لم يتبقَّ إلّا بضع ساعاتٍ لتقديم القوائم النهائية للجنة الانتخابات المركزية في إسرائيل، وفي هذه المرحلة تُجرِي بالعادة مراكز الأبحاث والدراسات استطلاعات رأي لمعرفة تقديرية للنتائج النهائية للانتخابات. وقد جاءت كل نتائج استطلاعات الرأي التي جرت في الأيام الأخيرة لتؤكد على أنّ أيًّا من معسكريْ "اليمين" من جانب، وأحزاب "الوسط واليسار" من جانب آخر، القدرة علي تشكيل حكومة بشكل منفرد، وهذا السبب الذي قاد ولأول مرة في تاريخ إسرائيل إعادة الانتخابات دون تشكيل حكومة، فنتائج الانتخابات الأخيرة لم تعطِ أيَّ معسكرٍ عدد 61 مقعد، وهو الحد الأدنى لتشكيل الحكومة ونيل الثقة في تصويت الكنيست.
نتائج الاستطلاعات تؤكد أن حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة "أفيغدور ليبرمان" هو العامل الحاسم في تشكيل أي حكومة يمينية في إسرائيل، فليبرمان ينتمي سياسيًا وأيديولوجيًا إلى معسكر اليمين العلماني الوطني، وقد أوصي رئيس الدولة بعد الانتخابات الأخيرة بتكليف نتنياهو لتشكيل الحكومة، لكنّ لم تنجح المفاوضات الائتلافية نتيجة للهوة الواسعة بين حزب ليبرمان من جانب، والأحزاب الدينية: حركة شاس وحزب ايهوديت هتوراه من جانب آخر، حول قضايا الدين والدولة، فليبرمان يقف علي الجانب الآخر من المتراس، مع هذه الأحزاب التي كما يدعي ليبرمان أنها تريد تحويل الدولة إلي دولة دينية. وتَجلّى الخلاف بين الطرفين حول قانون التجنيد الذي قدمه ليبرمان والمتضمن ضرورة أن ينخرط الشباب المتدينين في صفوف الجيش الإسرائيلي، وهذا الذي ترفضه الأحزاب الدينية انطلاقًا من دواعٍ توراتية وشرعية.
ليبرمان الذي يمثل اليهود الروس، وهم في غالبيتهم علمانيين ولا يهتمون بالشعائر الدينية يثق بأن إصراره علي موقفه العلماني لن يتأثر سلبيًا بإعادة الانتخابات، فاليهود الروس يمثلون كتلة بشرية تعيش نمطًا خاصًا في داخل المجتمع الإسرائيلي، ولم تذُبْ هذه الجماعة في إطار المجتمع الإسرائيلي بل حافظت على خصوصيّتها العرقية والثقافية، ليبرمان أصرّ على موقفه بخصوص قانون التجنيد وكان ينتظر من نتنياهو زعيم حزب الليكود أن يقف في المنتصف بين الموقفين، لكن كانت المفاجأة بالنسبة إلى ليبرمان أن نتنياهو انحاز إلى الأحزاب الدينية وخرج هو وأعضاء الكنيست من حزبه بتوجيه الانتقادات اللاذعة لموقف ليبرمان وحمّلوه مسؤولية فشل اليمين في تشكيل الحكومة، موقف نتنياهو لن يثني ليبرمان من الذهاب بعيدًا ولم يخَفْ التهديدَ بالذهاب إلى انتخاباتٍ جديدة، وصوت على حلّ الكنيست نتيجة ثقته بجمهوره الروسي العلماني وبعض اليمينيين العلمانيين.
ليبرمان وكرد فعل على مواقف نتنياهو، وفي حملته الانتخابية الحالية، صرح بأنه لن يوصي رئيس الدولة على نتنياهو لتشكيل الحكومة، وهذا تراجعٌ واضحٌ عن موقفه في الانتخابات الأخيرة، وقال بأنه سيوصي رئيس الدوله بأن يكلف رئيس أكبر حزب يحصل على عدد مقاعد في الانتخابات، ويدعو أيضًا إلى أن المخرج الوحيد لأزمة تشكيل الحكومة هو الذهاب لمفاوضات تشكيل حكومة وحدة وطنية علمانية، ترتكز على حزبي الليكود وحزب "أزرق- أبيض" بزعامة "بل جنتس"، وانضمام كل الأحزاب العلمانية، من اليمين والوسط، واستبعاد الأحزاب الدينية، التي من وجهة نظر ليبرمان، أحزابٌ تنهب خزينة الدولة دون أن تقدم الواجبات الوطنية للدولة كالخدمة في الجيش.
