تحل بعد أربعة أيام ذكرى اغتيال رئيس حكومة العدو الصهيوني إسحاق رابين، الذي سقط صريعا حسب الرواية الرسمية في الكيان على يد اليميني يغال عامير يوم الرابع من تشرين ثاني، نوفمبر 1995، بسبب معلن هو التفاوض مع الفلسطينيين والتوصل إلى اتفاق أوسلو معهم، وهي عملية اغتيال سعى الليكود واليمين الصهيوني للتنصل منها، بل بالعكس، تنازع الليكود مع اليسار الصهيوني على تبعية رابين وما هو في الحقيقة، ولعل هذا يعود إلى صقرية رابين وتشدده الأمني والأيدلوجي، ومحاولته رغم ذلك تقديم مسحة حمائمية أجبر عليها نتيجة اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الكبرى حينما كان يشغل منصب وزير الحرب.
ونذكر هنا منعا لأي لبس حول "حمائمية رابين" أنه في الخامس من تشرين الأول (أكتوبر) 1995 ، قبل اغتياله بثلاثين يوماً ، ألقى خطابه الأخير في الكنيست حول "أوسلو الثانية". في الخطاب، استعرض رابين رأيه حول طبيعة السلطة الفلسطينية المستقبلية وحدودها مع إسرائيل: "نريد أن تكون هذه السلطة أقل من دولة وستدير بشكل مستقل حياة الفلسطينيين الخاضعين لسلطتها"، وحدود دولة إسرائيل في وقت الحل الدائم ستكون خارج الخطوط التي كانت سائدة قبل حرب الأيام الستة".
وأضاف: "لن نعود إلى خطوط 4 يونيو 1967"، وأكد رابين في كلمته "وهذه هي التغييرات الرئيسية، وليس جميعها، كما نراها وتريد لهم حل دائم: أولا وقبل كل شيء، القدس موحدة، والتي سوف تشمل كلا من معاليه أدوميم وجفعات زئيف، عاصمة لإسرائيل تحت السيادة الاسرائيلية". أما بالنسبة للأمن: "سيتم وضع الحدود الأمنية للدفاع عن دولة إسرائيل في وادي الأردن بأوسع معاني هذا المصطلح".
وضمن محاولات الترويج لرابين كرجل سلام، يتم التركيز على ما قيل إنها مبادرته للسلام مع الفلسطينيين، والتي وصفت بأنها شكلت انقلابا في مواقفه من التزامه التام بالخيار الأردني، وإنه يجب التفاوض مع السلطة الأردنية وليس مع الفلسطينيين، إلى سعيه لدفن منظمة التحرير وإيجاد قيادة فلسطينية محلية تتفاوض معها تل أبيب.
وفي الحقيقة، إن إسحاق رابين كان قد قدم مبادرته تلك، انطلاقا من صقورية مفرطة، وعداء تام للشعب الفلسطيني، فهو رفض الاعتراف حتى النهاية بإمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة، مع زعمه بأنه من الممكن الانفصال عن الفلسطينيين بإعطائهم نوعا من الحكم الذاتي الذي يبرد في النهاية، في تصور الجنرال المقاتل، الجبهة الشرقية ويريح كيانه أمنيا.
فاعتمادا على إرثه العسكري الذي كانت تتمحور حوله كل كفاءته، كان رابين ينظر نظرة أمنية محضة إلى القضية الفلسطينية وإلى المفاوضات على حد سواء. وكانت استراتيجيته تتمحور حول أمور ثلاثة: تخفيف عدد القتلى الصهاينة على يد المقاومة الفلسطينية، وإخضاع الفلسطينيين وقبولهم بالأمر الواقع للاحتلال واستحالة أن يحصلوا على أكثر مما سيقدمه لهم، والأمر الثالث تلميع صورة دولته وتذويت عقل الرأي العام الدولي مع فكرة الاحتلال ليس فقط اللطيف، بل المقبول والمفيد أيضا.
