Menu

السفارة بلا عمارة!

هاني حبيب

الجهود الإسرائيلية الرامية إلى اقناع المزيد من الدول بنقل سفاراتها إلى القدس المحتلة، أسوةً بالقرار الأمريكي بهذا الشأن، هذه الجهود ستتواصل من وقتٍ إلى آخر، هناك دولة ما، إما أن تقوم بنقل سفارتها إلى القدس المحتلة أو على الأقل تبحث هذا الأمر، وإذا كان القرار الأمريكي بهذا الشأن يعتبر قرارًا يعكس مجموعة تحولات في السياسة الأمريكية إزاء الصراع العربي- الإسرائيلي، وهو بهذا المعنى يعتبر قرارًا تاريخيًا، فإن هناك قرارًا تاريخيًا آخرًا لا يقل أهمية عن القرار الأمريكي، وهو القرار الذي اتخذته مؤخرًا جمهورية "ناورو" بنقل سفارتها إلى القدس المحتلة، هذا القرار تاريخي بامتياز كونه يشير إلى مدى العبث في الميدان السياسي، ذلك أن هذه الجمهورية ذات الجزر الصغيرة المتفرقة في أسفل المحيط الهادي، لا يبلغ عدد سكانها إلا أقل من عشرة آلاف، وهم بالكاد يكْفُون لشغلِ بعثات دبلوماسية حول العالم فيما لو قررت ذلك. الأهم من كل هذا أن هذه الجمهورية ليس لها بالأصل سفارة في إسرائيل بل لديها قنصل شرف ليس له محل إقامة، نظرًا لعدم وجود مقر لهذه السفارة المزعومة هناك، وربّما يتزايد هذا العبث السياسي والدبلوماسي، لو أن هذه الجمهورية نقلت سفارتها الموهومة إلى القدس من اللّامكان، تحت أضواء وسائل الإعلام، لا لشيء إلا لكي يسجل نتنياهو إضافة جديدة لإنجازاته فيما تقترب ساعة الانتخابات البرلمانية!

بعض الدول أكثر ذكاءً في التحايل على الجهد الإسرائيلي والصمت العربي حول نقل سفاراتها إلى القدس المحتلة، هذه هي هندوراس التي قررت في السابق تحت الضغوط الإسرائيلية والأمريكية، افتتاح مكتب تجاري لها في القدس المحتلة، ثم تقرر أن يتحول إلى مكتب دبلوماسي، وهو بلا تعريف دبلوماسي أو سياسي لكنه شكلاً من أشكال العبث السياسي، أما البراغواي، فلها قصة مختلفة، إذ أقدم رئيسها السابق على نقل سفارة بلاده إلى القدس، الرئيس الجديد ماريو عبده، قرر إعادة السفارة إلى تل أبيب، وبينما وعد الرئيس البرازيلي الجديد جايير بولسونارو بنقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة، وسط ترحيب إسرائيلي شامل، فإنه لم يتمكن من تنفيذ هذا التعهد رغم كونه نسخة يمينية متطرفة عن الرئيس الأمريكي ترامب.

بين المستوى السياسي والآخر التجاري لفتح مكتب لهندوراس في القدس المحتلة، قصة صفقة تجارية معلنة، ففي اجتماع ثلاثي بين بنيامين نتنياهو ورئيس هندوراس ووزير الخارجية الأمريكي، خلال حفل تنصيب بولسونارو رئيسًا للبرازيل، اشترط الرئيس الهندوراوسي فتح سفارة إسرائيلية لدى بلاده، واستيراد إسرائيل منها، وقيام الولايات المتحدة بإلغاء قرار سابق بتقليص التحويلات المالية بذريعة الهجرة، ولم تكتفي هندوراس بفتح مكتب لها في القدس المحتلة، بل أنها ستصوّت لصالح إسرائيل في الجمعية العامة والمنظمات الدولية.

وبينما يتم عقد صفقات ذات طبيعة مالية وتجارية، لحث الدول على نقل سفاراتها إلى القدس المحتلة، تأخرت المنظومة العربية رغم كل امكانياتها التجارية والمالية، عن إدانة هذه التحركات من دون أن تستثمر قدراتها المالية والتجارية لصالح منع هذه الدول في نقل سفاراتها إلى القدس المحتلة.