يقترب الإعلان عن الجزء الأول من مشروع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحل ما يوصف في الأدبيات الغربية بـ "النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني"، وهو الجزء الاقتصادي الذي سيعلن عنه على الأغلب في ما سمي أولا مؤتمر البحرين ، ثم جرى التقليل من شأنه إلى "ورشة إقتصادية" لينتهي الأمر بالأمريكيين على لسان أحد مستشاري ترامب إلى تبني الوصف العربي المزعوم الذي يستخدمونه لتبرير المشاركة بأنه اجتماع "لمساعدة الفلسطينيين اقتصاديا".
في هذه الظروف تعود إلى الواجهة القضايا المركزية في القضية الفلسطينية والتي تعاملت معها الولايات المتحدة حتى قبل الإعلان عن "صفقة القرن" فاعترفت ب القدس عاصمة للكيان ونقلت سفارتها إليها، مرورا بنقل الإنكار الأمريكي الصهيوني لقضية اللاجئين وحقوقهم إلى حيز التصفية العملية وليس انتهاء برفض الأمريكيين إدانة الاستيطان، بل وتغطيته وصولا إلى تشجيع الكيان على ضم الضفة الغربية أو أجزاء منها، ما يعني دفن حل الدولتين نهائيا، ما يجعل سؤال ما الذي ستضيفه صفقة القرن إلى هذا كله يتخذ صفة حيوية؟
مؤخرا، برزت الكثير من القراءات المسبقة لصفقة القرن، تعتمد على ما صدر فعليا عن الولايات المتحدة، وخصوصا في مسألة اللاجئين ومحاولة ربط الممارسة الأمريكية بمواقف الكيان الصهيوني وما تم تكريسه في عديد من الوثائق.
وفي هذا النص مراجعة للمواقف الصهيونية ومراجعة بالخصوص لوثيقة صدرت عن مركز الأمن القومي الصهيوني في تموز /يوليو 2017، والتي ربطتها بعض القراءات بالسياسات الأمريكية اللاحقة والقول إن هذه السياسات تستند إلى الموقف الصهيوني، وتبيان حقيقة هذا الارتباط ومداه.
صدرت الوثيقة في حينه بعنوان "قضية اللاجئين الفلسطينيين والمصلحة الإسرائيلية" وكتبها العميد احتياط أودي ديكل، والمحامي جلعاد شير، والدكتور كوبي مايكل.
من المعروف أن موقف الكيان الصهيوني من حق العودة يرتكز إلى أسس متعددة سياسية وأيديولوجية واقتصادية وأمنية، ويأتي من جميع الأطراف يسارا ويمينا ويُجمع الجميع على رفضه.
فحق العودة يتنافى (من وجهة نظر إسرائيل) مع طبيعة الدولة العبرية وأساس إنشائها باعتبارها دولة لليهود، إضافة إلى أن الإعلان عن الموافقة على حق العودة يعني الاعتراف بمسؤولية "إسرائيل" عن مشكلة اللاجئين وهذا ما لا تريده لأنه ينسف مبدأ إن فلسطين هي أرض بلا شعب أحد مرتكزات الأيديولوجية الاستيطانية، ورغم أن الصهاينة المؤسسين كانوا يعرفون تماماً أن هذه الأرض هي أرض عامرة بالسكان، إلا إن أهم أدوات الدعاية الصهيونية تركز حول هذا المبدأ بالذات، وبالتالي فإن نسفه يعني نسف أحد الأسس المثبتة للتعاطف الدولي مع "إسرائيل".
من جهة أخرى تعتبر القيادة الصهيونية أي عودة جماعية تهدد أمن "إسرائيل" وتستند هذه المقولة إلى مقولة الأمن الديمغرافي التي عملت على تحقيقها طوال سبعين عاماً.
اللاجئون وفكرة السلام الاقتصادي:
تُفتتح الدراسة الصهيونية بمقتطف من بنيامين نتنياهو عام 2008، يحدد فيه رأيه من فكرة السلام الاقتصادي، في استعادة لشمعون بيرس، في الشرق الأوسط الجديد، ويقول نتنياهو في هذا المقتطف إن "السلام الاقتصادي يرتكز على قوتين - على الأمن الإسرائيلي وقوى السوق".
