أربعة أركان الأرض تعيش وتموت تحت جائحة كورونا؛ أرقام الإصابات والضحايا والوفيات في تزايد مستمر، لكنها تظل محصورة في طفرة زمنية محددة، والسؤال هنا: ماذا عن الأوبئة التي من صنع الإنسان التي يذهب ضحيتها الملايين من البشر وعلى طفرات متتالية من الصعب الحد منها أو مراقبتها أو حتى البحث عن لقاحات أو علاجات لها؟ ماذا عن وباء السمنة الزائدة وما يؤدي إليه من هلاك الملايين حول العالم ببطء ولكن بشكل مستمر كل الوقت وطوال الأيام؟ هذا الوباء من صنع الإنسان، والإنسان الأمريكي تحديداً الذي ابتدع نظام الغذاء بالوجبات السريعة وتصدير هذا النظام إلى كل العالم بحيث أصبح نظاماً دولياً للغذاء.
وماذا عن وباء التدخين حيث يحضرنا ونحن نعيش مرحلة الكورونا إعلان إحدى شركات التبغ الأمريكية من إنتاج لقاح كورونا؟ وكأن شركات إنتاج التبغ التي صنعت وباء التدخين وحولته إلى شكل من أشكال الإدمان العالمي، تحاول الرد على اتهامات دولية لها بنشر وباء تعاطي التدخين بأشكاله المختلفة حول العالم. كيف تفشى وباء التدخين حول العالم؟
قبل عدة عقود ظهرت إعلانات ترويجية لسجائر مالبورو، خاصة بعد اختراع لا مثيل له في سياق تعاطي التدخين وهو اختراع الفلترة، حيث كان هناك إعلاناً رومانسياً قام به "روبرت نوريس" بارتداء ملابس رعاة البقر وقبعاتهم التقليدية، ويتنقل في البراري على ظهر حصانه، بينما السيجارة ذات الفلترة تتدلى من فمه، هذا الإعلان مثّل صيحة في عالم الإعلانات في ذلك الوقت، إضافة إلى تأثيره المباشر على الكبار والصغار لتشجيهم على تعاطي التدخين واجتذب المراهقين من الشباب والشابات والنساء، مما شكل طوراً جديداً في عالم التدخين؛ انطلاقاً من هذا الإعلان الذي يفصل بين التدخين العادي والتدخين كإدمان، وقد تمثل هذا الطور من قبل شركات سينما هوليود، حيث كنّا نشاهد نجوم ونجمات السينما في معظم المشاهد وهم يدخنون، بينما كانت يافطات إعلانات السجائر تشكل خلفية مصطنعة في ديكورات المشاهدة السينمائية كإعلانات غير مباشرة، لكنها شديدة التأثير.
أثناء الحرب الباردة، تم الترويج لصناعة الإعلان للتدخين كرمز لوفرة الاستهلاك الذي يحققها النظام الرأسمالي، في حين تضمنت "خطة مارشال" الأمريكية لإعادة ما دمرته الحرب العالمية الثانية لأوروبا تخصيص قروض لشراء التبغ الأمريكي، كما أنّ إعانات أميركا لمختلف دول العالم وفقاً للقانون العام رقم 480 يتضمن في إطار برنامج "الأغذية من أجل السلام" لجنوب شرق آسيا وأمريكا الاتينية والشرق الأوسط، وضعاً مميزاً للتبغ، كجزء من المواد الغذائية ما عزز فتح أسواق لتصدير السلع الأمريكية وأهمها التبغ.
وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، أنّ التدخين ما زال يودي بحياة أكثر من ثمانية ملايين شخص سنوياً، في وقت تتطور فيه صناعة التبغ مع تطوّر تدخين السجائر الإلكترونية.
خيّال إعلان مالبورو وبطله الأسطوري توفى العام الماضي، ومع أنه روّج لتعاطي التدخين، إلاّ أنّ بطل الإعلان لم يدخن سيجارة واحدة طوال حياته التي انتهت العام الماضي عن تسعين عاماً.