Menu

قمة ترامب – بوتين.. مكانك راوح!

د.فايز رشيد

تربط النتائج في العادة بالمقدمات، وهذا لا يتعارض بالمطلق مع المقولة الشكسبيرية «العبرة في الخواتيم»! فلا يستطيع المراقب فهم تصريح الرئيس الأمريكي قبيل القمة «بأن روسيا والاتحاد الاوروبي والصين أعداء للولايات المتحدة لأسباب عديدة»، من دون استعراض هجوم الصحافة الأمريكية عليه!
جاء التصريح في مقابلة أجرتها معه شبكة «سي. بي. أس» تم بثها عشية لقائه الرسمي الأول مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي.
وتابع ترامب قائلا: «روسيا هي عدو في بعض الجوانب، الصين عدو اقتصادي، لكنها عدو، لكن هذا لا يعني أن الروس سيئون بل منافسون». وردا على سؤال عن المنافس الرئيسي والعدو الأساسي للولايات المتحدة في العالم حاليا، قال ترامب: «إن الاتحاد الأوروبي صعب جدا». وأضاف في كلامه عن الاتحاد الأوروبي: «من الناحية التجارية إنهم يستفيدون بالفعل منّا»، مهاجما ألمانيا بشكل خاص، كما فعل في السابق! وقال في هذا الإطار، «ألمانيا لديها اتفاق حول أنبوب غاز مع روسيا، وتدفع مليارات ومليارات الدولارات سنويا من أجل الطاقة، وأنا أقول هذا ليس جيدا وليس عادلا». وتابع في السياق نفسه: «يفترض أن نقاتل من أجل شخص، وهذا الشخص يعطي مليارات الدولارات الى آخر! علينا أن نحمي أنفسنا منه، أعتقد أن هذا غير معقول».
حقيقة الأمر، أن من الصعب فهم تصريحات ترامب، وما الذي يريده من الإدلاء بها! فهو يقول الشيء ونقيضه في الوقت ذاته، وهذا يذكّر بما سبق أن قاله رئيس الوزراء المصري الأسبق حازم الببلاوي في انتقال الرجل الاقتصادي إلى سياسي: «الحقیقة أن رجال المال الناجحین بانتقالھم إلى العمل السیاسي، یتسببون في خسارة مزدوجة للمجتمع. فھم بانتقالھم للعمل السیاسي یُفقِدون المجتمع عنصراً ناجحاً في العمل الاقتصادي، ونظراً لأنھم لا یتخلّصون عادة بدرجة كافیة من مصالِحھم الخاصة، فإنھم یتسبّبون أیضاً في الإضرار بالعمل السیاسي، بإدخال عناصر المصلحة الخاصة فيها. فالطبع يغلب التطبّع، ويصبِح العمل السياسي لرجل الأعمال.. صفقة تجارية أخرى».
من هنا يمكن إدراك السبب الأول في فهم التناقض في تصريحات الرئيس الأمريكي. باختصار: يفهم من تصريحات ترامب، أنه يريد هيمنة سياسية لأمريكا على العالم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنه لا يريد أي منافسة اقتصادية لها. أما بالنسبة لأوروبا فعلى الرغم من التناغم الأوروبي غالبا مع السياسات الأمريكية من معظم القضايا في العالم، لكنه يريد للاتحاد الأوروبي أن يكون ببغاءً للولايات المتحدة، فهو لا يحتمل أي تعارض حتى لو كان ثانويا بينه وبين أي زعيم/زعيمة لدولة أوروبية، كما حصل مع المستشارة الألمانية إنغيلا ميركل، التي دافعت عن حقّ بلادها في أن تكون لها سياستها الخاصة بها.
وبالعودة إلى نتائج القمة بين الزعيمين، ومن خلال تصريحاتهما في مؤتمرهما الصحافي المشترك، يتضح، أن المباحثات لم تسفر عن نتائج كبيرة تُذكر، وأن العلاقة بين البلدين، ستظل محكومة بالتوتر أكثر منها انفراجا. فمثلا ما صرّح به الزعيم الروسي بوتين، من أن هناك الكثير من المشاكل لم يتمكنا من حلّها في لقاء واحد، وتقديمه ورقة مقترحات للجانب الأمريكي لخفض التوتر بين البلدين، وتأكيده على أن موقف روسيا من إيران معروف ولن يتغيّر، وتطرقه للموضوع السوري من خلال القول: بأنه بعد تحرير المنطقة الجنوبية في سوريا من الإرهاب، تتوجب العودة لنظام وقف إطلاق النار في منطقة الجولان، وأن الوضع هناك يجب أن يعود إلى ما كان عليه وفق اتفاقية 1974، وأنه يجب تهيئة الظروف للعودة إلى القرار 338 للتسوية بين سوريا وإسرائيل بشكل عادل. ورداً على سؤال حول ما يقال عن التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية الماضية، نصح بوتين بعدم الاستناد إلى الإشاعات في هذا الأمر.
من جهته قال ترامب إنه تحدث مع بوتين حول الكثير من الخلافات بين بلديهما، مضيفاً «علينا أن نخاطر سياسياً لنحقق السلام»، واعتبر أن التعاون بين موسكو وواشنطن حول الأزمة السورية من شأنه إنقاذ آلاف الأرواح، مشدداً على عدم وجود أي اتفاقات عسكرية محددة الآن حول سوريا، كما أعلن عن توافقه والرئيس الروسي بوتين على أمن إسرائيل. أما وصف الزعيمين للمحادثات بينهما بأنها كانت «بنّاءة وصريحة» فهو لا يدلل على نتائج جديّة، فالوصف هو للمجاملة أكثر منه للتقييم، واعتدنا على سماعه بعد لقاء أي رئيسي دولتين، حتى لو قطعا العلاقات الدبلوماسية بين بلديهما في اليوم التالي.