كما في الموقف الصهيوني الأصلي، فإن الدراسة تحدد أن المصلحة الواضحة للكيان الصهيوني تقوم على صياغة حلول لقضية اللاجئين الفلسطينيين خارج حدود الخط الاخضر. ومع ذلك تشير الدراسة إلى القصور في التفكير الصهيوني في سياق استكشاف إمكانيات التقدم في هذا المجال عبر صياغة سياسة لحل مشكلة اللاجئين، بل في الواقع وكما قلنا أعلاه فإن مقاربة الكيان الصهيوني لقضية اللاجئين تأتي من حالتى التبرؤ والإنكار لتجنب تحمل المسؤولية. وبالتالي ورغم قصور التفكير هذا تزعم الدراسة إن التصور الأصلي بأن الحل خارج حدود الكيان هو تصور واقعي ويصب في مصلحة الأمن القومي الصهيوني، رغم إنه لا يمكنه إنكار أن قضية اللاجئين ككل تتعلق بالكيان على عدة مستويات، وأولها القضية السياسية، وفي جوهرها أي ترتيب مستقبلي (رمزي، اقتصادي، وخاصة الأمن).
القلق الجوهري للكيان يتأتى من أن أي سيناريو لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين سوف يجلب مئات الآلاف من اللاجئين من لبنان وسوريا و الأردن بالقرب من حدود "إسرائيل"، ويفترض واضعو الدراسة أن جوهر الحل سيكون توطين اللاجئين في الضفة الغربية وفي قطاع غزة وفي المناطق الملحقة بالدولة الفلسطينية في إطار اتفاق الوضع النهائي.
وتزعم الدراسة أن الفائدة الأبرز للكيان هي أن هذه المجموعة سوف تُستوعب بشكل أفضل في المجتمع، والاقتصاد والدولة الفلسطينية التي سيتم تأسيسها، ولكن بسبب عدم استيعاب اللاجئين الفلسطينيين في البلاد قد لا ينهار المستقبل الفلسطيني والمجتمع الفلسطيني فحسب، بل يشكل أيضا تحد دبلوماسي أمني كبير على حدود الكيان، ومن الضروري تهيئة الظروف لحل الصراع "الإسرائيلي" الفلسطيني والامتصاص الصحيح لمئات الآلاف من اللاجئين في الضفة الغربية.
في سياق هذا الاستعراض فإن هذه الدراسة التي قيل أنها كانت مرجعا لفريق ترامب، تحدد البعد الاقتصادي كعامل جوهري في "السلام" وأن اقتصادا وأمنا فلسطينيا مستقرين، باتنسيق مع الكيان الصهيوني سيقللان العبء الأمني على الكيان ويشجعان اقتصادها ويساهمان في خلق أسواق جديدة للتجارة والتصدير، وهذا مثال واضح على الساحة التي فيها رؤية "السلام".
رغم ذلك تعترف الدراسة أن الاقتصاد المعزز ليس بديلا للعملية السياسية، ولكن بسبب العملية السياسية، فالسلام الدائم لا يمكن أن يوجد بدون "السلام الاقتصادي" في أي سيناريو. يبدو جليا التقارب الواضح بين عناصر خطة ترامب، أو ما أعلن عنه حتى الآن، وبين هذه الدراسة التي تحدد الاقتصاد والسياسة كعاملين متكاملين للحل المأمول على مقاس المصالح الصهيونية وفي خدمة هذا المشروع.
تستند الدراسة إلى الزعم الصهيوني الدائم، بأن قضية اللاجئين الفلسطينيين هي قضية إنسانية، وإنكار الطابع السياسي لها، وبالتالي يجب معالجتها بعد أن تطورت الأزمة وباتت تهدد الاستقرار الإقليمي والعالمي.
وبسبب طبيعة التحديات الهائلة في عملية جمع الأموال اللازمة، للتعويض وإعادة التأهيل فإن الدراسة تتطلب تعاونا "إسرائيليا"، فلسطينيا، إقليميا، يؤدي إلى إنهاء المطالبات نهائيا.
