Menu

«الدولة» بالمفاوضات رهان خاسر

د.فايز رشيد

الغريب، أن السلطة الفلسطينية ما زالت تراهن على انتزاع دولة فلسطينية من براثن العدو «الإسرائيلي» من خلال نهج المفاوضات ! والأغرب، أنها ما زالت تراهن على تغيير في الموقف الأمريكي من الصراع العربي - «الإسرائيلي». حول النقطة الأخيرة، فإنه بتعيين جون بولتون لمنصب مستشار الأمن القومي الأمريكي تكتمل الدائرة المؤيدة ل «إسرائيل» في الإدارة الأمريكية! وبخاصة بعد إقالة وزير الخارجية ريكس تيلرسون والمستشار السابق هربرت ماكماستر، كما تعيين مايك بومبيو وزيراً للخارجية وجينا هاسبل مديرة للاستخبارات المركزية. بولتون من الموقعين على «مشروع عصر أمريكي جديد» الذي يتبناه المحافظون الجدد. ولقد وصفه أحد المواقع البريطانية بأنه يميني متشدد ومستفز، ومتهم بأنه كان من مفبركي التهم الزائفة المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل لتبرير الحرب على العراق. وقالت صحيفة «واشنطن بوست» في مقال للكاتب ماكس بوت، إن أغلب الرؤساء يختارون في البداية الأيديولوجيين الأنقياء ثم بعد التعرض للانتكاسات الحتمية يستبدلون بهم أشخاصاً أقل أدلجة وأكثر كفاءة ومهنية، أمّا ترامب فقد فعل العكس. فعزل كل من كان بإمكانهم التخفيف من التطرف واستبدل بهم متشددين. 

الرئيس الفلسطيني يدرك حقيقة المتغيرات في الإدارة الأمريكية ويدرك حقيقة السفير الأمريكي في «إسرائيل» ديفيد فريدمان، كما يدرك حقيقة مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن نيكي هايلي، وبينس نائب ترامب، وكلهم لهم ارتباطات عقيدية مع «إسرائيل».

بالنسبة للمسألة الأولى، فالأحداث جميعها تشير إلى استمرار فرض دويلة «إسرائيل» حقائقها على الأرض، حيث شرعت بالتمهيد لضم الأراضي الفلسطينية المحتلة. ففي الأسبوع قبل الماضي وخلال خطاب وجّهه إلى طلاب يهود في نيويورك، أعلن وزير التعليم «الإسرائيلي» نفتالي بينيت علانية تنصّله حتى من فكرة الدولة الفلسطينية نفسها. وقال: «لقد انتهينا من ذلك. لديهم دولة فلسطينية في غزة». وفي وقت لاحق في واشنطن قال بينيت الذي يرأس حركة الاستيطان، إن «إسرائيل» سوف تتدبر أمر التعامل مع التداعيات الناجمة عن ضم الضفة الغربية، تماماً كما فعلت في السابق مع ضمها لمرتفعات الجولان السورية في العام 1980. وقال إن المعارضة الدولية ستتلاشى. 

نعم، تشكل الخطوة الأخيرة تغييراً رمزياً وقانونياً كبيراً. وكانت دويلة «إسرائيل» قد وسّعت مسبقاً سيادتها المدنية في الضفة الغربية، وهو ما يشكل خطوة أولى في الظل وبعيدة عن الأضواء لكنها ملموسة أيضاً. وهي علامة على الكيفية التي أصبحت بها فكرة الضم الآن حاضرة في الذهن بشكل كلي.

نعم، ثمة مشاريع قوانين إضافية لتوسيع مظلة القانون «الإسرائيلي» لتمتد إلى المستوطنات في طور الإعداد. لقد أصرت وزيرة العدل اليمينية الأكثر تطرفاً أيليت شاكيد على أن يبيِّن أولئك الذين يقومون بصياغة القوانين والتشريعات الجديدة الكيفية التي يمكن بها تطبيق هذه القوانين في الضفة الغربية. ووفقاً لحركة «السلام الآن»، فإن شاكيد والقانونيين اليهود يقومون باستنباط ذرائع جديدة للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية. وكانت شاكيد قد وصفت الفصل بين دويلة «إسرائيل» والأراضي الفلسطينية المحتلة الذي يتطلبه القانون الدولي بأنه «ظلم دام 50 عاماً»، وذلك بعد إقرار قانون التعليم العالي المذكور.

لقد أبلغ رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو حزبه بأن «إسرائيل» ستتصرف بذكاء لتوسيع سيادتها في الضفة الغربية من دون أن يلاحظها أحد. وقال: «هذه عملية لها عواقب تاريخية». ويتفق هذا التوجه مع تصويت أجرته اللجنة المركزية لحزب الليكود في كانون الأول /‏ديسمبر الماضي 2017، والذي أيدت فيه الضم بالإجماع، وعلى أن تعمل الحكومة «الإسرائيلية» مسبقاً على إقرار تشريع يتم بموجبه جلب بعض مستوطنات الضفة الغربية لتصبح تحت سيطرة البلدية في القدس فيما يمكن وصفه بأنه الضم عن طريق الباب الخلفي. وفي هذا الشهر آذار/‏مارس الحالي أعطى المسؤولون «الإسرائيليون» أنفسهم صلاحيات إضافية لطرد الفلسطينيين من القدس بذريعة «عدم الولاء». إن كل هذه المخططات يتم تنسيقها مع إدارة الرئيس ترامب. وبعد، هل يمكن المراهنة على دولة فلسطينية من خلال نهج المفاوضات؟ وعلى أي تغيير في الموقف الأمريكي؟