Menu

محمود عباس يحاصر الجبهة الشعبية ماليا

د.فايز رشيد

يدرك مواطننا الفلسطيني والعربي, مدى دقّة وحراجة ورداءة  الوضعين الفلسطيني والعربي حاليا! وبالفعل لو أن أعداءنا كلّهم, تمنوا  أن يصل الوضعان إلى هذه الدرجة  من التراجع, إن بمؤامراتهم  ومخططاتهم الدائمة, فلم يكونوا ليتصوروهما هذين الوضعين على هذا المستوى المزري. ومن جهة, فإن التحالف الصهيوني – الأمريكي – البعض عربي , ماض في مخططه التآمري لتصفية القضية الفلسطينية بتمرير صفقة القرن, والفصل نهائيا بين قطاع غزة والصفة الغربية, والتحضير لقرار أمريكي بشطب حق العودة, ومحاولة شطب الأونروا, وإيجاد تعريف جديد للاجىء الفلسطيني, حيث سيتم الاعتراف بعدد قليل من الفلسطينيين كلاجئين , بدل ملايين اللاجئين  الذين يعيشون في مخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة ومخيمات الشتات , ومن جهة أخرى, يزداد الشرخ العميق في الساحة الفلسطينية ,المعبّر عنه في الانقسام الفلسطيني المدمّر , وهو المعاكس في مسيرته لما تقتضيه المرحلة من تحولات للرّد على استهداف قضيتنا ومشروعنا الوطني , والمخطط الصهيوني البعيد المدى للمنطقة العربية برمتها . ولكن للأسف , لا حياة لمن تنادي ! فما يخطط لقضيتنا في واد, وأوضاعنا في واد آخر.

للأسف , لقد حُوّلت الحصة المالية الشهرية لتنظيم فلسطيني معارض, من الصندوق القومي الفلسطيني (كما جرت العادة) إلى الرئاسة الفلسطينية, بمعنى آخر ,لتكون رهنا بقرار الرئيس ! بالرغم مما في ذلك من ضرب واضح لأسس التعامل وقواعد  منظمة التحرير! ورغم ما في الخطوة من خرق واضح لقرارات اللجنة التنفيذية, والمجلسين المركزي والوطني الفلسطيني. الحصة المالية للتنظيم, تقطع عنه للشهر السادس على التوالي ,هذا التنظيم, الذي أنشأه المفكر والاستراتيجي والقائد الفلسطيني العربي والأممي الكبير الراحل د. جورح حبش ,الذي تخلى عن منصبه طوعا ,في حالة عربية نادرة, ليفسح المجال للآخرين لتسلم مهام القيادة!وقد تولاها من بعده الشهيد الراحل أبو علي مصطفي , الذي مرّت الذكرى 17 لاستشهاده منذ أيام , وقد  كانت جملته الأولى عند الدخول إلى الجسر,”جئنا لنقاوم لا لنساوم”, وبعد استشهاده تولى الأمانة العامة للتنظيم, المناضل أحمد سعدات, الذي يقبع في السجون الصهيونية منذ عام 2006 عندما جرى اختطافه وآخرين من سجن أريحا على أيدي القوات الصهيونية , وكان قد اعتقل 4 مرات في سجون السلطة الفلسطينية ,آخرها في عام 2003 ببسبب “تهمة” التخطيط لاغتيال الفاشي العنصري زئيفي, (الذي لو عاش مرة أخرى , بل مرات) لقمنا بقتله في كلّ مرة.

