تشكّل المناظرة الأولى بين مرشحي الانتخابات الرئاسيّة في الولايات المتحدة -على هزليتها- فرصة للمتابع العربي لاستذكار حقائق مهمة حول طبيعة السياسة الأمريكية وعمليات صناعتها، وبالأخص هامشية دور الانتخابات الأمريكية في تحديد هذه السياسات، فيما يتعلّق بالقضية الفلسطينية والحقوق العربية.
ورغم فجاجة ترامب ووقاحته الشخصية التي تجعله يقف كشاخص لاتهامه بموبيقات السياسة الأمريكية الإمبريالية برمتها، إلّا أنّ النظر لعمق التوجهات الأمريكية الخاصة بالقضايا العربية والقضية الفلسطينية خصوصًا، يدفع للإدراك بأن دونالد ترامب بشخصه وإداراته، لم يشكل إلّا الوعاء الذي حمل توجهات سياسية مختمرة لدى المؤسسات الأساسية في عملية صنع القرار الأمريكي؛ حول الشرق الأوسط وحول القضية الفلسطينية بالذات.
وكذلك إن النظر في الفوارق بين رؤية فريق المرشح جو بايدن والحزب الديموقراطي، فيما يتعلق بالسياسة تجاه القضية الفلسطينية، وإلى جوهر الخلاف بين الفريقين حول هذا الملف، هو مدعاة لنحذر من بايدن، كما نحذر من ترامب أو أشد؛ فمرشح الحزب الديموقراطي لا يخفي أنه يتحرّك وفق ما يراه مصلحة للكيان (العدو) الصهيوني، وإن كان يسجل بعض نقاط الاختلاف في رؤيته لهذه المصلحة عن دونالد ترامب؛ فالكثير من الحقائق الأخرى المعلومة، والتجارب التاريخية والوقائع الشاهدة على طبيعة السياسات الأمريكية ووحدتها في العداء لحقوق الشعوب العربية، والشعب الفلسطيني خصوصًا، وفي الشراكة المفضوحة مع العدو الصهيوني التي تدعو كل الساسة المراهنين على نتائج هذه الانتخابات إلى فهم أعمق وأدق لأسس وآليات وضوابط الاستراتيجية الأمريكية العدوانية ضدنا، خاصة وأن هناك رهانات عربية كبيرة على كلا المرشحين، بل ويمكن القول أن هناك اصطفاف عربي رهن كل من فريقيه؛ مستقبل سياساته، بأحد المرشحين في الانتخابات الأمريكية.
فلسطينيًا، لا يمكن استمرار التجاوز عن التجارب المريرة السابقة في الرهان على الإدارات الأمريكية المتعاقبة، خصوصًا أن هذه الرهانات لطالما شكّلت محور لتعطيل بناء الموقف الوطني الفلسطيني الموحّد، وإدامة الاستنزاف للحقوق الفلسطينية؛ من خلال مشروع التسوية، والأدق الخضوع والاستسلام لديناميات هذه الاستراتيجية الأمريكية وسياساتها. إنّ الرهان على جو بايدن وإمكانيات قدوم إدارة ديمقراطية جديدة في الولايات المتحدة، يستبطن في جوهره وفي حقيقته؛ رهان على العودة لمسار المفاوضات الخياني، ولسياسات وممارسات التنسيق الأمني الكارثيّة، وإهدار مزيد من السنوات والحقوق والزمن والأرض الفلسطينية.
إن الحد الأدنى المُلزم في إطار أي موقف وطني فلسطيني، هو القطع التام مع أي رهانات على الإدارات الأمريكية، والالتزام الحقيقي بالرهان على إرادة الشعب الفلسطيني، وقدرته على المقاومة بكافة أشكالها وفي المقدمة منها المقاومة المسلحة، كبديل عن السماح بتجميد وتعطيل القدرة الفلسطينية على الفعل وترك الساحة للعدو الصهيوني؛ ينفذ فيها مخططاته كما يشاء.
لن يتراجع التطبيع الرسمي العربي الخياني؛ بفعل وجود إدارة أمريكية مختلفة، فليس دونالد ترامب وحده من رغب بتطبيع هذه النظم مع العدو الصهيوني، بل لقد راهنت هذه النظم طويلًا وعملت لأجل تقويض الحقوق الفلسطينية وتشاركت مع العدو الصهيوني، ضد الشعوب العربية وشعوب المنطقة.