الإضافة التي جاءت بها السياسات الأمريكية، نقلت قضية اللاجئين من حيز المعالجة إلى حيز التصفية، وبالتالي تعتبر مواصلة لنهج الإنكار الصهيوني. والمفارقة الأخرى أنه بينما تحدد الدراسة الصهيونية العملية السياسية كحاجة موضوعية لتجاوز المناخ الحالي من العداء الذي يجعل تنظيم العملية مستحيلا، فإن الولايات المتحدة تكشف أنها غير مهتمة إطلاقا بحل "النزاع"، بل فرض حل على الفلسطينيين وإرغامهم على القبول به، بغض النظر إن كانوا شركاء أو لا في العملية السياسية المرافقة للسياق الاقتصادي.
الفرضية الأساسية للدراسة الصهيونية هي أن جوهر حل قضية اللاجئين سيكون، بكل معنى الكلمة في الضفة الغربية، وحتى إذا عاد اللاجئون إلى "دولة إسرائيل"، فستكون أعدادا صغيرة، و لا شك في أن الفشل في استيعاب مئات الآلاف من اللاجئين كمواطنين لدولة فلسطين، عند إنشائها، سينطوي على خطر كبير على الدولة الفلسطينية، ومن ناحية أخرى، لا يوجد خلاف على أن الاستيعاب الناجح للاجئين الفلسطينيين في البلاد سيوفر للصراع شرطا ضروريا لوجود اتفاق مستقر بين "إسرائيل" والفلسطينيين، لذلك هذا الهدف الاستراتيجي لدولة "إسرائيل".
ولكن هذا يبدو متناقضا مع التفكير الأمريكي المدعوم من دوائر اليمين الصهيوني المتطرف، الذي كما ذكرنا جوهره تصفية قضية اللاجئين، ابتداءً بتجفيف الموارد (الأونروا وغيرها) وانتهاء بتقليل أعدادهم إلى الحد الأدنى، ما يعني تذويبهم تماما ونزع صفة اللاجئ عن أربع أو خمسة أجيال منهم.
وأيضا على العكس مما تفتق عنه ذهن مساعدي ترامب فإن هذه الدراسة تؤيد استيعاب عدد كبير من اللاجئين في الضفة الغربية في إطار دولة فلسطينية مستقبلية وهو تناقض آخر مع خطة ترامب التي يتضح من تجلياتها العملية قبل الإعلان عنها أنه لن يكون هناك أصلا دولة فلسطينية قابلة للحياة، فما بالك بأن تكون قادرة مهما كان حجم الأموال التي سيتم ضخها على استيعاب هذه الأعداد من اللاجئين.
الغرض من الدراسة هو الإشارة إلى جميع الخطوات التي يمكن للكيان اتخاذها اليوم، إذا قرر التركيز على تعزيز الاقتصاد الفلسطيني وقطاع التنمية والبناء، عبر سيناريوهات مستقبلية ووضع الأسس لحل مشكلة اللاجئين؛ لأن الاقتصاد الفلسطيني يعتمد في نواح كثيرة على السياسة الصهيونية، وهناك خطوات مهمة يمكن "لإسرائيل" أن تتخذها للمساعدة في تعزيز قطاع البناء والبنية التحتية الفلسطينية المستقرة والفعّالة، خاصة في الضفة الغربية، وتشمل هذه التدابيرضمن أمور أخرى، تغيير السياسة الإسرائيلية المتعلقة بالأراضي والتخصيص والتطوير في المنطقة (ج) وتوجيه المستويات التشغيلية والبيروقراطية لتنفيذ هذا التغيير، وهو أمر تقوم حكومة نتنياهو بضده تماما خلال الأعوام الثلاثة السابقة مع تصاعد اتجاهات الضم ومع اقتناع الأمريكيين عموما بأهمية ضم المنطقة (ج) للكيان الصهيوني، وهي منطقة أساسية لقيام الدولة الفلسطينية المزعومة والاستيعاب المطروح للاجئين.
وأيضًا الترويج المكثف للبرامج الإقليمية والمحلية في الضفة الغربية، والتي سوف تسمح بربط المناطق A و B و C، مع السعي لخلق موقف عام يسمح بالترقية للبنية التحتية الكبيرة والمشاريع السكنية. ونلاحظ هنا أيضا أن الكيان الصهيوني لا يكتفي بمنع ترقية الاقتصاد الفلسطيني والعمل المستمر على احباطه، بل أيضا تعزيز الفصل بين المناطق الثلاثة عبر الاستيطان المكثف والطرق الالتفافية، ناهيك عن تجفيف الموارد وقطع المساعدات.
