقول لبعضنا إنه ليس وقت الذكريات... وعندما توجهنا إلى مكان قريتنا، كانت هناك شجرة كينا عملاقة ما زالت موجودة، وحين اقترب أبي منها، كان فيها مسماراً كبيراً، بدا أنه قديم وصدئ، نظر إليه أبي بحسرة تفوق الوصف، ولم نفهم ما يمكن أن يثيره مسمار قديم صدئ من مشاعر، لكن أمي همست لنا: لقد كان أبوك يعلق عقاله حين يزرع الأرض وحين يحصدها...

لم يحتمل أبي الصدمة، وبالطبع لم نكمل طريقنا إلى البحر، بل عدنا إلى الخليل، لأن أبي لم يحتمل رؤية مسماره العزيز، فمات إلى جواره.