منذ صعود الرئيس الراحل هوغو تشافيز لحكم فنزويلا قامت الولايات المتحدة بسلسلة من المحاولات المارثونية لإسقاطه، تضمنت انقلاب عسكري ومحاولات اغتيال وعقوبات فرضت على فنزويلا لتجويع وتركيع شعبها. النظام التقدمي في فنزويلا ارتكب خطيئة أساسية في عرف الولايات المتحدة والمنظومة الرأسمالية، لقد حاول أن يطعم شعبه، ومضى في خطوات لإعادة توزيع الثروة بعدالة، والخطورة الأكبر أنه حظي بالاستقلالية الوطنية واستند لإرادة الجماهير. الاقتصاد الفنزويلي يترنح اليوم والعملة قد هوت إلى الحضيض، وأصبحت فنزويلا البلد النفطي تعاني في سبيل اطعام شعبها، هذا لم يكن نتاج سياسة اقتصادية خاطئة -بالتأكيد هناك أخطاء كثيرة- ولكن بالأساس جاءت هذه المعاناة من حرب حقيقية شنتها الولايات المتحدة والقوى الإمبريالية لإسقاط مشروع العدالة في فنزويلا، واستعادة الوضع الذي ترغبه الشركات الكبرى في المركز الإمبريالي، وضع يخضع فيه ملايين الفقراء لظروف حياة قاسية، فيما يسجل الاقتصاد كذبا أرقام كبيرة من النمو، هذا النمو في أارباح الشركات متعددة الجنسيات وشركائها المحليين. وحتى يكون الأمر مفهوما كوننا لا نتحدث عن حالة شاذة، فقد قامت الولايات المتحدة بما هو أسوء تجاه كوبا، مندفعة لتدخل عسكري وتسليح لعصابات إجرامية وميلشيات بإدارة وكالة المخابرات الأمريكية، وحين صدت كوبا هذا العدوان، وصمدت ثورتها أمام الضغوط ومحاولات الاغتيال، كان القرار الإمبريالي بذبح كوبا اقتصاديا عبر منظومة عقوبات احتجزت كوبا في سبعينيات القرن الماضي على مستوى المعدات والأدوات، ومع ذلك فالنموذج الكوبي للصمود يخبرنا الكثير. فالفرد العادي في كوبا يتلقى خدمة صحية أفضل وأكثر عدالة من نظيره في الولايات المتحدة وغيرها من دول المركز الإمبريالي، والاحتياجات الغذائية الأساسية توزع بعدالة كبيرة محققة اكتفاء للمواطنين الكوبيين في هذا الجانب.
حرمان الشعوب من حقها في التصرف بثرواتها هو دستور مقدس لدى الشركات الكبرى في عالمنا، ولأجل الحفاظ على سيطرة هذه الشركات على الموارد والثروات أُريقت دماء الملايين في عصرنا الحالي، والسؤال الحقيقي اليوم ليس عما إذا كانت هذه الحرب مستمرة، بل كيف علينا نحن شعوب هذا العالم أن نخوضها؟
لا يمكن أن تواصل بضعة حكومات وتجارب ثورية حول العالم خوض مواجهات حكومية منفردة مع المركز الإمبريالي، فمنطق الدولة الوطنية التي تدافع عن سيادتها تمكن العدو الإمبريالي من كسره، واستباح هذه الدول واقتصاديتها وحتى أرضها وشعوبها، ولا أفق أمام المكافحين ضد المنظومة الاستعمارية دون إدراك عمومية وشمول هذا الصراع، وضرورة خوضه بما هو أوسع من أدوات المواجهة المحلية في هذا البلد أو ذاك.. نداء الواجب اليوم يقول يا أيها المنكوبين في عصر الإبادة الأمريكي اتحدوا وقاتلوا، دفاعا عن أولادكم، ومستقبلكم، وحتى حقكم في الحياة ليوم غد.