Menu

الفشل في الجزئيات تدمير للكليات

يوسف عبد الحق

قبل بضعة ايام استمعت الى مقابلة اذاعية مع المدير العام لمؤسسة الضمان الاجتماعي الفلسطينية ، ولقد ذهلت بعمق عميق وانا اسمعه يقول جوابا على سؤال حول حجم مستحقات العمال الفلسطيين المشتغلين في الاقتصاد الاسرائيلي حيث قال " لا توجد حتى الآن بيانات دقيقة عن حجم هذه المستحقات، وما ينشر حول هذا الحجم ليس سوى تقديرات تتراوح حوالي 2 مليار دولار".

كيف يمكن أن نفسر مثل هذا الجواب في الوقت الذي مضى على أول حكومة فلسطينية شكلها الشهيد عرفات في 20 /5/1994 اكثر من 24 عاما!! كيف يمكن فهم هذا الجواب وقد تعاقب على رئاسة الجكومة 6 رؤساء !! كيف يمكن استيعاب هذا الجواب وقد تعاقب على وزارة المالية 5 وزراء !! والأدهى من ذلك كيف يمكن التعامل مع هذا الجواب وقد تولى وزارة العمل طيلة هذه الفترة 10 وزراء يضاف الى كل ذلك  الأمين العام لاتحاد نقابات عمال فلسطين والأمين العام لاتحاد نقابات عمال فلسطين  ناهيك عن وجود ما لا يقل عن 6 كتل نقابية عمالية فاعلة في اتحاد نقبات عمال فلسطين !! كيف يمكن أن يحدث هذا الفشل طيلة ربع قرن من الزمان!!!

موضوعيا هناك عدة فرضيات لهذا الفشل في معالجة هذا  الموضوع أولها وابسطها هو احتمال عدم رجوع المدير العام لمؤسسة الضمان الاجتماعي للمرجعيات المذكورة سابقا، وهو في ظني احتمال ضعيف، وان كان قد حدث فهو يدل على ضعف كبير في ادارة مؤسسة الضمان الاجتماعي لا يجوز السكوت عليه.

والفرضية الثانية أن تكون مؤسسة الضمان الاجتماعي قد رجعت الى المرجعيات المشارة اليها وأن هذه المرجعيات أخفت ما حققته من بعض انجازات ليس فقط عن مؤسسة الضمان الاجتماعي بل وحتى عن بعضها البعض بشكل اعتباطي وتسلطي معتبرة أن المعلومات التي حققتها كل من هذه المرجعيات هي انجازات خاصة بالمسؤول الأول في كل منها ومن حقه أن يحجبها عن غيره وذلك تطبيقا للقاعدة الادارية المتخلفة المتمثلة في أن تاريخ المؤسسة يبدا وبنتهي مع بداية ونهاية مسؤولها الأول. فإن صح هذا الاحتمال تكون الادارة الفلسطينية هي ادارة اقطاعية من القرون الوسطى بحيث يكون السيد له الحق في كل شيء ولا حق لغيره سابقا او لاحقا في أي شيء.

أما الفرضية الثالثة فهي أن جميع المرجعيات الواردة سابقا فشلت في ادارة هذا الملف ولم تحصل على البيانات الدقيقة طيلة ربع قرن بسبب التقصير الجسيم سواء من حيث الجهد العقلي او من حيث منح هذا الموضوع الأولوية التي يستحقها.

والفرضية الأخيرة أن هذه المرجعيات او على الأقل المرجعيات المفصلية المختصة في هذا الموضوع قد وقعت في شراك الفساد الذي تتقنه تماما سياسات ابارتهيد اسرائيل الاستعمارية وبالتالي تم دفن الحقيقة في مستنقعات هذا الشراك.

وفي جميع الأحوال يشير لنا التحليل العلمي للإدارة الفلسطينية في اخفاقها في انجاز هذا الموضوع المتسم علاجه  بالسهولة النسبية باعنباره يتعلق بحقوق مالية اعترف بها أبارتهيد اسرائيل في اتفاقيات اوسلو الفتاكة من جهة، ومن جهة أخرى في كونه يمثل حقوقا مدنية عمالية بعيدة الى حد ما عن القضايا المركزية المتمثلة في التطهير العرقي والتغول الاستعماري الاستيطاني الذي يمارسه ابارتهيد اسرائيل ضد شعبنا، يشير لنا كل ذلك أن فشل الادارة الفلسطينية في هذا الخصوص ناجم  في جله اولا وثانيا ...... وعاشرا عن تخلف وسوء وفساد الادارة الفلسطينية.والأدهى والأمر أن هذه المرجعيات لا زالت تصول وتجول في قمم السلطة دون حسيب او رقيب

يبدو أن الكثيرين منا يقفز عن الجزئيات تحت انطباع خاطئ مفاده أن الكليات هي العامل الحاسم في سيرورة الأحداث وهذا مناقض تماما لما تجري عليه الأمور في قانون التراكم المادي ينتج بالضرورة تراكما نوعيا والعكس بالعكس. إن دلالة  الفشل في هذا الموضوع تؤكد الخطورة التدميرية لهذا النهج الاداري العقيم ذلك أنه اذا كان قد فشل تماما في جزئية صغيرة من صراعنا مع المحتل تتعلق  فقط بتحديد دقيق لحقوق عمالنا في الاقتصاد الاسرائيلي وليس في تحصيل هذه الحقوق، فإنه بالتأكيد سيفشل في تحقيق الحقوق الوطنية المشروعة والثابنة غير القابلة للتصرف لشعبنا، فمن يفشل في ادارة الجزئيات حتما سيفشل في ادارة الكليات.