بقهرٍ وسخطٍ كبيريْن، استقبل موظفو وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسـطـينيين (أونروا) المفصولون وزملاؤهم المهددون بالفصل، عيد الأضحي، الذي يمرّ عليهم هذا العام باهتًا حزينًا لما وصل إليه حالهم من ذلٍ وانتهاكٍ لكرامتهم وحقوقهم.
بوابة الهدف قابلت عددًا من الموظفين، ومنهم من ينتهي عقده بنهاية الشهر الجاري. ورغم ثِقَل الدقائق التي مرّت خلال إجراء المقابلات، فإنها لا تُقارن بما يُثقل قلوبهم من همٍ، بل رعبٍ، فمصيرٌ مجهول بات على بعد أيامٍ منهم.
أستاذ الإرشاد النفسي أحمد أبو زعيتر "35 عامًا" يقضي أيام العيد في خيمة الاعتصام، ربّما سيذهب ليرى أسرته وأطفاله اليوم بضعة ساعات.
أبو زعيتر واحد من 570 موظف في قطاع غزة قررت إدارة الأونروا تحويلهم للدوام الجزئي، على أن تنتهي عقودهم نهاية العام، مع احتمالية فصلهم في أي وقت حتى ديسمبر المقبل. عُيّن بالعام 2002 وجرى تثبيته بعد ثلاث سنوات، أي أنّه يعمل لدى الأونروا منذ 16 عامًا على الأقل، وهو مُثبّت، "ولا يحقّ للوكالة فصله" على حدّ تعبيره.
قال "طفلي يسألني: لماذا فصلوك من العمل يا بابا؟" وهو ما ترك الأب في دهشة وقهرٍ كبيريْن، وفق ما وصف لبوابة الهدف. دون أن يتمكّن من إجابة سؤال طفله ذي الأربع سنوات.
يُعيل الأستاذ أحمد 5 أطفال، كما أنه يتولّى رعاية أمه، وهؤلاء باتوا بحال صعب، في ظل تهديد الأمن الوظيفي لمُعيلهم.
لم تتمكّن أمّ الأطفال من شراء ملابس العيد لهم، كيف هذا وهم "لا يروْنَ والدهم، ولن يعيشوا أجواء العيد". وما زاد الطين بِلّة كان الخصم الذي لحِق براتب الموظف أبو زعيتر في إجراء عقابي من إدارة الوكالة بحق الموظفين المُشاركين في الخطوات الاحتجاجية، سيّما الاعتصام.
هذا الاعتصام، المستمر منذ 28 يومًا، يخوضه 965 موظفًا ومعهم متضامنون من عوائلهم، داخل المقر الرئيسي للوكالة بغزّة، احتجاجاً على تسلّمهم قرارات فصل تعسفية، يوم 25 يوليو الماضي، بذريعة الأزمة المالية.
"كلّنا مُرتبطون بالتزامات مالية، شيكات، قروض.. لا ندري كيف سنُوفّيها، ولا نعلم ما الذي سيكون عليه الحال في قادم الأيام؟!" يتساءل الموظف المُهدد بالفصل "كُنا آمنين لسنوات في وظائفنا، فلماذا يحدث هذا الآن".
الأستاذ عبد الله سالم، موظف آخر لم يكن أفضل حالًا من زميله، فهو يُعيل أسرة من 10 أفراد، بينهم ابنته الكبرى التي تدرس الطبّ وهي بحاجة لرسوم دراسية تتجاوز 6 آلاف دولار سنويًا، وأختها تدرس التمريض، قال "هاتان وحدهما بحاجة لراتب كامل، ولدي ابن توجيهي، لا أدري ماذا سأفعل، فقرار فصلي يبدأ بعد أيام معدودة".
الموظف سالم الذي تحدث لبوابة الهدف، عيّنته إدارة الأونروا بالعام 2003 على الميزانيّة العامة، وحوّلته على ميزانية الطوارئ بالعام 2016 بدون علمه، وصولًا إلى التقرير بفصله نهاية الشهر الماضي.
وهو يُعيل إلى جانب أسرته، أمه وأخته، ومصدر الدخل الوحيد لجميعهم كانت وظيفته، والآن لن يتمكّن من تعليم أبنائه في الجامعة.
لم يقتصر الأمر على قرار الفصل أو "الإعدام"، كما أسماه الأستاذ سالم، بل تجاوز هذا إلى "سرقة" المكافأة المالية التي كان من المفترض أن يتقاضاها بانتهاء خدمته في الأونروا، "بدلًا من راتب عن كل سنة عمل، ستُعطيني الوكالة عن الـ15 سنة كلّها، راتب شهر أو شهرين.. هذه سرقة فاضحة" قال، بحسرة، لبوابة الهدف.
46 عامًا هي سنوات عمر الأستاذ عبد الله، لم تقف حاجزًا أمام دموعه، التي انهمرت حسرةً وقهرًا على الحال الذي وصل إليه.
المعلمة (س. غ) تعمل منذ العام 2002 كمرشدة نفسية لدى الأونروا، وجرى تثبيتها بالعام 2005، وطالها قرار الفصل، قالت لبوابة الهدف إنها لم تتمكن من شراء ملابس العيد هذا العام لأطفالها السبعة.
"لا ملابس عيد ولا تجهيزات مدارس"، قالت الموظفة المُهددة بالفصل في أي وقتٍ خلال ما تبقى من العام، بعد قرار الوكالة تحويلها للدوام الجزئي، غير المحدد، لنهاية 2018 فقط.
وأضافت "اضطررت لغسل وتنظيف الحقائب والملابس المدرسية الخاصة بأطفالي والمُستهلكة من العام الماضي، ما باليدّ حيلة!.. الوكالة خصمت الكثير من رواتبنا، لم أجد من راتبي سوى 50 دولار، بعد خصم البنك قيمة القرض، كيف سيُلبّي هذا المبلغ حاجات 7 أطفال، كلّهم في المدارس".
نائبة رئيس اتحاد الموظفين العاملين في وكالة الغوث بقطاع غزة، د.آمال البطش، قالت لبوابة الهدف أنّ إدارة الوكالة لا تزال تُماطل في إيجاد حلّ للأزمة، رغم أن الاتحاد وضع أمامها عدّة مُقترحات تتعلّق بحلول مالية لتجنب فصل الموظفين.
وأفادت بأن المعتصمين الذين استشعروا تعنت الوكالة في السعي لإيجاد حل، والذين كانوا نقلوا الاعتصام من أمام مكتب مدير عمليات الأونروا بغزة إلى مقر "الصناعة"، كخطوة للأمام ولترك مجال للحوار، عادوا للاعتصام في المكان الأول، بعد انتهاء المهلة التي حددوها – 5 أيام- وهم مستمرون في خطواتهم النقابية الرافضة لقرارات فصلهم، حتى تتراجع الإدارة عنها، وتبادر للحل.
هذه الصورة، باتت "العادي"; في الأعياد وسائر المناسبات التي تمرّ على الأهالي في قطاع غزة، فمتى سيحظى هؤلاء بأوقات ينعمون فيها بطيب العيش؟! مصونةٌ كرامتهم، محفوظة حقوقهم، آمنين على أنفسهم وعلى مستقبل أطفالهم، ليُحيوا مناسباتهم بفرح وراحة بالٍ، ولتكُن أقصى همومهم: إن كانوا سيجدون في السوق لباسًا يتماشى مع ذوقهم أم لا!