فكرة العودة لا يمكن أن تتحول إلى عملية فعلية:
في الفصل الأول تستعرض الدراسة عدد اللاجئين ومواقعهم حسب إحصاءات عديدة، مشيرة إلى اختلاف التقديرات في الدول المختلفة حسب مصادر المعلومات. وحسب الدراسة "البيانات المستمدة من المصادر تعاني من مجموعة متنوعة من أوجه القصور، بما في ذلك البحوث عن عدد اللاجئين في البلدان المجاورة، ويشمل القصور مجموعات العينات، و العد المزدوج لمجموعات معينة، وأكثر من ذلك. وبالتالي، فإن المعلومات التي تنتجها الأونروا تعاني من عدم وجود إشارة إلى اللاجئين الذين لم يتم تسجيلهم في سجلات الوكالة، والناجمة عن النقص في القدرة على صياغة بيانات عن اللاجئين الذين لا يعيشون في المخيمات، ونقص شديد في الأساليب والمنهجيات المحدثة والمنهجيات الفعالة لرسم خرائط التغييرات والاتجاهات الاجتماعية والديموغرافية، وهكذا فالمعلومات المستمدة من الدراسات الاستقصائية والدراسات التي أجرتها مؤسسة فافو، تشمل النماذج التي تم ملؤها جزئيا في لبنان وأخطاء أخذ العينات في سوريا. ومع ذلك، من نواح كثيرة، تعتبر الأونروا مصدر المعلومات الأقرب إلى الواقع من حيث عدد اللاجئين في سوريا ولبنان وحتى الأردن، لأنها الوحيدة التي تعمل كمنظمة وبطريقة منسقة مع اللاجئين في جميع أنحاء المنطقة".
فصل المسؤولية الرمزية عن المسؤولية القانونية:
وبدون التطرق إلى التفاصيل الرقمية التي يمكن الوصول إليها بسهولة للقارئ المهتم، تزعم الدراسة الصهيونية إن عدد الفلسطيين المنتشرين خارج دول الطوق يعتبر ذا أهمية ثانوية، أو غير مهم في سياق الحل بحجة أن فكرة العودة لا يمكن أن تتحول إلى عملية فعلية بالنسبة لهم.
في الفصل الثاني تبحث الدراسة في مبادئ الإطار لحل مشكلة اللاجئين، مشيرة إلى أن تحمل الكيان الصهيوني لمسؤولية معينة حول قضية اللاجئين يعتبر أمرا رمزيا ويقع في قلب المطالبات الفلسطينية، المكونات الإسرائيلية في إيجاد حل شامل بأن " إسرائيل" يجب أن تعترف بالمسؤولية عن مشكلة اللاجئين وادعاء الفلسطينيين بالقرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة، ولكن الكيان الصهيوني رفض شكلا ومضمونا هذا القرار ولا يعترف بحق العودة، وإن الترتيب الذي يسمح للعديد من اللاجئين بدخول "أراضيه" أمر غير وارد بالنسبة له، رغم أنه في مفاوضات أنابوليس اقترح أولمرت رئيس حكومة العدو حينها أن يستوعب الكيان 5000 لاجئا كفعل رمزي، وهو أمر مثير للسخرية، ويعتبر إهانة للمطالب الفلسطينية أكثر منه مبادرة رمزية. وأيضا كجزء من عملية المفاوضات في كامب ديفيد - طابا، والتي تم خلالها رفع "معايير" مبادرة كامب ديفيد الخاصة بالرئيس كلينتو في كانون الأول / ديسمبر 2000 (قرأ إلى الأطراف ولم يُقدم كتابة)، ذكرت المتحدة أن "كلا الطرفين يعترفان بحق اللاجئين في العودة إلى فلسطين التاريخية" أو "العودة إلى وطنهم"، لكنه أوضح أنه "لا يوجد حق محدد للعودة إلى إسرائيل"، وضمّن كلينتون في اقتراحه استيعابًا معينًا للاجئين في "إسرائيل" يخضع لتقدير حصري من قبلها، ضمن "قوانينها السيادية".
