Menu

ماذا بعد الترحيب بتقرير مجلس حقوق الإنسان؟

هاني حبيب

رحبت فلسطين، على كافة المستويات الرسمية والشعبية، فصائل ومنظمات أهلية، بالتقرير الصادر عن مجلس حقوق الإنسان مؤخرًا، وهو الثالث في إطار التقارير التي أصدرها المجلس حول الانتهاكات الإسرائيلية في قطاع غزة، إلا أنه الأكثر تحديدًا في صياغته وإدانته لهذه الانتهاكات، كما أنّه عالج مختلف التحقيقات التي توصل إليها من خلال الوثائق والصور والأشرطة وشهادات ميدانية، الأمر الذي يجعل من هذا التقرر مرتكزًا ومرجعًا أساسيًا لدفع المحكمة الجنائية الدولية لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين، لذلك، لا يجب الوقوف عند الترحيب والإشادة بهذا التقرير، وليس المقصود في سياق إصدار مثل هذه التقارير وضعها في الأدراج والعودة إليها كأرشيف، وهذا يتطلب وقبل كل شيء، من الجناب الفلسطيني استثمار هذه التقارير للتوجه إلى الرأي العالمي والمنظمات الدولية على اختلاف أشكالها، خاصة الحقوقية منها، والأهم تفعيل دورها في المحكمة الجنائية الدولية، وإعادة الزخم إلى قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بضرورة توفير حماية للشعب الفلسطيني، وهذا يتطلب أيضًا من الأمم المتحدة التحلّي بالمصداقية والشجاعة، ليس فقط من خلال تبنّي مضامين هذه القرارات، ولكن اتخاذ خطوات جدّية بتفعيلها ميدانيًا وعمليًا، وحثّ المجتمع الدولي على اتخاذ خطوات فاعلة لإلزام دولة الاحتلال على الخضوع للقرارات الدولية، وتوفير إرادة دولية لملاحقة الاحتلال وتطبيق القوانين الدولية الخاصة بالصراع الإسرائيلي- الفلسطيني.

ومع اقتراب اكتمال العام الأول لمسيرات العودة، فإن هذا التقرير يشكّل ضاغطًا دوليًا لإنهاء الحصر المفروض على قطاع غزة، منذ أكثر من  عامًا، عانى فيها مواطنوه من انعدام حرية الحركة وكذلك غياب مقومات الحياة الإنسانية الكريمة.

غير أننا ونحن نراجع هذا التقرير، تتوجب العودة من جديد إلى العنوان الأساسي والهدف المُعلَن لطبيعة الحراك الشعبي الفلسطيني، في إطار هذه المسيرات، وهي مسيرات العودة، وهذا يعني بالضرورة التركيز على الطابع السياسي لهذا الحراك، والتأكيد من جديد على حق العودة للاجئين الفلسطينيين وفقًا لقرارات الشرعية الدولية، وتجنب التركيز على الطابع الإنساني والحياتي على حساب الأبعاد السياسية للصراع الفلسطيني مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.

لقد صدر تقريران سابقان عن مجلس حقوق الإنسان حول الانتهاكات الإسرائيلية في قطاع غزة، من دون أن نلمس أي استثمار لهذه التقارير لدى المجتمع الدولي، لا من قبل الجانب الفلسطيني، ولا من قبل الأمم المتحدة، وتم تجاهلهما في سياق المعركة السياسية والحقوقية مع دولة الاحتلال، وهناك خشية حقيقية من أن يتم الاكتفاء بالترحيب والإشادة ومطالبة المجتمع الدولي بالقيام بدوره لإجبار دولة الاحتلال بوقف انتهاكاته من دون اتخاذ الخطوات الجدية والفاعلة من قبلنا كفلسطينيين لاتخاذ الخطوات الملموسة لترجمة هذه التقارير إلى أفعال حقيقية وميدانية، بعد أن وفرت لنا المرجعية الدولية اللازمة لفتح معركة سياسية ودبلوماسية مع دولة الاحتلال.

وفي طليعة المهام السياسية والدبلوماسية في سياق تفعيل هذا التقرير جهدٌ سياسي ودبلوماسي للضغط باتجاه المصادقة على التقرير من قبل الأمم المتحدة عند مناقشته في الثامن عشر من مارس/ آذار الجاري، والطلب من المفوض السامي لحقوق الإنسان رفع التقرير إلى المحكمة الجنائية الدولية، هذه الخطوات بالغة الأهمية لكي يكتسب التقرير أبعاده الضرورية كأداة جدية في المواجهة مع الاحتلال.