Menu

تقريرصيّادو غزّة يغرقون في الأزمات: فيروس فتّاك وبحر مغلق

فادي الشافعي

صورة تعبيرية

خاص بوابة الهدف

"بيني وبين كورونا بيتان" يقول الصيّاد الغزّي مفلح أبو ريالة (43 عامًا) ويقطن في شمال مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين، ويتابع واصفًا حالة القلق التي تسود في المخيم المقابل لشاطئ مدينة غزة: البحر قبالنا ومش قادرين ننزل.. والشارع قبالنا وكمان مش قادرين نطلع". يصف بهذا ما آلت إليه الظروف في قطاع غزة المحاصر منذ 14 عامًا، وتفاقمت أزماته مؤخرًا مع الإعلان عن تفشي الفيروس التاجي (كوفيد 19) في غالبية محافظاته من الشمال وحتى الجنوب.

وأعلنت وزارة الداخلية بغزة، في مؤتمر صحفي، حظر التجول بشكل كامل، منذ 24 أغسطس/ آب الماضي؛ بعد اكتشاف إصابات بفيروس كورونا المستجد خارج مراكز الحجر الصحي، لأول مرة في الشريط الساحلي المُحاصر، ومع تزايد عدد الإصابات جددت الوزارة تمديده حظر التجوّل ليتحول إلى اغلاق كامل، وما زال ساريًا حتى اللحظة.

حظر التجوال فاقم الأزمات المعيشية لسكان قطاع غزة؛ إذ بات- بالإضافة إلى الفقراء ومحدودي الدخل- آلاف العمال الذين يكتسبون قوتهم من الأعمال اليومية، المرتبطة بالمؤسسات والمنشآت التي أُغلقت بسبب حالة الطوارئ ومنع التجوال، باتوا بدون مصدر دخل يؤمّن لهم الحدود الدنيا من احتياجاتهم واحتياجات عائلاتهم الأساسية.

تفشي الفيروس أوقع الصيادين في غزة تحت نير أزمة مركّبة، فما زالوا ممنوعين من دخول البحر ،منذ أن أغلقت قوات الاحتلال الصهيوني البحر في وجوههم، وفقد حوالي 5 آلاف صيّاد مصدر دخلهم اليومي، فغالبية هؤلاء يعتاشون من "خير البحر" يومًا بيومٍ، في وقت يتعرض له قطاع صيد الأسماك أصلًا لعملية تدمير ممنهجة من قبل البحرية الصهيونية، بدأت منذ عام 2000م وارتفعت وتيريتها في عام 2006م وما زالت مستمرة حتى اللحظة.

تتنوع الانتهاكات الصهيونية بحق الصيادين إذ تتمثّل في أنماط رئيسية: هي تقييد مساحة الصيد المسموح العمل فيها للصيادين، وإطلاق النار صوبهم أثناء تواجدهم على متن مراكبهم في عرض البحر، وملاحقة الصيادين ومراكبهم في عرض البحر، واعتقالهم، وليس آخر هذه الانتهاكات إغلاقُ البحر بشكلٍ كاملٍ، قبل نحو أسبوعين، ضمن جملة إجراءات اتخذها الاحتلال خلال جولة تصعيد عدوانه ضد القطاع، مؤخرًا.

يقول مسؤول لجان الصيادين في اتحاد لجان العمل الزراعي بغزة زكريا بكر، للهدف، إن عملية التدمير الممنهج هذه أدت إلى انخفاض متوسط دخل الصياد من 1500 شيكل إلى 500 شيكل شهريًا؛ ويبسّط هذا بالإشارة إلى أنّ "يومية الصيّاد باتت تتراوح بين 15 إلى 20 شيكل يوميًا، مؤكدًا أن قيمة الدخل اليومي المنخفض هذه بالكاد تسد جوع عائلاتهم!".

هكذا تبدو ظروف الصيادين الاقتصادية قبل تفشي فيروس كورونا وتطبيق السلطات في غزة لسلسلة من الاجراءات المشددة، في محاولة منها للسيطرة على الوباء الفتّاك الذي تأخر وصوله إلى غزة 8 أشهر، ليس بفعل نباهة الحكومة وحسب بل بفعل عزل غزة جغرافيًا عن خارطة العالم، منذ 14 عامًا بالحصار الصهيوني الذي فتك هو الآخر بمليوني غزّيٍّ، وأوقعهم فريسة لسلسلة متتالية من الأزمات المركبة والمعقدة، أردت العائلات فقيرةً والشبانَ عاطلين عن العمل، والمرضى ينشدون العلاج.