تزعم الدراسة أنه في واقع اليوم، يدرك العديد من الفلسطينيين أن حق العودة لا يمكن تحقيقه وأن "العودة" إلى فلسطين هي في الواقع طموح طوباوي. وتزعم أيضا استنادا إلى جدل طويل يتمحور حول "الإنكار"، إن فصل المسؤولية الرمزية عن المسؤولية القانونية هو الطريقة الوحيدة التي ستمكن كلا الطرفين من التوصل إلى حل لقضية اللاجئين. وكما هو دأب الكيان الصهيوني، تضع الدراسة ما تزعم أنه "قضية اللاجئين اليهود" من الدول العربية، مقابل قضية اللاجئين الفلسطينيين، وتزعم أنه كما استوعبت "إسرائيل" مئات الآلاف من اليهود كان على الدول العربية "التحلي بالمسؤولية الأخلاقية" واستيعاب اللاجئين.
هذا بالطبع جدل سفسطائي، لأنه يحمل تناقض الصهيونية التي تدعي أنها "حركة تحرر جاءت لتحرير اليهود" وفي نفس الوقت تصف اليهود الذين التحقوا بمشروعها بغض النظر عن الأسباب بأنهم لاجئين وهو جدل طويل على كل حال.
أحد الأسئلة الرئيسية حول قضية اللاجئين هو عدد اللاجئين الذين سيختارون أي من الخيارات الثلاث التالية: العودة إلى دولة فلسطين، والاستيعاب في بلد المنشأ، والهجرة إلى دولة ثالثة.
والسؤال الرئيس الآخر هو عدد اللاجئين الذين سيتعيّن التعامل معهم في دولة فلسطين الفتية كجزء من جهود التأسيس. وتشمل الدراسات التي تتناول قضية اللاجئين مجموعة واسعة من السيناريوهات القائمة على افتراضات مختلفة، بعضها يتعارض مع الواقع الحالي.
في الدراسة يتم عرض السيناريوهات الأربعة في حينها، وتنبه الدراسة إلى أن السيناريوهات وضعت قبل الحرب السورية التي شتت اللاجئين الفلسطينيين في هذا البلد، وكذلك أنه تم قبل ظاهرة الهجرة الواسعة للاجئين غير الفلسطينيين من سوريا و العراق وأفغانستان إلى أوروبا والتي بدأت في أواخر عام 2014 وتستمر بأقصى سرعة خلال عام 2017.
وترى الدراسة أنه من الصعب التنبؤ بتأثير قضية اللاجئين العالمية على قضية اللاجئين الفلسطينيين، التي تركز الدراسة على تحدي تنظيمها في ضوء سيناريوهات وضعت عام 2011.
ويبدو أن هذه السيناريوهات وفرت مقياسًا يزعم إنه واقعي للجهود الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المعنية في حل المشكلة.
السيناريو أ: السيناريو الأول لمجموعة 20Aix
مجموعة Aix هي مجموعة من الباحثين، معظمهم من الاقتصاديين، الذين نشروا في العقد الماضي سلسلة دراسات تتناول شروط تعزيز حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني من زوايا مختلفة. في دراسة نشرت في عام 2007 ونقحت في عام 2009، وضعت المجموعة أربعة سيناريوهات مختلفة ردا على سؤال عودة اللاجئين الفلسطينيين.
يفترض السيناريو الأول من مجموعة Aix قدرًا كبيرًا من استجابة اللاجئين لتحقيق العودة إلى الدولة الفلسطينية، ووفقًا لهذا السيناريو، فإنه في المملكة الأردنية، حيث حصل اللاجئون الفلسطينيون على الجنسية والقدرة على الاندماج في المجتمع، فإن أربعين في المئة سيختارون الهجرة إلى فلسطين. أما في لبنان، حيث يتمتع اللاجئون بحقوق قليلة للغاية، فسيختارون جميعا العودة إلى فلسطين، وفي سوريا، سيختار 80٪ من اللاجئين الفلسطينيين تحقيق العودة إلى فلسطين.
بالإضافة إلى ذلك، يفترض هذا السيناريو أن خمسة بالمائة من إجمالي عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في هذه البلدان سيختارون الهجرة إلى أي بلد ثالث. ونظرًا لعدم وجود تقارير منظمة لأكثر من 50 في المئة من اللاجئين السوريين منذ عام 2011، تم تحديث السيناريو في هذه الورقة بناءً على افتراض أن 20 بالمائة من اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في سوريا وسيصوتون بعودتهم إلى فلسطين، فروا إلى أوروبا أو الأردن أو لبنان، ولم يتمكنوا من الاندماج في هذه المرحلة بمسألة العودة.
