Menu

وظائف في غزة.. صُنعت في الصين!

محمد أبو ضلفة

صورة تعبيرية

غزة_ خاص بوابة الهدف_ محمد أبو ضلفة

تحصل على وظيفة تختارها بنفسك، وموعد دوام يناسب مسؤولياتك، وبيئة عمل مريحة تكون في صالة منزلك أو في مقهى تفضله، يبدو هذا في الظاهر الوظيفية المثالية التي تحلم بها ولا تحققها إلا من خلال العمل الحر عبر الانترنت، لكن الواقع في قطاع غزة يختلف كثيرًا، بل هو أشبه بظروف العمل في الصين، حيث البحث عن العمالة الرخيصة لتخفيض تكاليف الإنتاج.

الظروف الاقتصادية الصعبة وندرة الوظائف في مختلف المجالات أسهمت بتوجّه الشباب والعاملين في قطاع غزة إلى العمل الحر عبر الانترنت مع زبائن في دول عربية، وفي ظل ظروف وصفها عدد من هؤلاء الشباب بالصعبة والتي تستغل حاجة الفرد إلى العمل والدخل المادي.

عبد الله المنسي، عملَ كمحرر ومُدققٍ في موقعٍ سعوديّ إخباري، يقول لـ بوابة الهدف "أحد الأصدقاء سألني إذا كنتُ أريد عملًا إضافيًا بجانب عملي في مؤسسةٍ محلية أتقاضى منها راتبًا متواضعًا، وافقتُ على الفور رغم أن المقابل المادي الشهري لقاء إنتاج نحو 20 مادة صحفية يوميًا هو 500 ريال سعودي فقط".

ويُوضح المنسي (27 عامًا) أنه عمل مع هذا الموقع لستة شهورٍ، وخلال هذه الفترة اكتشف من زملاءٍ له أنّ سبب توجّه الموقع السعودي إلى الاستعانة بمحررين عن بعد هو رغبة المالك بتخفيض النفقات من خلال محررين يتقاضون مبالغَ مالية أقلّ من نظرائهم في السعودية، أمّا سبب اختيار غزة فكان، بحسب المنسي، لضمان استمرارهم في العمل، أو لوجود بديلٍ سريعٍ للعامل في ظلّ العدد الكبير للعاطلين عن العمل في القطاع.

أمّا مي النفار (30 عامًا) التي تعمل في مجال التصميم، تقول إنها الآن تعمل بشكلٍ جيد مقابل مردود مادي معقول، إلّا أنها وصلت إلى هذه المرحلة بعد رحلةٍ طويلةٍ من "الاستغلال والتعب" على مدار أكثر من خمس سنوات.

وتُضيف النفار لـ بوابة الهدف "بدأتُ العمل الحرّ لدى منصّات عربية عبر الانترنت، منها مواقع: خمسات، وأي خدمة، وكان العائد المادي بسيط لا يتجاوز ما قيمته 30 شيكلًا عن المهمة الواحدة، لكن لا مشكلة في ذلك، فحينها كنتُ في أول حياتي المهنية"، وتتابع "بعد هذا اكتسبت علاقات عمل جديدة من خلال هذه المواقع، لكن الزبائن مثل البطيخ، أنتَ وحظك!".

تُكمل ميْ أنّها عملت كذلك في عدد من المؤسسات المحلية، لكنها كانت دائمًا تفضل العودة للعمل الحر بكل سلبياته، وتبرر هذا بالقول "أكثر هذه السلبيات كانت ظنّ الزبون أنّني في الخدمة طوال 24 ساعةً، فيطلب تعديلًا أو تصميمًا جديدًا، دون مراعاةٍ للوقت، متأخرٍ كان أم في يوم عطلة".

وتشير إلى عملها مع أكثر من زبون بشكل جيد جدًا، لكنها مضطرة للتعامل مع الآخرين حتى تستطيع تحصيل دخل مادي يكفي احتياجاتها ومستلزمات أسرتها.

