Menu

المنعُقد في بيروت

رسالة الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين للدورة الـ29 للمؤتمر القومي العربي

غزة _ بوابة الهدف

الأخ العزيز الدكتور زياد الحافظ الأمين العام للمؤتمر القومي العربي

الأخوة الأعزاء أعضاء المؤتمر

الأخ العزيز الأستاذ معن بشور رئيس المركز العربي والدولي للتواصل

تحية فلسطين

بدايةً، أحييكم جميعًا، وأنقل لكم تحيات الأخوة الأسرى وتثمينهم لدوركم في إسناد نضال شعبنا في إطار نضالنا من أجل الحرية والكرامة الإنسانية على أمل أن يتواصل دوركم الذي يثير فينا مشاعر الاعتزاز والفخر.

لاشك أن صفقة القرن هي صيغة راهنة للمشروع الأمريكي للشرق الأوسط الجديد تشكّل حلقة متقدمة للمشروع الإمبريالي، فحلقته الرئيسية بدأت بقرار التقسيم وفق اتفاقية "سايكس بيكو" الذي أسس للتجزئة الراهنة للأمة، وكرس مشروع الدولة القطرية بديلاً للدولة القومية العربية، وبهذا المعنى فإن النكبة العربية الكبرى بدأت بتمرير مفردات هذا القرار الذي أسس للنكبة العربية الفلسطينية عام 1948 بإقامة الكيان الصهيوني، وإكسابه الشرعية الدولية، ومده بكل أسباب القوة لأداء وظيفتيه الامبريالية كقاعدة متقدمة للدفاع عن المصالح الإمبريالية المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، وإجهاض أي محاولة ثورية عربية تهدد مصالحها وتستهدف استنهاض النضال القومي بإزالة آثار التقسيم وبناء الدولة القومية العربية الديمقراطية، وامتلاك أسباب نهوض أمتنا وتحقيق تقدمها وازدهارها، فهاتين الحلقتين أسستا للحلقات الأخرى بدءًا من هزيمة حزيران مرورًا بكامب ديفيد كأول اختراق علني لجبهة مقاومة المشروع الامبريالي الصهيوني لما مثلته مصر من ثقل رئيسي في هذه الجبهة، ثم ما بُني عليه بتوقيع اتفاقيتي أوسلو ووادي عربة بعد غزو العراق وإخضاعه للحصار.

 لعل أخطر الحلقات وأكثرها أهمية بعد "كامب ديفيد" كان اتفاق أوسلو، كاختراق نوعي مهم لجبهة المقاومة الفلسطينية وتداعياتها وأخطارها التي لا يزال شعبنا يعيش في ظلالها وتحت وطأة إسقاطاتها المدمرة، وتقويض كل منجزات النضال العربي والفلسطيني في مواجهة المشروع الصهيوني، وتفكيك وحدة عناصر المشروع الوطني الفلسطيني، وشرعنة وجود الكيان الصهيوني على 78% من فلسطين التاريخية، وفتح كل الأبواب للتطبيع العربي والعالمي مع الكيان الصهيوني، وشطب أحد أبرز إنجازات نضالنا الذي عبّر عنه قرار الجمعية العامة باعتبار الصهيونية حركة رجعية عنصرية، وصولاً إلى الوضع الراهن الذي تعيشه أمتنا العربية اليوم وإسقاطاته وتداعياته السلبية التي لا تحتاج للإسهاب لشرحها والتي تنبأ بها أصلاً مفكري الأمة بعد غزو العراق واحتلاله وإطلاق أمريكا مشروعها الشرق الأوسط الجديد وحددوا أهدافه وأخطاره المحتملة في حال نجاحه على مستقبل أمتنا العربية التي نراها اليوم مجسدة كحقائق واقعية لا تقبل التأويل.