وفقًا للسيناريو أ، سيصل دولة فلسطين المستقبلية حوالي 1.59 مليون لاجئ ويستند هذا الرقم إلى أحدث بيانات الأونروا لعام 2015 حول اللاجئين الفلسطينيون في مختلف البلدان.
السيناريو ب: السيناريو الثالث لمجموعة 21Aix
يفترض السيناريو الثالث لمجموعة Aix من بين السيناريوهات الأربعة التي قدمتها المجموعة في بحثها أن يتم دمج اللاجئين الفلسطينيين في مواطن لجوئهم الأصلية، بناء على افتراض عدم الاستقرار المتوقع في السنوات الأولى من مستقبل دولة فلسطين وحقيقة أن حق العودة لن يتم تنفيذه في " إسرائيل" ما سيؤدي إلى انخفاض عدد اللاجئين المهتمين بالعودة إلى الدولة الفلسطينية. وفقا لهذا السيناريو، فقط عشرين في المئة من اللاجئين في الأردن سيختارون العودة إلى الدولة الفلسطينية، وكذلك 80% من لاجئي لبنان، وحوالي ستين في المئة من اللاجئين الذين يعيشون في سوريا. كما في السيناريو السابق، خمسة في المئة من بين اللاجئين الذين يعيشون في الأردن، وسوريا ولبنان سيختارون الهجرة إلى دولة ثالثة. تم تحديث السيناريو الثالث في هذا العمل بناءً على افتراض أن خمسين بالمائة من اللاجئين الفلسطينيين الذين عاشوا في سوريا وكانوا قادرين على تحقيق حق العودة، لا يستطيعون الانضمام إليه لأسباب متفرقة وضمن هذا السناريو ينخفض عدد اللاجئين العائدين إلى 880000.
السيناريو ج الثالث لساري حنفي، أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأمريكية ووفقًا له لا يوجد طلب للعودة إلى "إسرائيل"، وبالتالي يمكن أن يلائم الافتراضات الأساسية لدراسة الصهيونية.
في جميع السيناريوهات الأخرى التي أثارها حنفي، يخلص في النهاية إلى أن حوالي 650،000 لاجئ سيعودون إلى الضفة الغربية وقطاع غزة كجزء من حل شامل، ولأن أن هذا الرقم كان صحيحا في عام 2007، تم إضافة العمل إلى 100.000 لاجئ، لذلك السيناريو.
السيناريو د: بناءً على استطلاع عام 2003 للمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في عام 2003، تم إجراء مسح شامل بين اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية، في قطاع غزة والأردن ولبنان، حيث تمت مقابلة 4500 عائلة لاجئة، وقد صرح أكثر من 95 في المائة من المجيبين أنهم يصرون على إعمال حق العودة كحق مقدس و أنهم لن يستسلموا أبداً.
باختصار، تتوقع السيناريوهات الأربعة المقدمة هنا العودة إلى فلسطين بالأرقام التي تتراوح من حوالي 780.000 إلى حوالي 59.1 مليون. ربما لا توجد طريقة جيدة لتقدير العدد الدقيق لأولئك العائدين في إطار تسوية دائمة غير معروفة تفاصيلها.
أما حول مقدار الأموال اللازمة لحل مشكلة اللاجئين، فهي على النحو التالي:
مكونات التكلفة
حسب الدراسة الصهيونية يشمل حل مشكلة اللاجئين عناصر مختلفة، يتم تقييم كل منها بشكل مختلف عن الآخر ويتراوح إجمالي التكلفة بين 55 مليار دولار و 85 مليار دولار وهنا فجوة هائلة تبلغ حوالي 30 مليار دولار بين التقديرات.
تنقسم المجموعات الأساسية إلى مجموعتين رئيسيتين: مجموعة "الحل" ومجموعة "التعويض".
