من المقرر أن يتم استئناف جولات الحوار بشأن ملفيْ التهدئة في غزة، والمصالحة الفلسطينية، بين ممثلي عددٍ من الفصائل الفلسطينية، في مقدّمتها حركتيْ فتح وحماس، والجانب المصري، برعاية أممية في العاصمة المصرية القاهرة، التي يصلها اليوم وفدٌ من حركة فتح.
من جهته، قال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عزام الأحمد إنّ وفدًا من الحركة سيتوجه إلى القاهرة اليوم لبحث التهدئة والمصالحة. ويضم، بالإضافة إليه، كلًا من عضويْ مركزيو فتح حسين الشيخ، وروحي فتوح.
وأضاف الأحمد في تصريحات صحفية أن حركته تلقّت دعوة من الجانب المصري، قبل عطلة العيد، لزيارة القاهرة، لكنّ فتح اقترحت إرجاء الزيارة لما بعد العيد مباشرة.
وأشار إلى أن وفد حركته سيستمع من المسؤولين المصريين إلى ما توصلت إليه جولات الحوار الأخيرة في القاهرة، حول "التهدئة أو الهدنة"، معتبرًا أن "هناك فرق كبير بين المصطلحين"، إضافة لما طُرح بشأن الممر البحري ل غزة في قبرص، مدرج في إيلات.
وكشف الأحمد رفض فتح المقترحات بشأن الممر البحري والمُدرّج "تمامًا"، مشيرًا إلى أن حركته "ترفض أن يكون هناك أي شيء خارج فلسطين". وأضاف أنّ هذا هو موقف مصر أيضًا التي "أبلغت فتح رسميًا به".
واعتبر أنّ "حماس فقط هي التي تريد الحصول على مساعدات بأي طريقة وأي ثمن وحتى مستعدة لدفع ثمن سياسي". على حدّ قوله. لافتًا إلى وجود تداخل بين ملفات التهدئة والمصالحة وما يُسمّى المشاريع الإنسانية في غزة.
وكان ممثلو حركتيْ فتح وحماس أجروا زيارات عدّة إلى القاهرة، مؤخرًا، وبحثت كل حركة على حدة مع الجانب المصري الملفات المذكورة، في أعقاب الحديث عن بلورة ورقة مصرية، تتضمّن مراحل زمنية وخطوات عملية لتنفيذ اتفاق المصالحة بين الحركتيْن. أعلنت حماس موافقتها عليها، في حين قالت فتح إنّها سلّمت ردّها للقاهرة.
وتركّزت الحوارات الأخيرة بين الجانب المصري والأممي ممثلًا بنيكولاي ملادينوف مبعوث الأمم المتحدة من أجل عملية السلام في الشرق الأوسط من جهة، وحركة حماس ممثلًا عنها وفدٌ زار القاهرة أكثر من مرّة خلال الشهرين الأخيرين، وأفضت الحوارات بين الطرفين عن تصدّر الحديث عن "اتفاق تهدئة في غزة" المشهد، وتراجع التركيز على ملف المصالحة الفلسطينية، الأمر الذي انتقدته فصائل وطنية، في مقدّمتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي قالت إنّ الأولوية الوطنية يجب أن تكون لإنها الانقسام الداخلي وتحقيق الوحدة. فيما سجّلت حركة فتح امتعاضها من مُجريات الحوار في القاهرة، انطلاقًا من أنّ "زيارات الفصائل الأخيرة جرت بشكل مفاجئ، وبدون تنسيق مع السلطة الفلسطينية". وفق ما صرّح به عزام الأحمد، وهو ما اعتبرته قيادات أخرى بالحركة "محاولات للالتفاف على السلطة، ممثلةً بالرئيس محمود عباس ".
ووصلت حورات القاهرة، نهاية الأسبوع قبل الماضي، وتحديدًا يوم الخميس 16 أغسطس، إلى نقطةٍ بدا فيها الإعلان عن "اتفاق تهدئة مع الاحتلال" في غزة وشيكًا، بالتزامن مع توافد قيادات الصف الأول من عدّة فصائل وطنية وإسلامية للقاهرة، فيما رجّح مراقبون أن تمهيدٌ للإعلان عن "الاتفاق"، قبل أن تعود الأمور للتعقيد، برفض حركة فتح الذهاب للقاهرة، مُتذرعةً بعقد المجلس المركزي، الذي تمّ في 15 أغسطس.
