Menu

قانون أمريكي جديد "لِحلْب" العالم وتمويل "إسرائيل"

دونالد ترامب في الكونغرس الأمريكي

بوابة الهدف_ وكالات

في الحالة العامة لا يمكن تحمّلُ الوقاحة الإسرائيلية، خاصة حين يتعلّق الأمر بمتاجرتها باليهود الذين قُتلوا خلال «المحرقة»، ومحاولاتها لتكريس صفة الوصاية على هؤلاء. لكن بمجيء دونالد ترامب، تحولت الوقاحة إلى بلطجة، وهو ما انتفضت عليه بولندا بإلغائها زيارة وفد إسرائيلي جاء يُطالبها بإعادة «أملاك اليهود من حقبة الهولوكوست»، بموجب قانون أقرّه الكونغرس أخيراً، وذلك بعد أسبوع من الاحتجاجات في وارسو على القانون.

عام 2012، أطلقت الخارجية الإسرائيلية حملة دولية عنوانها «أنا لاجئ يهودي»، أرادت بها إجبار الدول العربية التي كان اليهود جزءاً من مواطنيها (قبل أن يغادروها إلى إسرائيل بمساعدة «الوكالة الصهيونية») على دفع تعويضات لهم تُقدّر بـ700 مليون دولار. طلبت «الخارجية» من اليهود «اللاجئين» تعبئة مستندات يشرحون فيها «معاناتهم، وكيف سُلبت حقوقهم في الدول العربية التي غادروها وأموالهم وممتلكاتهم قبل أن يُطرَدوا»! اللافت في تلك المستندات أنها تضمّنت كل التكاليف، حتى البسيطة منها، مثل النفقات التي قد يكون اليهودي تحمّلها عندما توجّه إلى محامٍ لاستشارته في بيع بيته أو حقوقه، أو تكاليف الاتصالات الهاتفية التي أجراها القادمون من الدول العربية قبل مغادرتهم الدولة التي كانوا فيها وبعدها.

أما الدول الغربية، فتحاول إسرائيل منذ 2009 إجبارها على دفع تعويضات وإعادة ممتلكات إلى اليهود فقدوها خلال سنوات النازية، حتى لو لم يوجد وَرَثة لهذه الممتلكات. وبذلك، تُكرّس إسرائيل نفسها وصية على هؤلاء، وتعيد إنتاج خطاب الضحية الوحيدة بكلّ صوره، كأن ملايين الضحايا الذين قضوا خلال السنوات نفسها من الشعوب الأخرى ذوو قيمة أدنى مقارنةً باليهود.

وبوجود «عصا» الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، صار «حَلْبُ» العالم كرمى لإسرائيل قانوناً نافذاً كما أقرّه الكونغرس قبل أيام. القانون رقم 447، الذي سبق أن وقّع ترامب على مسوَّدته قبل عام، يقضي بأن تُبلّغ الخارجية الأميركية الكونغرس تقريرها التقديري حول القوانين الوطنية والقرارات الإلزامية التي تتخذها الدول المشمولة بالقرار بهدف تحديد واستعادة الأملاك التي تمت السيطرة عليها أو نقلها عنوة خلال «الهولوكوست»، ويشمل ذلك: (1) إعادة الأملاك المسلوبة إلى أصحاب الحق بما يشمل الأملاك الدينية والمجتمعية، أو الاستعاضة عنها بأملاك أخرى أو التعويض المالي، (2) استعادة الأملاك غير الموروثة (لا تحمل وريثاً) لمساعدة ضحايا «الهولوكوست» المحتاجين، (3) متابعة القرارات المتعلقة بالقضايا المرفوعة من المواطنين الأميركيين من ضحايا «الهولوكوست» وعائلاتهم.

رداً على ذلك، احتجّ آلاف البولنديون على القرار الأميركي أمام سفارة واشنطن لدى وارسو قبل أيام. واتهم هؤلاء الولايات المتحدة بالتدخل في شؤونهم وتفضيل مصالح إسرائيل واليهود على بولندا. وخلال مسيرتهم التي انطلقت من أمام مكتب رئيس الوزراء البولندي، ماتيوش مورافيسكي، رأى المتظاهرون أنْ ليس من العدل مطالبة بولندا بتعويض الضحايا اليهود، في حين أنها لم تحصل على تعويض مناسب من ألمانيا، علماً بأنها كانت من أكبر ضحايا النازية خلال الحرب العالمية الثانية. وبالعودة إلى الدول المشمولة بالقرار 447، فهي الدول الـ46 المشاركة في مؤتمر «أملاك مرحلة الهولوكوست» الذي يُعقد منذ 2009، وبموجبه تقوم الخارجية الأميركية، بالتعاون مع منظمات غير حكومية مختصة، بتحديد الدول التي لها علاقة باستعادة الأملاك المسلوبة خلال «الهولوكوست». ومن بين هذه الدول بولندا التي سنّت قانوناً قبل عام يُعفي الأمة البولندية من المجازر التي ارتكبتها النازية على أراضيها، ويُعاقب بالسجن من يتهمها بالمسؤولية عن تلك المجازر. 

«القانون البولندي»، كما تسمّيه تل أبيب، أثار عاصفة من ردود الفعل التي لم تنتهِ آثارها حتى اللحظة، وآخرها إعلان الخارجية البولندية أمس إلغاء زيارة وفد إسرائيلي كان من المقرر أن يصل إلى وارسو للبحث في مسألة «استعادة الأملاك اليهودية». والظاهر أن سبب الإلغاء إعلان وزارة المساواة الاجتماعية الإسرائيلية، التي ترأسها غيلا غمليئيل، في وقت سابق، أن «الوفد الحكومي، الذي يرأسه المدير العام للوزارة آفي سكالي، اجتهد لسنوات في صياغة خطة لاستعادة أملاك اليهود من خمس دول على رأسها بولندا». وإلى أبعد من ذلك ذهبت غمليئيل بقولها أول من أمس إن «الحكومة الإسرائيلية ترى في استعادة الأملاك اليهودية ودفع حقوق الناجين من المحرقة أمراً أخلاقياً ملزماً لدولة اليهود، ولن توقفنا أي جهة، سواء كانت دولة أو معاداة للسامية، عن تنفيذ هذا الأمر الأخلاقي». 

أمّا موقف وارسو، فعبّر عنه مسؤول بولندي للقناة الإسرائيلية، قائلاً إن «الموقف من استعادة الأملاك اليهودية من دون وجود وَرَثة سيتغير، كما لا توجد أصلاً نية للسماح للإسرائيليين أو اليهود بالمطالبة بهذه الأملاك». صحيح أن بولندا لن تمنع الإسرائيليين من زيارتها كما نقلت القناة عن المسؤول، كذلك فإنها «معنيّة بعلاقات جيدة مع الإسرائيليين»، ولكن بالنسبة إلى التعويضات، فإن «الألمان هم المسؤولون عن الجرائم التي ارتُكبت ضد اليهود على الأراضي البولندية خلال المحرقة، ولذلك، إن كان الإسرائيليون معنيين بالمطالبة بالأملاك التي لا وَرَثة لها كتعويض عن الأضرار، فليطالبوا الألمان».

المصدر "جريدة الأخبار اللبنانية"