في هذا السياق كان لرابين تناقضه الخاص، عبر سعيه للانفصال عن الفلسطينيين ومحاولته الترويج لمسعاه بأنه لن يكون هناك تنازلات لهم، بمعنى أن الفلسطينيين سيحكمون نفسهم، وهذا نسبي أيضا، ولكنهم لن يمتلكوا السلطة في النهاية، لا على أنفسهم كشعب ولا على أرضهم الخاصة ولن يكون لهم أي نفوذ إقليمي منفصل عن السيطرة "الإسرائيلية". هذا المسعى يبدو أنه تبلور لدى رابين في خطته المعروفة بخطة رابين للسلام عام 1989، والتي أصبح يشار لها لاحقا بخطة شامير – رابين.
كانت فكرة إسحاق رابين في الواقع هي استجابة بأزمة الكيان الصهيوني نتيجة انتفاضة كانون، وتركز على إجراء انتخابات فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل منفصل عن سلطة ونفوذ وإرادة منظمة التحرير الفلسطينية، وبدء المفاوضات السياسية مع هؤلاء المنتخبين، كممثلين للفلسطينيين المحليين، في الضفة والقطاع، وفي الواقع كما أِرنا فإن حكومة العدو تبنت خطة "سلام" في 14 أيار/ مايو مبنية على خطة رابين الأصلية.
حول هذه المبادرة، يصف جويل سنجر [المستشار القانوني السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية في ظل حكومة يتسحاق رابين - شمعون بيريز. تفاوض على اتفاقية الاعتراف المتبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية واتفاقيات أوسلو (1993-1996] رابين بأنه على عكس قادة اليمين الإسرائيليين الذين يعتمد موقفهم تجاه الضفة الغربية وغزة على الأيديولوجية، كان نهج رابين براغماتيًا: "كان يسعى لتحقيق السلام والاستقرار على الجبهة الشرقية لإسرائيل" وفي هذا السعي كان يبحث عمن يكون شريك الكيان في المفاوضات، وكان يفضل الأردن بشكل ثابت بزعم أنه كان سيقدم أفضل فرصة من أجل "سلام مستقر"، غير أن الأحداث اللاحقة نسفت هذا التوجه. ويمكن إعادة ذلك لسببين، الأول انسحاب الأردن عبر قرار فك الارتباط، وإعلان الملك حسين إنه لن يتحدث مرة أخرى باسم الفلسطينيين، واعتقاد رابين ووصوله لقناعة أن ارتباط الفلسطينيين في الداخل بمنظمة التحرير غير قابل للنقض وإنه في النهاية يجب أن يتفاوض معها.
خطة رابين: ولادة وموت
بينما كان رابين وزيرا للحرب في الكيان الصهيوني، لم يتردد في استخدام القوة الغاشمة لسحق المنتفضين الفلسطينيين وإنهاء الانتفاضة، التي أنهت مرحلة طويلة من الاسترخاء الصهيوني منذ العدوان على لبنان عام 1982، وكون الانتفاضة قد كسرت التصور الصهيوني الذي تبلور بأنه تم سحق الفلسطينيين نهائيا وتم دفن منظمة التحرير، ولم يوفر رابين وحكومته أي جهد من حصار المدن والقرى والمخيمات، والاعتقال الضخم وتكسير العظام وتدمير المنازل والإبعاد وغيرها من وسائل كلها فشلت في الفت من عضد المنتفضين وقدرتهم على زلزلة الاستقرار الوهمي الذي استغرقت فيه "إسرائيل" حينها.
الأهم من هذا بالنسبة للكيان ولرابين، هو إنهاء أحلام الخيار الأردني فقد اعتقد رابين وزملائه أن حل "النزاع" على الجبهة الشرقية سيأتي عبر الأردن، وأن مصير الضفة الغربية وبالتالي كل القضية الفلسطينية مرتبط بما يمكن الاتفاق عليه مع الملك الأردني، مع تأكيد "إسرائيلية القدس" والسيطرة الأمنية على الضفة صهيونيا.