أما الجديد في صفقة القرن فهو الواقع العربي الراهن الذي تشكّل كخلاصة للإنجازات التي حققها المعسكر الامبريالي خلال قرن من بدء هجومه على المنطقة العربية، والمناخ السياسي الدولي الذي أصعد "ترامب" إلى رأس الهرم السياسي الأمريكي بوصفه ممثلاً للتيار الأمريكي المتصهين الأكثر رجعية وفاشية وعنصرية ومغالاة في عدائه للشعوب واحتقاره لها. هذا المناخ الذي يعكس ثقافة الأزمة البنيوية الشاملة لنظام العولمة الرأسمالية الامبريالي التي بدأت مقدماتها النوعية في الأزمة المالية عام 2008 والتي تسارعت بانهيار نظام القطب الواحد وانحسار الدور القيادي لأمريكا، ونضوج مقدمات نشوء نظام دولي بديل متعدد الأقطاب تلعب به كلاً من الصين كقوة اقتصادية، وروسيا بقوتها السياسية والعسكرية دوراً مؤثراً وفاعلاً في صنع السياسة الدولية إلى جانب الاتحاد الأوروبي والتكتلات الإقليمية السياسية والاقتصادية الأخرى. وعليه فإن صعود "ترامب" سيضاعف تناقضات هذه المرحلة الانتقالية على الصعيد الكوني ويجعلها مفتوحة على كل الخيارات. فهو من جهة فتح كل نوافذ وأبواب الكون لأشد رياح التطرف والعنصرية والكراهية المشبّعة بممكنات تسجيل الأزمات الإقليمية والدولية والحروب العدوانية، واستنهاض القوى الأصولية الفاشية بمختلف أرجاء الكون وبشكل خاص في أوروبا الرأسمالية والكيان الصهيوني، وتعرية الدور والوجه الحقيقي للولايات المتحدة الذي غلفته مساحيق التجميل في صالونات البيت الأبيض، ومن جهة أخرى فتح آفاق وممكنات النهوض المتسارع للقوى الثورية المناهضة للعولمة الرأسمالية الامبريالية على الصعيد القومي للبناء على المقدمات الواعدة التي تشكّلت خلال عقود دخول الرأسمالية مرحلة العولمة. ومع ذلك فإن أمريكا ومعها الكيان الصهيوني يعتقدان أن هذه الظروف هي الأكثر ملائمة لقطف ثمار انجازاتها المتراكمة في المنطقة وتوجيه الضربة القاضية لمعسكر الخصم وتعديل وضعها في التوازنات الدولية المتحركة بإنجاز بناء تحالف إقليمي يضم أدوات أمريكا في المنطقة والكيان الصهيوني لحصار الدور الإيراني المتصادم مع المشروع الإمبريالي، وتفكيك محور مقاومة هذا المشروع وامتداده. إن التحالف الإمبريالي-الصهيوني الرجعي استهدف اختزال القضية الفلسطينية وفق محددات الرؤية الصهيونية للحل الذي لا يتجاوز سقف مشروع "إيغال ألون" الذي طرحه عام 1968، وهذه القاعدة هي التي تحكم التفكير السياسي الصهيوني وتحدد ضوابطه لتقزيم الحقوق الوطنية الفلسطينية في حدود الحكم الذاتي على مساحة 40% من مساحة الضفة يمكن أن يضاف إليها غزة بدون القدس والعودة والسيطرة على المعابر - أي محمية تحت سيطرة الاحتلال - يمكن أن تلبس طربوش الدولة وتكريس نظام الاحتلال كدولة فصل عنصري على كل أراضي فلسطين التاريخية، وتطبيع علاقات الكيان مع محيطه العربي من خلال غطاء المبادرة العربية، وقلب طرفي معادلتها  ليصبح التطبيع شرطًا للحل السياسي للصراع العربي الصهيوني الذي أصبحت معالمه واضحة لا تقبل التأويل، بل وأسوأ من ذلك بعد أن أصبح التطبيع أساسًا لمواجهة (الخطر الإيراني) وفق أبجديات السياسة الراهنة لأدوات الإدارة الأمريكية في المنطقة. ومع ذلك ورغم الظروف العربية المجافية فإن هذه المشاريع المعادية مهما كانت قوة حواملها لا تحققها الرغبات بل هي محصلة الصراع بين أقطابه المتناقضة فالمشروع المقاوم يمتلك القوة المجسدة والكامنة التي تحتاج إلى تجميع ومضاعفة قوتها لمواجهة هذا المشروع، فالإجماع الفلسطيني والشعبي العربي على رفض هذه الصفقة وتعزيزه وإسناده يستطيع إغلاق الباب الفلسطيني ومنع تمريرها وإرباك حواملها على طريق إفشالها.

وعليه، فإن الوضع العربي الراهن لا يحتاج إلى تشخيص المشخص بعد أن باتت معالم هذا المشروع المعادي مجسدة على الأرض كحقائق واقعية، وهذا يحتاج إلى بناء البرنامج القومي وأدواته المؤهلة لمواجهته لدرء أخطاره على طريق الانتصار عليه.