مجموعة "الحل":
تشير هذه المجموعة إلى جميع التكاليف المرتبطة بالحل المقدم للاجئين كجزء من وضعهم الحالي، سواء كان ذلك استيعاب أولئك الذين يسعون إلى الاستقرار في دولة فلسطين أو إعادة تأهيل وضع الذين يقررون البقاء في بلدان إقامتهم، وهناك أيضا تكلفة التعويض وإعادة التأهيل لأولئك الذين يقررون الهجرة إلى بلد ثالث.
تكاليف "الحل": من بين أمور أخرى، بناء المباني السكنية، وبناء الهياكل الأساسية المادية (الطرق والكهرباء، الصرف الصحي) وإنشاء وتحسين البنية التحتية المجتمعية (المدارس ورياض الأطفال والمراكز المجتمعية، الخدمات الاجتماعية والمستشفيات والعيادات، إلخ. بالإضافة إلى ذلك، تشمل مجموعة "الحل" جميع التكاليف المترتبة على إعادة تأهيل وتطوير البنى التحتية المادية والمجتمعية في المخيمات في الضفة الغربية وغزة والدول التي يقيم فيها اللاجئون حاليًا.
مجموعة "التعويض":
تتعلق هذه المجموعة بجميع التكاليف التي ينطوي عليها التعويض لأسر اللاجئين بسبب تحويلهم إلى لاجئين، من التعويض عن المعاناة إلى تعويض للاجئين عن الممتلكات المصادرة أو المفقودة.
تكلفة مجموعة "الحل": حسب تقييم البنك الدولي في دراسة عن قضية اللاجئين أجراها كرافت نيك وإلوان آن في عام 2007 شملت على تقدير تكلفة مكونات مجموعة "الحلول" في الفترة 2001-2002 قدمت الدراسة تقديرا لتكاليف مجموعتين فرعيتين: المجموعة الفرعية التي عادت إلى فلسطين ومجموعة من بقوا في بلدان إقامتهم.
الفرق الأكثر أهمية في التكاليف بين طرق التقييم المختلفة يتعلق بتكلفة إعادة التأهيل للاجئين الذين يعيشون بالفعل في فلسطين. وفقًا للبنك الدولي، تكلفة إعادة التأهيل للشخص الواحد في مخيمات اللاجئين هي 520 دولار. أما وفقا لمجموعة إيكس، التكلفة تقدر إعادة التأهيل بـ 3000 دولار للشخص الواحد، لكنها في هذه الحالة خارج التأهيل إلى مخيمات اللاجئين.
يوضح التقييم الوارد أن التكلفة الإجمالية لتنظيم مكون "الحل" آخذة في التحرك بين 19 مليار دولار في سيناريو انخفاض التكاليف إلى حوالي 34 مليار دولار في سيناريو التكلفة القصوى.
أما مجموعة االتعويض لأولئك الذين هم خارج فلسطين فيقدر المبلغ الكلي 100 مليار دولار بواقع حوالي 10.000 دولار لكل أسرة .
وفقًا لخبراء من مجموعة Aix، سيتم منح التعويض عن المعاناة لكل لاجئ بمبلغ 4000 دولار، وبالتالي فإن التكلفة الإجمالية لهذا المكون سيبلغ حوالي 22 مليار دولار، وسيتم دفعها من صندوق منفصل سيتم تخصيصه فقط لهذا التعويض، وسيأتي التعويض عن العقارات من صناديق أخرى. كذلك، وفقا لكثير من الخبراء، فإن عنصر التعويض عن المعاناة، على الرغم من أهميته الكبيرة، سيكون أكثر مراوغة ويخضع للتفسير والحجج والفجوات الكبيرة بين الطرفين.
التعويض عن الأراضي/الأصول العقارية:
تضع الدراسة الصهيونية حقوق اللاجئين الفلسطينيين هنا في مواجهة ما يزعم أنه حقوق "اللاجئين اليهود"، عموما فإن القيمة الأصلية لعقار اللاجئين تتراوح ما بين عشرات الملايين من الدولارات، وفقا لحارس أملاك الغائبين الصهيوني منذ عام 1950، ومليارات الدولارات حسب تقييم جامعة الدول العربية (تقيم 1956) وتقييم اللجنة العربية العليا التي مثلت مختلف الحركات الفلسطينية.