وفي تصريحاتٍ أخيرة لعزام الأحمد قال إنّه "اتفق في زيارته للقاهرة التي سبقت عقد المركزي بأربعة أيام، على أن تأخذ مصر أجوبة من حماس ثم تعلن الاتفاق بين حماس وفتح" قبل أن تسير الأمور على غير ما ترغبه الأخيرة. التي اعتبرت أنّ "ملادينوف يُنسّق مع إسرائيل و قطر ".
وأعرب الأحمد عن رفض حركته الاجتماع بأي شكل أو طريقة مع حماس، "لا في إطار جماعي ولا ثنائي برعاية مصر أو غيرها" على حدّ قوله، مبررًا هذا بالقول "لأننا اكتوينا بالخداع والتسويف سنوات طويلة، ولهذا اعتذرنا لمصرعن المشاركة في تلك اللقاءات خاصة أن المركزي كان منعقدًا حينها".
وقُبيل عطلة عيد الأضحى، غادر ممثلو الفصائل الفلسطينية القاهرة، بعد أن توافوا عليها مُنتصف الشهر الجاري بدعوة من الجانب المصري، بهدف استكمال بحث ملفيْ التهدئة والمصالحة إلى جانب سُبل تخفيف الحصار عن غزة، حسب ما أعلنته الفصائل في حينه. تلاه إعلان حركة حماس توقف المباحثات إلى ما بعد العيد.
وتم التوصل بين حماس وفتح لاتفاق وقعت عليه الحركتان في 12 أكتوبر 2017 بالقاهرة، يتضمّن عدة مراحل بسقف زمني محدد لتنفيذ اتفاق المصالحة المبني على أسس اتفاق 2011، إلّا أنّ تطبيقه واجه عدّة عقبات أبرزها في ملفات موظفي "حكومة حماس السابقة في غزة"، والأمن، وما تُسمّيه حكومة الوفاق برام الله "التمكين". وشهدت الشهور اللاحقة مماطلة من الطرفين في تطبيق التفاهمات التي جرت في القاهرة، وصولًا إلى إعلان حكومة الوفاق والرئيس محمود عباس بشكل نهائي وواضح عن فشل اتفاق المصالحة عقب تفجير موكب رئيس الوزراء بعد دخوله قطاع غزة عبر حاجز بيت حانون "إيرز"، مُنتصف مارس 2018. قبل أن يتم فتح الملف من جديد منذ نحو شهريْن، بدون مقدّمات، وعودة القاهرة لاستضافة الوفود الفلسطينية لبحث المصالحة.
يأتي هذا بالتوازي مع جهود تبذلها مصر والأمم المتحدة من أجل بلورة خطة "هُدنة أو تهدئة" في قطاع غزة، وسط تعتيم إعلامي وغموض بشأن التفاصيل. وهو ما تُقابله السلطة في رام الله بهجومٍ حاد، بادّعاء أنّ "ما يجري بحثه لا يتناسب مع التضحيات الوطنية"، وهو موقفٌ أعلنته السلطة، ومعها مسؤولون في حركة فتح بعدما تكشف من تحرّكات مصرية وأممية وحوارات تجري مع حركة حماس بشأن التهدئة، بعيدًا عن السلطة.
وكانت الجبهـة الشعــبية لتحـرير فلسطــين، دعت حماس إلى "عدم تقديم أية التزامات بشأن الهدنة مع العدو الصهيوني، وإلى إخضاع هذه المسألة لقرار وطني جامع، يستند إلى برنامج وطني تحرري يتم العمل على إنجازه سريعًا من قبل الكل الوطني، وبالاستناد إليه يتم الإقرار وطنيًا، حول الشكل والتكتيك المناسب لإدارة الصراع مع العدو في كل لحظة من اللحظات".
وأصدرت الشعبية موقفها عقب ما تردّد عبر وسائل إعلام محلية وصهيونيّة حول اتفاق تتم بلورته بين حركة حماس وكيان الاحتلال، برعاية مصرية وأممية، يتضمّن تهدئة من قبل الطرفين بأجلٍ مُحدد، مُقابل فتح المعابر وإنعاش قطاع غزة بالمشاريع الحيويّة والإنسانيّة وتحسين اقتصاده وتخفيف الحصار، وقد يمتدّ الاتفاق في مراحله المتقدمة لإنجاز صفقة تبادل أسرى. وهو ما رجّح مراقبون أنّه سيكون له "ثمن سياسي" لن يُعلن عنه.