أصدرت جامعة الدول العربية بيان بشأن ليبيا بناء على طلب مصري، أكدت فيه على أهمية الحل السياسي للأزمة الليبية والالتزام بوحدة وسيادة أراضيها. ورفض كافة التدخلات الأجنبية "غير المشروعة".
ورغم وضوح القرار فيما يتعلق برفض التدخلات الأجنبية فإنه حمل الكثير من الغموض في تحديد جهات التدخل غير المشروع، ولم يتناول القرار من قريب أو بعيد خلفيات وجذور التدخل الخارجي في ليبيا والتي ساهم في التأسيس لها مواقف سابقة من الجامعة، أعطت الضوء للتدخل الغربي الذي قام به حلف الناتو بذريعة الاطاحة بالحاكم السابق للبلاد معمر القذافي.
ومنذ بداية الحملة العسكرية على ليبيا بذريعة توفير الحماية للشعب الليبي والاطاحة بالنظام القائم آنذاك، لم تعرف البلاد طريقها للاستقرار، وتورطت قوى إقليمية ودولية عدة بأشكال من التدخل في ليبيا ساهمت في تسعير الحرب في البلاد الغنية بالنفط، وتحولت ليبيا منذاك الحين لمسرح للصراع بين مليشيات متصارعة تتخذ واجهات سياسية متعددة أبرز أقطابها حكومة الوفاق الوطني بزعامة فؤاد السراج في طرابلس، والبرلمان الليبي الذي أفرز الحكومة المؤقتة في طبرق.
وقد أدى هذا الصراع لنوع من تقسيم البلاد لمنطقتي نفوذ رئيسيتين، تضم الأولى شرقي البلاد ومناطق من جنوبها وتسيطر عليها قوات تتبع المشير خليفة حفتر، فيما تسيطر حكومة الوفاق على معظم المناطق غربي البلاد بما في ذلك العاصمة طرابلس.
وبعد شهور عدة من إعلان المشير خليفة حفتر حملته للسيطرة على طرابلس، جاء التدخل العسكري التركي ليزيد من تعقيدات الصراع في البلاد، التي باتت أيضا مسرح لتدخلات وعمليات أمنية غربية معلنة وغير معلنة.
تعززت مخاوف دول الجوار وخصوصا مصر، من التطورات الحاصلة في ليبيا بعد التدخل التركي، وامكانيات وصول النزاع لحدودها، أو سيطرة قوى مناوئة لها على المشهد الليبي بأكمله خصوصا في ضوء وقوع هذه القوى في دوائر النفوذ التركي والغربي، وهو ما بات عنوان لموقف مصري يتحرك في اتجاهات عدة، شملت التلويح بتدخل عسكري مصري في ليبيا، بجانب لجوئها لجامعة الدول العربية التي فشلت في تحقيق إجماع على قرارها الأخير.
فقد تحفظت على فقرات في القرار كل من قطر و تونس والصومال وحكومة الوفاق الليبية التي لا زالت تحظى بمقعد تمثيل ليبيا في جامعة الدول العربية.
غياب الموقف العربي الموحد فيما يتعلق بليبيا، فتح المجال لتعميق الهيمنة الخارجية على شأن البلاد، وساهم في تكريس حالة من حرب الوكالة تتم في إطار صراعات النفوذ الدولية والاقليمية، ومساعي السيطرة على الثروة النفطية الليبية والاستمرار في حرمان الشعب الليبي من موارده، وحسبما يرى العديد من المتابعين تبدو الالتفاتة المتأخرة للأمن القومي العربي فيما يتعلق بليبيا، تحتاج لما هو أكثر من القلق بشأن تطورات الصراع بين أطراف الأزمة، باتجاه بناء رؤية عربية واضحة ومشتركة لمستقبل ليبيا، تضمن سيطرة شعبها على موارده وعزل أي تعاون عربي مع أشكال التدخل الخارجي، ومحاصرة هذا التدخل والعمل على اخراجه من التأثير في المعادلة الليبية.