لكن هذا الخيار انتهى رسميا يوم 31 تموز،يوليو 1988، عندما أعلن الملك الأردني فك الارتباط وقطع الأردن جميع العلاقات القانونية والإدارية مع الضفة الغربية، وأعقب ذلك في 7 آب/ أغسطس المؤتمر الصحفي الذي أعلن الأردن أنه لن يتحدث ثانية نيابة عن الفلسطينيين، وهكذا أوصد باب الخيار الأردني.
ورغم ذلك واصل رابين التهرب من فكرة منظمة التحرير، ووصل إلى قناعة كما ينقل سنجر، أن الانتفاضة تقاد محليا وليس من قبل منظمة التحرير، وإن كان اعترف أيضا أن الانتفاضة لم تعبر فقط عن يأس الشعب الفلسطيني من الوضع الراهن، ولكن أيضًا عن تطلعاته الوطنية الفلسطينية الأصيلة. وخلال الانتفاضة، صرح رابين مرارًا وتكرارًا: "لن يحصلوا على شيء بالقوة، فقط على طاولة المفاوضات"، لكن خروج الأردن من الصورة في تموز (يوليو) 1988 طرح مشكلة من سيجلس على الطاولة، في ضوء موقف المنظمة حينذاك والذي نص على قيام دولة فلسطينية مستقلة، وانسحاب "إسرائيلي" من الضفة الغربية بأكملها والقدس الشرقية إلى حدود ما قبل عام 1967 (المعروفة باسم "الخط الأخضر")، وعودة ملايين عام 1948 إلى وطنهم وهو ما لم يقبله أي سياسي صهيوني وكذلك فعل رابين، الذي اعتبرها شروطا تشكل تهديدا مميتا لكيانه وبالتالي فإن "التفاوض مع م.ت.ف غير وارد".
مع انسحاب الأردن، وبالتوازي مع هذا الموقف بدأ رابين يبحث عن طريق ثالث كما ذكرنا عبر فتح نقاش سياسي مع فلسطينيين محليين من غير أعضاء منظمة التحرير وكان يهدف إلى غايتين الأولى وقف الانتفاضة بوسائل سياسية بعد أن عجز عن إخضاعها بالعنف الدموي، والغاية الأخرى التقدم نحو نافذة للحل السلمي على الجبهة الشرقية تشمل دفعة واحدة، فلسطينيي الضفة والأردنيين.
خطة رابين اكتسبت زخما ذاتيا بعد خطاب ياسر عرفات في جنيف في 14 كانون أول/ ديسمبر 1988 ووافق فيه على شروط جورج شولتز وزير الخارجية الأمريكي، والمتعلقة بموافقة منظمة التحرير على :" حق إسرائيل في الوجود وقبولها بقرار مجلس الأمن رقم 242 ونبذ الإرهاب." والذي أعقبه تأكيد شولتز على نية واشنطن فتح حوار مع المنظمة.
خشي رابين أن يؤدي هذا التطور إلى ضغط أمريكي على الكيان للتفاوض مع منظمة التحرير وبالتالي سارع لتطوير مبادرته الخاصة نهاية عام 1988 استباقا لأي كلام أمريكي.
تركزت مبادرة رابين على فتح مناقشات مباشرة مع ممثلي الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي خطة لم يعرضها كوزير للحرب على رئيس الحكومة شامير وكذلك لم يتشاور بشأنها مع زعيم حزب العمل شمعون بيريس، الذي تم إبعاده أصلا إلى وزارة المالية نتيجة للانتخابات التي جرت في تشرين ثاني/نوفمبر 1988.
وخشية من المعارضة الأيدلوجية لشامير واليمين قرر رابين كشف مبادرته لوسائل الإعلام، آملا أن تكتسب زخما عبر النقاش العام، وخلال مؤتمر صحفي عُقد في 19 كانون الثاني / يناير 1989 مع المراسلين الذين يغطون الضفة الغربية وقطاع غزة، عرض رابين خطته للسلام في خطاب معد جيدًا.