 وفي هذا السياق لابد من التأكيد على المسائل التالية:

أولاً/ بناء برنامج (مرحلة النضال القومي الديمقراطي) على أساس وجود الأمة العربية كحقيقة ومعطى تاريخي موضوعي ولكنه مجزأ، ولذلك فإن هدف هذا البرنامج الاستراتيجي هو النضال من أجل توحيدها في دولة قومية مدنية ديمقراطية علمانية يرتكز نظامها السياسي على مبدأ المواطنة الذي يكفل الحقوق الفردية لجميع المواطنين والحقوق الجماعية للأقليات الاثنية وحرية المعتقدات والتفكير وكسر كل حلقات التبعية والإلحاق بالنظام الرأسمالي الامبريالي المعولم، على أساس بناء رؤية اقتصادية تنموية تحقق الازدهار والتقدم والعدالة الاجتماعية ليشّكل البرنامج الأساس الناظم والجوهر للبرامج الوطنية القطرية المشتقة منها.

ثانيًا/ التأسيس لبناء أوسع جبهة قومية ديمقراطية تضم كل القوى التي تتقاطع حول أهداف البرنامج القومي لمواجهة المشروع الامبريالي لإطباق الهيمنة الشاملة على المنطقة العربية دون إغلاق الباب أمام التحالفات على قاعدة التقاطع الميداني حول عناوين محددة، واعتبار هذه الجبهة جزءًا من المعسكر الثوري الأممي المناهض لمشروع العولمة الامبريالية الرأسمالية.

ثالثًا/ إسناد الإجماع الفلسطيني على رفض صفقة القرن في مواجهة كل الضغوط العربية والأمريكية لكسره واختراقه، فالبوابة الفلسطينية هي مفتاح النجاح في إفشال صفقة القرن.

رابعًا/ على المستوى الفلسطيني المطلوب أولاً إعادة الاعتبار للبعد القومي للقضية الفلسطينية وفك الارتباط مع الاحتلال في القطع مع اتفاق أوسلو والتحلل من التزاماته الأمنية والسياسية والاقتصادية وسحب الاعتراف بالكيان الصهيوني وإعادة بناء البرنامج النضالي الوطني الموحد بالارتكاز إلى المقاومة الشعبية الشاملة دون مقايضة أسلوب نضال بآخر، وتدويل القضية الفلسطينية وتحويل المسئولية للمجتمع الدولي ومؤسسته الأم (الأمم المتحدة) لإلزام الكيان الصهيوني باحترام القانون الدولي وتطبيق قرارات الشرعية الدولية في إطار إدارة الاشتباك السياسي مع الاحتلال في المنظمات الدولية، لتوليد المناخ لمحاصرة الاحتلال وسياساته على طريق نزع الشرعية عن كيانه العنصري، مما يوفر البيئة المناسبة الدولية لنشاط المقاطعة الدولية وتعزيز دورها وإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية في إطار (م.ت.ف) عبر الاستعداد لعقد مجلس وطني توحيدي على أساس التوافقات الوطنية بشأن المصالحة.

 وجميع ما سبق تم اتخاذ القرارات بها سواء في دورات المجلس المركزي الأخيرة أو التوافقات الوطنية عبر جولات الحوار الوطني الشامل، ولا نحتاج إلا لامتلاك الإرادة لتحقيقها خاصة من حركة فتح وقيادة (م.ت.ف).

وختامًا نشد على أياديكم مؤكدين أن عملية العصف الفكري الضروري يجب أن تدعم بالانتقال إلى ميادين العمل الجاد والمثابر كخطوة عملية اليوم أفضل من دزينة برامج.

وإليكم اقتراحات عملية لتفعيل دور المؤتمر القومي:

1.    رفع دور النشاط الشعبي للمؤتمر على طريق بنائه كبديل شعبي للجامعة العربية بعد الاستيلاء عليها من قبل أدوات المشروع الأمريكي الصهيوني.

2.    مضاعفة الدور الشعبي المساند لسوريا والحفاظ على وحدتها أرضًا وشعبًا، وإعادة الاعتبار لدور محور المقاومة العربي في مواجهة المشروع الامبريالي الصهيوني الراهن، إلى جانب توسيع الجهود الشعبية لإنهاء عدوان ما سُمي بدول التحالف العربي في اليمن وانسحاب قواته العسكرية، بالإضافة إلى الدفع بهذه الجهود الشعبية نحو تحقيق التسوية السياسية الديمقراطية للحوار في ليبيا بين أطراف الأزمة على قاعدة البناء على التفاهمات الوطنية التي سبقت انفجار الأزمة والحرب الداخلية والتسوية السياسية التي تكفل لليبيا استقلالها ووحدتها الديمقراطية أرضًا وشعبًا.