تقريبًا لم تتغير كثيرًا الخارطة الحزبية في إسرائيل، باستثناء عودة "إيهود براك" إلى الحياة السياسية التي خرج منها، وأعلن أن عودته جاءت بسبب الخوف علي الدولة من نتنياهو الفاسد الذي يريد أن يدمر المؤسسة الفضائية، من خلال تغيير قوانين صلاحيات المحكمة العليا والنيابة العامة، حتي يتهرب من ملفات الفساد التي تواجهه أمام القضاء.
بَراك عاد من خلال تشكيل حزب جديد أطلق عليه اسم إسرائيل الديمقراطية، وانضمّ إليه نائب رئيس الأركان السابق "يائير جولان"، وعددٌ من الشخصيات الأمنية وبعض الشخصيات المعروفة بانخراطها في الحياة الاجتماعية.
حزب براك الجديد آثار الخوف والهلع لدي أحزاب الوسط واليسار، أكثر مما آثارها في أوساط أحزاب اليمين، على اعتبار أن بَراك يرفع شعارات تنتقد اليمين سياسيًا وأمنيًا، وبذلك اطمأنت أحزاب اليمين بأن براك لن يستطيع أن يأخذ أصواتًا من قواعدها الانتخابية.
الاستطلاعات الأولية أعطت براك أربع مقاعد وبذلك يكون تجاوز نسبة الحسم ونفس الاستطلاعات أكدت أن مقاعد براك جاءت علي حساب أحزاب يمين الوسط، أزرق- أبيض وحزب العمل وميرتس، براك وللحفاظ على أصوات معسكر الوسط واليسار طالب هذه الأحزاب بتشكيل كتلة انتخابية موحدة لمواجهة اليمين، ولعدم ضياع أصواتٍ في حال عدم وصول أي حزب إلي نسبة الحسم.
حزب أزرق- أبيض نأى بنفسه عن أيّة علاقة مع براك، وكأنه لم يسمعه بخصوص تشكيل كتلة انتخابية موحدة، وكذلك فعل عمير بيرتس زعيم حزب العمل. وذهب أكثر من ذلك، إلى تشكيل قائمة انتخابية مشتركة مع حزب "جيشر " اليميني، الذي تتزعمه "أبوكسيس"، ابنة دافيد ليفي، الليكودي السابق ومؤسس "جيشر"، هذا الائتلاف لم يُبقِ لبراك إلا حزب ميرتس الذي خاف إذا ما خاض الانتخابات منفردًا ألا يتجاوز نسبة الحسم، وذهب إلى تشكيل كتلة برلمانية مع حزب براك، الذي استطاع أن يستقطب أحد أهم شخصيات حزب العمل، الشابة: "سمينترتش" التي جاء انسحابها من حزب العمل وانضمامها للكتلة الجديدة ضربة موجعة لحزب العمل.
في كل الأحوال، الانتخابات الحالية لن تمكن أيّا من المعسكرين من تشكيل حكومة بشكل منفرد، ومن المتوقع أن يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية لكن يبقى مستقبل نتيناهو هو أحد أهم إفرازات الانتخابات القادمة، على اعتبار أن فشله في تشكيل حكومة يمينية يعني نهاية حياته السياسة، لأن أحزاب الوسط واليسار لن تقبل بوجود نتنياهو علي رأس حزب الليكود في أي شراكة محتملة، على اعتبار أنه شخصٌ فاسدٌ ويجب أن يقدم للمحكمة، وهذا المطلب سيكون سهلًا على قادة حزب الليكود للتخلص من نتنياهو وسيكون الضحية لفشل الليكود واليمين.