جاء اللقاء الرسمي الأول بين الزعيمين، بعد لقاءات سريعة وغير مثمرة بينهما، فقبل لقاء العاصمة الفنلندية، جرى أول اجتماع كامل للرئيسين خارج المؤتمرات والقمم الدولية في هامبورغ في ألمانيا في يوليو/تموز 2017 على هامش قمة مجموعة العشرين، وبعدها في نوفمبر/تشرين الثاني في دانانغ بفيتنام، خلال قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (أبيك). وسبق لهلسنكي أن استضافت عام 1975 لقاء الرئيس الأمريكي جيرالد فورد بالزعيم السوفييتي ليونيد بريجنيف، واجتماع جورج بوش الأب وميخائيل غورباتشوف عام 1990، وفي عام 1997 التقى فيها الرئيس بيل كلينتون مع نظيره الروسي بوريس يلتسين.
بالطبع، كثيرة هي الخلافات الأمريكية – الروسية، فهي تمتد من أوكرانيا إلى سوريا، ومن كوريا الشمالية إلى إيران، إضافة إلى الصواريخ الاستراتيجية التي نصبتها الولايات المتحدة في غالبية بلدان دول حلف وارسو السابق، خاصة بولندا وجمهوريات البلطيق: إستونيا، ليتوانيا ولاتفيا، وكانت هذه البلدان الثلاثة جمهوريات مؤتلفة في الاتحاد السوفييتي قبل انهياره. منظومة الصواريخ الأمريكية تحيط بالفيدرالية الروسية كالسوار بالمعصم، وهي مصدر تهديد دائم لروسيا، مثلما يعبر عن ذلك المسؤولون الروس، عسكريين ودبلوماسيين في تصريحاتهم.
هذه القضية، على سبيل المثال لا الحصر، لم تجر إثارتها في القمة، ولا يمكن القول عن علاقات طبيعية بين العملاقين، من دون إيجاد حلول ترضي روسيا بالنسبة لهذه القضية الاستراتيجية. بالفعل، وكما أشارت مصادر كثيرة، فإن من أسباب تدخل روسيا في أوكرانيا، يتمثل في نيّة الأخيرة نصب صواريخ استراتيجية للناتو على أراضيها، الأمر الذي لو تم، لكانت روسيا بالفعل ستكون وسط دائرة شبه مغلقة من حلف الناتو. التدخل في أوكرانيا، كان أيضا رسالة موجّهة إلى بولندا وجمهوريات البلطيق.
القمة ليست معزولة عن الأحداث الداخلية الأمريكية، فعشيتها، انتقد أعضاء في الحزب الديمقراطي الأمريكي وقادة رأي، قمة هلسنكي ووصفوها بأنها هدية للكرملين، الأمر الذي جعل كثيرا من الشكوك تخيّم على جدول أعمالها ونتائجها، وزيادة الاتهامات بعلاقة ترامب مع روسيا، وتدخّل الأخيرة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2016، ولقد وجهت قبلها بأيام هيئة محلّفين أمريكية كبرى اتهامات إلى 12 روسيًا، زعمت أنهم ضباط في جهاز المخابرات العسكرية الروسية – باختراق شبكات حاسوب تابعة للحزب الديمقراطي. وقد أشارت الصحافة الأمريكية إلى أن ترامب يعاني «ضعفا تجاه بوتين»، فرغم تعليمات المسؤولين الأمريكيين بعدم تهنئة نظيره الروسي بالفوز برئاسة روسيا في مارس/آذار الماضي، باعتبار «أنها انتخابات صورية ونتائجها معدة سلفا»، فإن ترامب تجاوز تهنئة بوتين إلى توجيه الدعوة له إلى زيارة واشنطن.
وترى صحيفة «نيويورك تايمز» أن ترامب الذي يشيد بشكل دائم بذكاء بوتين ورغبته في صداقته، وينتقد بشكل دائم المسؤولين الأمريكيين والمؤسسة الأمريكية بعبارات مسيئة، يمكن أن يكون ضعيفا أمام فلاديمير بوتين في اجتماعهما بهلسنكي.
وقبيل القمة بأيام، انتقد زير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري ترامب قائلا إنه «لم ير رئيسا يقول شيئا غريبا أو غير جاد مثل ترامب ضد الناتو وألمانيا، كان الأمر مخزيا ومدمرا للمصالح الفعلية للولايات المتحدة الأمريكية». وقد ركز الإعلام الأمريكي على سلوك ترامب وقراراته، وكيف أخرج من إدارته مستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر ووزير الخارجية ريكس تيلرسون، وقد عرفا بحذرهما تجاه روسيا، كما عمل على إضعاف حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي بالتصريحات أو الإجراءات، وهي كلها، رأى فيها المعنيون الأمريكيون، نقاطا في صالح الرئيس بوتين خلال القمة، ويمكن اعتبار هذا الأمر، سببا ثانيا في اعتبار ترامب، روسيا عدوا.
جملة القول، إن هجوم الصحافة الأمريكية على ترامب، جعلته مضطرا للحذر، إن في الحديث حول مواضيع جدول أعمال القمة، أو في اتخاذ خطوات دراماتيكية تعمل على إزالة التوتر في العلاقات الروسية الأمريكية، بل جعلت تصريحاته عشية القمة أميَل إلى العدائية تجاه روسيا، وتصويرها كعدو، مع محاولة تلطيف التصريح، بإضافة الاتحاد الأوروبي والصين إلى حلف الأعداء، إذ ليس العدو هو روسيا وحدها.