في الفيلم المصري "الطريق إلى إيلات" يُغني محمد سعد أغنية " مصر يمّة يا بهية"، وهي ذات الأغنية التي اختارها المخرج يوسف شاهين لفيلمه الشهير "العصفور"، يُقال أنّ محمد سعد لم يكُن يعلم أن الأغنية من غناء الشيخ إمام وكلمات أحمد فؤاد نجم، ذلك أنّ كلًا منهما كانا ممنوعين من الغناء أو الظهور في وسائل الإعلام العربية، ناهيك أنهما كانا من نزلاء المعتقلات المصرية، ولو كان محمد سعد يعلم أن الأغنية لهما، ربما لم يكُن ليغامر بمنع الفيلم من العرض، كما حدث لفيلم العصفور الذي مُنع فترةً طويلة في مصر.
الثنائي "إمام- نجم" ظاهرة وطنية قومية ثورية، لم يُكتب النجاح لغيرها –على ما أعتقد- للتعبير عن تجربة الغناء السياسي على المستوى العربي، بكل ما لهذه الظاهرة التجربة من شروط، معارضة السلطات، والسخرية من قياداتها وأداءها ونقد المجتمع، والمنع من الأداء الفني في وسائل إعلام الدولة، والاعتقال والحبس، والغريب أنّ ظاهرة الثنائي "إمام –ونجم" ما تزال ممنوعة في مصر، رغم الظهور الفردي لأحمد فؤاد نجم في وسائل الإعلام المصرية في السنوات الأخيرة.
إلّا أنّ سبب منع "إمام" تحديدًا من الظهور على وسائل الإعلام المصرية، لم يكُن خيارًا رسميًا مصريًا فحسب، بل أنّ الشيخ إمام نفسه كما ورد في العديد من اللقاءات معه، كان يمتنع هو نفسه حتى لو أُتيحت له الفرصة، عن مثل هذا الظهور، وربما لأنّ شعبيته خاصةً بعد حرب 1967، اكتسحت بشكل واسع جيل الستينات والسبعينات على مستوى شباب الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، وهو الأمر الذي لا يمكن لأيّ وسيلة إعلامية تحقيقه، مع أنّ "إمام" كان يُغني في مجالسه الخاصة لزكريا أحمد وسيّد درويش ومحمد عبد الوهاب وغيرهم، إلّا أنه لم يكُن متحمسًا للأغنية والفن التجاري.
يُقال أنّ "نجم" كان قد اعترض على بعض أصوات "الكورس" التي تتردد وراء الشيخ إمام لأنها أصوات غير جميلة، بل ربما "ناشزة"، إلا أن الشيخ إمام كان رده بأنّ هذا هو صوت الشارع الحقيقي، صوت الجموع الشعبية التي لا تتحدد بمقاييس الفن التقليدية، بعيدًا عن فكرة "النجومية"!
ورغم أنّ "إمام" كان ملك الأغنية السياسية، إلا أنه غنّى مع ذلك الأغنية العاطفية مثل: أنا أتوب، أهيم شوقًا، وأتوب ازاي، وصياد الطيور.
يُقال أنّ معظم أغاني الثنائي "إمام –نجم" تم إنجازها في سجنهما في زنزانتين متباعدتين، بين حرب 1967 وحرب 1973، كان "إمام" يتعمد الوقوف على بوابة زنزانة "نجم"، في طريقه إلى الحمامات ليستمع إلى ما نظمه "نجم"، ليعود إلى زنزانته ليلحنها، وهكذا رُسمت هذه الظاهرة النبيلة على صفحات التاريخ العربي، بخيوطٍ من فنٍ وعطاء!