بالإضافة إلى القيمة الأصلية للأرض والعقارات، تنشأ أيضًا مسألة حساب القيمة الحالية لهذه الخاصية كأساس للتعويض، هنا أيضا، الجانبين منقسمان حول طرق الحساب المختلفة، وهذه تؤدي إلى تقييمات مختلفة إلى حد كبير، حسب الحساب للأصول التي تم تعيينها بواسطة القسم الفني في UNCCP في عام 1964 وصلت إلى حوالي عشرة مليارات دولار، وفقًا للحساب الفلسطيني، فإن هذه القيم تتحرك بين 44 مليار دولار و 60 مليار دولار.
بعيدا عن سيل الأرقام التي تورده الدراسة الصهيونية، إلا أن هناك مفارقة أخرى في هذه الورقة، حيث يدعوا واضعوها إلى "استلهام" التجربة "الإسرائيلية" في استيعاب اللاجئين وتطبيقها في الدولة الفلسطينية الموعودة، حيث استوعب الكيان هجرات عديدة من ملايين اليهود، وقام ببناء مدن كبيرة في النهاية حلت المشكلة، ويتجاهل انتص الصهيوني بوقاحة أن استيعاب هؤلاء اليهود جاء على حساب أراضي اللاجئين الفلسطينيين الذين يقترح الآن تعويضهم عن أرضهم ببضعة آلاف من الدولارات، وطبعا ندرك أن هذه وقاحة المحتل، القائمة أصلا على انكار قضية اللاجئين والتعامل معها هنا يتم كما ذكرنا بداية انطلاقا من فهم أنها مشكلة إنسانية تتحول إلى إزعاج أمني يجب التخلص منه، ناهيك أيضا عن أن استيعاب اليهود على الأرض الفلسطينية وفي بيوت اللاجئين، تم باستغلال ونهب موارد الفلسطينيين الطبيعية، التي لا يتطرق إليها الحديث عن التعويضات، بل أيضا يتم اقتراح استيعابهم في دولة فلسطينية مزعومة منهوبة الموارد أيضا.
خاتمة:
رغم التقارب بين ما يطرح في صفقة القرن والتصور الصهيوني، إلى أن التشابك يتركز في نقطتين: إنكار حق اللاجئين وقضيتهم، والتركيز على الحل الاقتصادي جوهريا.
ولكن الفراق بين التصورين يتركز في أنه لا يبدو أن مشروع ترامب يحتوي على أي نوع من دولة فلسطينية تسمح بعيش الفلسطينيين الحاليين هناك ناهيك عن استيعاب اللاجئين. ومن ثم فإن هذا المشروع الصهيوني، وبدون الخوض في التفاصيل الدقيقة التي يتناولها، وعلى الصلف الذي يصدر عنه، إلا أن السياسات الأمريكية الحالية المعلنة حول قضية اللاجئين تظهر أنها أكثر صلفا وعنجهية، وهي حتى لا تتعامل مع القضايا الرمزية التي يبدو أن باحثي معهد الأمن القومي الصهيوني يقبلون بالتعامل معها.
من الواضح أن الأمريكان والصهاينة يدركون أن اللاجئين هم بالذات العقبة الكأداء أمام التسوية وإنهم يقفون كسد منيع أمام الاستسلام السياسي الفلسطيني سواء موضوعيا أو ذاتيا، وبالتالي لا يوفر العدو الأمريكي والصهيوني وسيلة ليس لإنكار هذه القضية، بل لتصفيتها تماما بحلول تتراوح بين المرونة الشكلية المزروعة بالسم وبين الجلف والرفض المطلق.
والسؤال الذي يطرح فلسطينيا، ما الذي تفعله منظمة التحرير الفلسطينية، أو ما تبقى منها والفصائل الفلسطينية والنخب، لإعادة تنظيم وتعبئة هذا الجيش العظيم، والذي كما هو واضح لن تمر التسوية رغما عنه ولايمكن أبدا بحال من الأحوال تحقيق انتصار بدونهم؟
على كل تكاد السياسة الفلسطينية بفجور المستسلم تتبع نهج العدو في التتكر اللاجئين وحقوقهم وكانت البداية في اتفاقية أوسلو سيئة الصيت والسمعة، فهل تكون "صفعة القرن" إيذانا بصحوة تعيد اصطفاف الفلسطينيين جميعا في خندق مشروع وطني يجمعهم على صعيد واحد ويحقق انتصارهم يوما ما؟