التنظيم المعني ,قادته ثلة من الشهداء والأوفياء ل فلسطين وللأمة العربية, من غسان كنفاتي وجيفارا غزة, مرورا بـ وديع حداد, أبو أمل, وصولا إلى أبو ماهر اليماني وغيرهم وغيرهم. ما ذكرناه , كتبناه للتأكيد, على أن هذا التنظيم هو صمام أمان الثورة الفلسطينية, لا يهادن, لا يساوم على شبر من الأرض الفلسطينية. تنظيم عمّد أفكاره بالممارسة العملية , التي جبلت بدماء شهدائه على مدى نصف قرن. تنظيم يؤمن بتحرير فلسطين كاملة من النهر إلى البحر, تنظيم وقف منذ البداية ضد اتفاقيات أوسلو وتداعياتها, ووقف ويقف ضد نهج المفاوصات. تنظيم يؤمن منذ انطلاقته بكل أشكال النضال, وعلى رأسها الكفاح الشعبي المسلح. تنظيم منع تشكيل البدائل ضد منظمة التحرير. تنظيم ينادي بالوحدة الوطنية الفلسطينية وتشكيل الجبهة الوطنية العريضة لمقاومة العدو, لا يؤمن بالتهدئة مع المحتل , ويطالب ويمارس بتوسيع دائرة الاشتباك معه.

منذ انطلاقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عام 1967 وهي تعاني الشظف المالي, نظرا لاستقلاليتها السياسية والفكرية والتنظيمية, لم تكن ولن تكون تابعا لدولة أو أحد ,  فهي تنطلق من رؤيتها ومصلحة الجماهير والمشروع الوطني الفلسطيني عموما . هذه الاستقلالية والجرأة المنقطعة النظير في اتخاذ المواقف, ساهمت إلى حدّ بعيد في تجفيف مصادرها المالية, ووضعتها الكثير من الدول تحت قائمة الإرهاب! وضغطت الولايات المتحدة  والدول الغربية الرئيسية  على دول عربية كثيرة على عدم السماح حتى  بجمع تبرعات للجبهة الشعبية على أراضيها, تحت طائلة العقوبات! . المسؤول عن قطع مخصصات الجبهة الشعبية ,يلتقي شاء من شاء وأبى من أبى مع كلّ هذه الجوقة ! نعم, إن أموال م. ت. ف.  ليست حكرا على تنظيم واحد, يحتكر المنظمة ومؤسساتها ومناصبها! تحت دائرة من الفئوية الضيقة الأفق ,التي لا تحسن النظرإلا إلى مسافة  لا تتجاوز أرنبة أنفها.

مثلما جاء في الأنباء, ينوي الرئيس الفلسطيني في اجتماع الدورة القادمة للجمعية العامة للأمم المتحدة, الإعلان رسميا عن رفص الفلسطينيين المطلق لـ “صفقة القرن”. إن حدث ذلك, فهو خطوة في الاتجاه الإيجابي! غير أننا نقول: من يريد وقف تصفية القضية الفلسطينية  ومحاربة “صفقة القرن” ,يقوم أولا بترتيب البيت الفلسطيني, بإنهاء الانقسام ,ولا يقطع المخصصات المالية للتنظيم الثاني في م. ت. ف. ويلغي التنسيق الأمني “المقدس” مع العدو الصهيوني , ويلغي اتفاقيات أوسلو الكارثية, ولا يراهن على حل مع الدولة  الصهيونية, بعد انعدام كافة الحلول مع هذا العدو المتغطرس العنجهي السوبر فاشي, وخاصة بعد سنّ “قانون  القومية” العنصري الفاشي. من يريد مواجهة مؤامرة “صفقة القرن” يلغي نهج المفاوضات مع العدو , ويعيد الاعتبار للكفاح الجماهيري وعلى رأسه الكفاح المسلّح, ولا يراهن على أي تغيير في الموقف الأمريكي, الذي لن يتجاوز مطلقا دائرة التحيّز التام والتماهي المطلق مع العدو الصهيوني. من يريد إسقاط “صفقة القرن” يعيد الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية , ويساهم في إصلاح مؤسساتها , ويقوم بعقد مجلس وطني فلسطيني توحيدي جديد في الخارج, ويجري مراجعة شاملة لمسيرة النضال الفلسطيني منذ انطلاقتها الحديثة حتى اليوم, وبخاصة منذ عقد اتفاقيات أوسلو التدميرية لقضيتنا والكارثية لمشروعنا الوطني, كي يستفيد من الأخطاء بل الخطايا التي ارتكبها بحق قضيتنا وحقوقنا الوطنية. سياسة “حصار الفلسطيني الآخر” لا يمكنها الالتقاء مع المبدأ الوطني.