بينما كانت تجربة محمد صيام، الذي عمل مع عدد من المواقع التابعة لبعضها، ممتازةً في البداية، لكنها تحولت إلى أسوأ ما يمكن، إذ يقول: كنت محررًا في موقع عربي، تندرج تحته خمسة مواقعٍ أخرى، تستهدف أماكن مختلفة في العالم العربي، وكان الراتب جيدًا ويعادل ساعات العمل، وأفضل بكثير من العمل في بعض المواقع المحلية، ثم بعد أشهر بدأت عملية زيادة ساعات العمل دون مقابل مادي، كردِّ جميلٍ للمدير على توظيفِك أو توفير فرصة عمل لك، وأحيانًا يتم استدعاؤك من الإجازة لعمل إضافي".

يضيف صيام (28 عامًا) لـ بوابة الهدف: أن "ساعات العمل الزائدة كانت بدون مقابل، ولعدم وجود فرص بديلة استمريت في العمل لأشهر أخرى على أمل أن تكون تلك الضغوط والساعات الإضافية مجرد ظروف استثنائية، لكنها أصبحت دائمة"، مشيرًا إلى عدم اكتفاء إدارة الموقع بزيادة الساعات ولكن بدأت مرحلة الخصومات، في محاولة لتوفير ما أمكن من الراتب من خلال تقليصه، فإذا قبل به الموظف كان بها، وإن لم يقبل يمكن احتماله لأشهر أخرى حتى إيجاد البديل".

ويُشير إلى أنه، ومع عددٍ من زملائه، فهموا هذه السياسة، وبعد محاولة جديدة لتقليص الراتب تركوا العمل دفعةً واحدة انتقامًا من مدير الموقع، بدلًا من أن ينتقم هو منهم.

"بوابة الهدف" توجّهت إلى وزير العمل الفلسطيني مأمون أبو شهلا، الذي أكد أن تطور سوق العمل ووجود مجالات جديدة فتح المجال أمام العمل الحر عبر الانترنت في قطاع غزة، مشيرًا إلى أن مبدأ العمل الحر جيد ولا خلاف عليه، إلا أنه في فلسطين له خصوصية متعلقة بالجانب الأمني، والتثبّت من مشروعية العمل وعدم احتوائه على جوانب مشبوهة وغير واضحة.

وأقرّ الوزير أبو شهلا بوجود جوانب من الاستغلال لحاجة الشباب بغزة للعمل في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية، وأكّد أنّ الحقوق العمالية في كثيرٍ من الحالات مهدورة، في ظلّ ظروف العمل غير الواضحة، ومنها الاختيار الحر لأوقات العمل، أو العمل بوظيفة أخرى.

ودعا الوزير الشبان إلى تطوير قدراتهم بشكل مستمر وتحسين مهارتهم، ودراسة تخصصات تتواءم مع احتياجات سوق عمل، حتى يستطيعوا الحصول على فرصة عمل مُرضية تلبي الطموح والتطلعات.

المحامي والناشط الحقوقي بكر الضابوس، أكّد أن العمل الحر هو كأيّ عملٍ يتضمن حقوق وواجبات؛ ويجب أن يكون في سياق الضمانات القانونية، كما يجب تنظيم هذا العمل عبر جهة رسمية لحفظ قيمة الراتب واستحقاقات العاملين، وحتى حقوق أصحاب العمل أنفسهم.

ويشرح الضابوس لـ بوابة الهدف أن "التنظيم الرسمي للعمل الحر يكون عبر الجهات الحكومية، المُلقى على عاتقها ضبط وتنظيم عملية التعاقد والعمل لحفظ حقوق العاملين. واقترح أنّ يتمّ هذا الضبط من خلال برنامجٍ متكامل يبدأ بحصر هذه الفئة، ممّن يعملون بالقطعة لمُشغّلين خارج الوطن، ومن ثمّ تسويقها عبر قنوات رسمية والإشراف على عمليات التعاقد".

هذه الظاهرة، التي باتت حِملًا ثقيلًا على من لم يجد غيرَها ملاذًا من شبح البطالة وشُحّ فرص العمل، في قطاع غزة، قد تكون الحلّ السحري لأزمة التشغيل داخل القطاع بما يُوفّر فرص العمل في مختلف المجالات للخريجين وغيرهم من الباحثين عن عمل، وفق ما أوضحه الضابوس، الذي قال إنّ هذا الحلّ ممكنٌ فقط إذا ما قامت الجهات المعنيّة، سيّما الحكوميّة منها، بدورها المُفترض في هذا الإطار، بالضبط والتنظيم والإشراف والمتابعة.