قال رابين في كلمته للصحفيين، "إن التوصل إلى سلام على حدود إسرائيل الشرقية يتطلب التحدث مع شريكين : الأردن وممثلي الضفة الغربية وسكان غزة"، وكرر تفضيله للأردن كشريك في هذه العملية، لكنه أقر بالصعوبات في السعي لتحقيق هذا الهدف في الوصول إلى حل للضفة الغربية وقطاع غزة، بالنظر إلى تخلي الأردن عن أي مسؤولية إدارية أو قانونية في هذه المناطق، وبالتالي، كان لابد من إيجاد عنوان فلسطيني جديد لمناقشة حل للصراع "الإسرائيلي الفلسطيني".
وشرح نهجه في فتح النقاش مع الفلسطينيين، مؤكدا أنها وجهة نظره الخاصة وليست وجهة نظر الحكومة، وفصل مبادرته إلى ثلاث مراحل في الأولى سيسمح للفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية وغزة باختيار ممثليهم بأي طريقة يفضلونها - وهي خطوة تعترف بها "إسرائيل"، وأضاف رابين أنه إذا أرادوا القيام بذلك من خلال الانتخابات، فسوف يؤيد ذلك، وأضاف رابين أن أي انتخابات من هذا القبيل ستجرى بعد فترة من الهدوء تتراوح بين 3 و 6 أشهر - أي وقف الانتفاضة، وأن هذه الانتخابات ستكون حرة وبدون عوائق من قبل الكيان، وستقبل "إسرائيل" أولئك المنتخبين كممثلين شرعيين للفلسطينيين، وهي خطوة أمل منها الكيان سحب الشرعية من منظمة التحرير والتخلص من عبء كونها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، في مقابلات وخطابات لاحقة أكد رابين مرارا وتكرارا أن "إسرائيل" ستكون مستعدة للتحدث مع أي من سكان الضفة الغربية وغزة منتخبين من قبل الفلسطينيين بغض النظر عن آرائهم.
المرحلة الثانية، هي دخول أولئك الأشخاص المنتخبين في مفاوضات مع الكيان حول ما وصفه بأنه " إقامة حكم ذاتي "موسع" أو حكم ذاتي للفلسطينيين لفترة انتقالية، وأكد أنه لن تكون هناك شروط مسبقة من قبل "إسرائيل" للمفاوضات المتعلقة بالفترة الانتقالية، إلا أن المسؤولية الأمنية ستبقى مع الجيش الصهيوني، وزعم أن نطاق الحكم الذاتي الفلسطيني الذي تصوره كان أكبر بكثير من النطاق الذي اقترحته سابقًا حكومة الليكود.
وحول مصير الضفة الغربية بعد انتهاء الفترة الانتقالية، أضاف رابين، سيقرر الفلسطينيون ما إذا كانوا يريدون الدخول في نوع من التعاون مع الأردن، مثل اتحاد فيدرالي، في مقابلات لاحقة، تحدث رابين ببساطة عن علاقة غير محددة بين الضفة الغربية وغزة والأردن، وأشار إلى أنه أيضا لا يستبعد فكرة الاتحاد الفدرالي بين الفلسطينيين و"إسرائيل"، إذا كانت هذه هي رغبتهم.
. وفيما يتعلق بالمرحلة الأخيرة، أوضح رابين أن "إسرائيل" لا تستطيع تحقيق السلام على جبهتها الشرقية بدون الأردن، لكنها أيضًا لا تستطيع تحقيق السلام مع الأردن فقط، لذلك، هناك حاجة إلى مشاركة الأطراف الثلاثة في تلك المناقشات، حيث سيكون الأردن والفلسطينيون شريكين متساويين.
