لا تختلف خطة رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد "أفيف كوخافي" للتعامل مع الأوضاع الأمنية المستجدة في كل من قطاع غزة ولبنان، عن مثيلتها التي كان رئيس الأركان السابق "أيزونكوت"، إلا في الاعتماد على المزيد من الإجرام والقتل دون استثناء المدنيين في ذلك، مسترجعًا تاريخه الإجرامي في سياق عملية السور الواقي عام 2002، عندما اقتحم منطقة القصبة في مدينة نابلس متنقلًا وجنوده من داخل كل بيت إلى بيت آخر، الأمر الذي أوقع عددًا متزايدًا من المدنيين الفلسطينيين، وهو ما أكده لدى تسلمه رئاسة الأركان، عندما قال: "إن مهمة الجيش الإسرائيلي أن يقاتل ويقتل، في سبيل استعادة قوة الردع" التي فقدها جيش الاحتلال في حروبه المستمرة على قطاع غزة في السنوات الأخيرة.
في كل مرة يتسلم فيها أركان حرب جديد مقاليد منصبه، يتم مراجعة خطط سابقيه بهدف استخلاص العبر والتقدم بخطط جديدة، إلا أن ذلك لم ينجح حتى الآن في التأثير على ميزان القوى بين المقاومة وجيش الاحتلال، وذلك بشهادة مراقب الدولة ومفتش الجيش الإسرائيلي التي أشارت إلى عدم جاهزية الجيش الإسرائيلي لخوض معركة برية.
جوهر خطة كوخافي يعتمد على إبادة العدو، والعدو هنا لا يفرق بين مدني وعسكري، ولهذا لن يتم إطلاق صواريخ تحذيرية قبل الأبراج السكنية الأهلة بالمدنيين. على سبيل المثال، وفي حيثيات الخطة نرى أنه من الضروري أن لا يتدخل المستوى السياسي باتخاذ قرارات أثناء المعارك، فإن كوخافي في هذا السياق يبرر فشل الجيش الإسرائيلي في تعديل ميزان القوى لصالحه، على المستوى السياسي، وليس إلى فقدان جيشه الجاهزية اللازمة للمواجهة في ظل التخوف الدائم من عدد القتلى الإسرائيليين أثناء المعارك؛ وتتجاهل الخطة في هذا السياق أيضًا، أن الجيش أداة للسياسة والسياسيين، وهو لا يصنع سياسة بل ينفذها. ولعل كوخافي، على إدراك بما كان يتم أثناء تداول المجلس الوزاري المصغر للتعامل مع الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة، حيث يلعب القرار السياسي الذي يأخذ بالحسبان عناصر شتى ليس في وارد الجنرالات والضباط؛ إذ أن ميدان السياسة أوسع وأرحب من ميدان المعارك، وهي حقيقة غابت عن كوخافي وهو يبلور خطته التي من شأنها أن ترسخ طموحه باعتباره أكثرة كفاءة من رؤساء الأركان السابقين.
من المتوقع أن تسري هذه الخطة مع بداية العام القادم ولمدة أربع سنوات، وهنا يلحظ بعض المحللين الإسرائيليين إلى أن كوخافي سيفتح معركة واسعة مع وزارة المالية التي تحاول تقليص ميزانية الحرب والاعتماد على التكنولوجيا، بديلًا عن زيادة أعداد الجنود والضباط، في إطار العقيدة الأمنية الإسرائيلية الجديدة، بما أن هذه الخطة لم تلحظ الجانب الآخر من المعادلة، وهو مدى تقدم وتطور الخطط والإمكانيات على محدوديتها التي باتت تمتلها المقاومة، والأمر لا يعود فقط إلى الإمكانيات العسكرية بقدر ما يعود إلى القدرة على استنباط خطط وأفكار جديدة وتكتيكات تتكيف مع أية حرب مفتوحة مع العدو الإسرائيلي.