3.    العمل على إطلاق مبادرة شعبية قومية بديلة لما سُمي بالمبادرة العربية سيئة الصيت التي أصبحت غطاءً لتمرير تحالف الأدوات العربية الأمريكية للكيان الصهيوني وتطبيع العلاقات والشراكة السياسية والعسكرية والاقتصادية معه، تركز على الثوابت القومية لحل الصراع العربي الصهيوني التي تستجيب لحقوق شعبنا الفلسطيني الوطنية المباشرة والتاريخية وفي مقدمتها الحق في العودة والاستقلال الوطني وحماية القدس وجماهير شعبنا في فلسطين من أخطار تهجيرهم وتهويد الأرض.

4.    إعادة الاعتبار للجنة المقاطعة العربية للكيان الصهيوني والشركات الدولية التي تتعاطى معه في إطار بناء لجنة مركزة جامعة كامتداد للمقاطعة الدولية، وتفعيل عمليات المناهضة العربية للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وتوفير البيئة المساعدة  لتوسيع نشاطها اليومي، واتخاذ آليات ضغط فاعلة للدول العربية التي تقيم علاقات دبلوماسية مع الكيان لسحب سفرائها وطرد السفراء الصهاينة، وتوسيع نطاق المقاطعة لتشمل الشركات الأمريكية ردًا على قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والدور الأمريكي الشريك للكيان الصهيوني في عدوانه الهمجي على شعبنا بكافة أشكاله. وفي هذا السياق ينبغي تثمين المبادرتين التونسية والمغربية المقدمة لبرلماناتها لإصدار قانون يجرم التطبيع مع الكيان الصهيوني.

5.    أن يبادر المؤتمر العربي لرفع دوره الشعبي والعملي في دفع عملية المصالحة الفلسطينية المتأخرة على طريق إنجاز الوحدة الوطنية الفلسطينية في إطار (م.ت.ف) على أساس التوافقات الوطنية التي تنتظر التنفيذ، لتوفير السياج الشعبي المتماسك لحماية المشروع الوطني الفلسطيني، والتأسيس لتوفير الحماية الشعبية العربية للقضايا الوطنية والعربية وتوفير فرص وممكنات تحقيق الحماية الشعبية الدولية للشعب الفلسطيني، وإلزام الكيان الصهيوني للانصياع للإرادة الدولية وتطبيق قرارات الشرعية الدولية التي تستجيب لحقوق شعبنا العادلة الوطنية الراهنة والتاريخية، ومن المفيد إعلان مبادرة بهذا الشأن.

6.    رفع درجة الدعم والإسناد لنضال الأسرى الفلسطينيين والبناء على الإنجازات المحققة كالإسناد القومي والشعبي لنضالاتهم والتدويل الشعبي الدولي، والانتقال خطوة نوعية للأمام باتجاه تأمين الحماية الدولية وتحديد المكانة القانونية لوضعهم باعتبارهم مناضلين من أجل الحرية وأسرى حرب بالاستناد إلى اتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة وملحق روما الصادر عام 1977، بما يؤسس إلى تقويض المحاولة الصهيونية لوصف الطرف الفلسطيني بالإرهاب، ويوسع فرص تحريرهم بعيدًا عن أي شروط تمس كرامتهم الشخصية والوطنية، وهذا يحتاج إلى جهود سياسية وقانونية فلسطينية وعربية ودولية. وفي هذا الإطار ضرورة توفير الحماية القانونية لأسرى الضمير والرأي في السجون العربية والنضال من أجل تحريرهم وتكريمهم.

7.    تفعيل آليات ووسائل الضغط لكسر الحصار المفروض على غزة الباسلة، غزة التي تعاقبها الطبيعة والاحتلال وذوي القربى وكأنها تدفع ثمن صمودها ومقاومتها، أو أن إسقاط صفقة القرن تبدأ بتركيع غزة؟ فإذا كان إنهاء حصار الاحتلال يحتاج لعملية نضالية طويلة فإن إنهاء الحصار العربي وللأسف الفلسطيني المجسد بالعقوبات أمر ممكن إذا تم تركيز الجهد والنشاط. وعليه أقترح أن يحُدد المؤتمر شهرًا تنظم فيه كل الفعاليات الجماهيرية الممكنة وعلى امتداد الساحات العربية لكسر الحصار ووقف الإجراءات والعقوبات الظالمة على أهلنا في القطاع الصامد وإسناد مسيرات العودة.

ودمتم.

 

أحمد سعدات

الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

سجن ريمون – الصحراوي

21/7/2018