يقول الصيّاد مفلح للهدف "لو أنّ الفيروس احتلال لخرجتُ حالًا لأتحداه"، كما اعتدنا أن نفعل لسنوات، بالتصدي لقمع ورصاص البحرية الصهيونية، التي صارت مطاردتها لنا روتينًا يوميًا، لم نعد نخشاه.. فنحن نريد انتزاع قوت أبنائنا ولو من فم السبع"، ويتابع الصياد "أما هذا الفيروس وما تبعه من إغلاقٍ وحظر تجوّل، هو تحدٍ جديد أمام الصيادين، وليس لدينا أية تجارب في مجابهته بعد!".

ويسكن مفلح أبو ريالة مع عائلته الممتدة، التي يصل عدد أفرادها إلى نحو (65) فردًا، في بناية سكنية متواضعة تقع على أطراف مخيم الشاطئ، يعيش هو وأسرته المكونة من (7) أفرد في أحد طوابقها، الذي لا تزيد مساحته عن (144) مترًا.

يتابع، مشاكلنا السابقة أصبحت لا تذكر أمام هذه المشكلة الجديدة، فقد منعنا الاحتلال منذ 16 يومًا من الدخول إلى البحر، لكننا كنّا ننزل إليه عنوة، ورغم ملاحقتنا من المراكب الاسرائيلية، كُنا نستطيع الحصول ولو على القليل من قوت يومنا، إن لم نبِع ما اصتدنا، وحصلنا على المال، نعود به إلى بيوتنا فيسد جوع أبنائنا.. أما هذه الأيام فتحولنا إلى أكل البقوليات أنا وعائلتي إلى أن نتجاوز الأزمة وما تبعها من تردٍ في أوضاعنا المعيشية.

ويبقى التخوّف الأكبر بالنسبة لمفلح، وغيره من الصيادين، من استمرار الإغلاق لفترة طويلة، حينها لن يكونوا قادرين على الحصول على الطعام ولا المال، كما قال.

وحذرت مراكز حقوقية، في وقت سابق، من "تدهور كارثي في الأوضاع المعيشية لسكان قطاع غزة، الذي يرزح تحت وطأة الحصار، في حال استمر منع التجوال لفترة طويلة من دون إيجاد آليات لحماية الفقراء والعاطلين عن العمل وعمال المياومة، ودعم محدودي الدخل الذين فقدوا مصادر دخلهم بسبب حالة الطوارئ، ومنع التجوال".

ويرى مراقبون ومختصون بالشأن الاقتصادي في غزة أنه من المبكر الحديث عن الخسائر التي ستنتج عن الإغلاق، لكن من المؤكد أن الضرر الأكبر سيقع على الفئات الهشة اقتصاديًا العمّال بكل أطيافهم، وخاصة عمّال المياومة، وتعكس الضررَ الواقع على صيادي غزة هذه الصورةُ القاتمة.

في هذا السياق، قال مدير العلاقات العامة والإعلام في غرفة تجارة وصناعة غزة، ماهر الطبّاع، في حديثه للهدف إنه "لا تخفى على أحد ماهية آثار الإغلاق الكامل على الاقتصاد، فتجربة العالم في مواجهة فيروس كورونا تعكس ذلك بوضوح، فما بالك كيف سينعكس هذا الاغلاق على اقتصاد متهالك أصلًا، كاقتصاد غزة؟!" مؤكدًا على ضرورة أن تأخذ السلطات بعين الاعتبار الآثار الكارثية التي يمكن أن يؤدي إليها الاغلاق الكامل مطالبًا بضرورة صرف مساعدات إلى كل القطاعات المتضررة، وخاصة عمّال المياومة من سائقين وغيرهم، وأصحاب المشاريع الصغيرة، وكذلك الصيادين.

واتفق معه الدكتور في الاقتصاد، بسّام وشاح، الذي تحدّث للهدف قائلًا "من المبكر إحصاء الخسائر الحقيقية المترتبة على سريان حظر التجوال، إلا أنّ إرهاصات ما قد ينتج عن استمرار الإغلاق تلوح في الأفق، وتظهر جليًا الآن في القطاع السياحي على وجه الخصوص، الذي أضرّ إغلاقه بحوالي 500 منشأة وأفقد 7 آلاف عامل مصدر دخلهم اليومي.

إنّ استمرار الاغلاق في قطاع غزة المحاصر دون خلق فرص بديلة ومساعدات اقتصادية عاجلة وفورية للفئات المكشوفة والهشة– التي ستكون بالضرورة الأكثر تضررًا- من شأنه أن يوقع هذه الفئات بين فكي كمّاشة: فمن سيكتب له النجاة من الفيروس الفتّاك، سيقع فريسةً للفقر المدقع. وصيادو غزة خيرُ مثال على هذا.