فيما بعد تم تنقيح النسخة الأصلية لمبادرة رابين، عدة مرات لتصبح معقولة للقبول من قبل الليكود، حيث بعد مؤتمره الصحفي، بدأ رابين عملية تسويق مبادرته للسلام لفلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة وأعضاء حزب العمل التابع له و مصر والولايات المتحدة ورئيس الوزراء شامير، وسرعان ما رفض القادة الفلسطينيون من كل من منظمة التحرير الفلسطينية والضفة الغربية وغزة، بالإضافة إلى قادة اليمين الصهيوني المتشدد، الخطة، و كما كان متوقعا، كان رد فعل شامير فاترا، في ذلك الوقت، كان شامير أيضًا في طور تطوير مبادرته الخاصة للسلام والتي تضمنت أيضًا انتخابات فلسطينية، ولكن من جميع النواحي الأخرى، كانت أقل استجابة من خطة رابين، وفي 14 أيار/ مايو 1989، تبنت الحكومة الصهيونية مبادرة رابين للسلام بعد إزالة بعض تعبيرات رابين التي بدت "تقدمية" للغاية بالنسبة لذوق حزب الليكود، واستبدلت هذه العبارات بعبارات أكثر قياسية لحزب الليكود، وللمضي قدمًا، أدخل الليكود تغييرين جوهريين على الخطة: أولا، دعوة الأردن ومصر للانضمام إلى جميع مراحل محادثات السلام إلى جانب الفلسطينيين، ثانيًا، لن يكون الفلسطينيون المنتخبون فقط الممثلين الفلسطينيين في محادثات السلام مع "إسرائيل"، بل سيشكلون أيضًا سلطة الحكم الذاتي خلال الفترة الانتقالية.
بين مبادرة رابين 1989 واتفاقيات كامب ديفيد 1978
بشكل عام، استندت خطة رابين إلى اتفاقيات كامب ديفيد لعام 1978، التي نصت أيضا على عملية من ثلاث خطوات: أولاً، مفاوضات بين وفود "إسرائيلية" ومصرية وأمريكية حول تطوير اتفاقية حكم ذاتي من شأنها أن تنشئ سلطة فلسطينية ذاتية الحكم تحكم الضفة الغربية وفلسطيني غزة لفترة انتقالية مدتها خمس سنوات. . ثم إجراء انتخابات في الضفة الغربية وقطاع غزة لاختيار الممثلين الفلسطينيين الذين سيشكلون سلطة الحكم الذاتي، وأخيراً عقد مباحثات بين وفود "إسرائيل" ومصر والأردن والفلسطينيين لتحديد الوضع الدائم للضفة الغربية وقطاع غزة.
عندما أطلق رابين مبادرته، كانت اتفاقيات كامب ديفيد حبرا على ورق، رفض الأردن الانضمام إلى محادثات السلام على أساس اتفاقيات كامب ديفيد ولم تتمكن مصر من العثور على أي فلسطينيين يوافقون على الانضمام إلى وفدها، و لعدة سنوات بعد كامب ديفيد، عقدت مصر وحدها مناقشات مع الكيان، بمشاركة الولايات المتحدة، حول اتفاقية حكم ذاتي للفلسطينيين، ومع ذلك، تم تعليق المناقشات في عام 1983 دون التوصل إلى اتفاق، ونتيجة لذلك، لم يتم إجراء انتخابات فلسطينية، ولم يتم إنشاء سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية التي تم تصورها في عام 1978.
وبالتالي، بدلاً من الخروج بفكرة جديدة تمامًا، قرر البناء على اتفاقيات كامب ديفيد، وتعديل مفهومها الأساسي مع الواقع الجديد وغرس تفضيلاته السياسية في النسخة المعدلة من الاتفاقات.
كانت التغييرات الأربعة الرئيسية التي أدخلها رابين على خطة كامب ديفيد كما يلي:
بموجب اتفاقيات كامب ديفيد، ستمثل مصر المصالح الفلسطينية في الجولة الأولى من المفاوضات حول اتفاقية حكم ذاتي لإنشاء سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية، ولن يشارك وفد فلسطيني إلا في الجولة الثانية من المفاوضات بشأن اتفاق الوضع النهائي، بعد إجراء الانتخابات الفلسطينية وإنشاء سلطة الحكم الذاتي، بينما دعت مبادرة رابين للسلام إلى مشاركة الفلسطينيين في جولتي المفاوضات مع "إسرائيل"، وفي الجولة الأولى - وحدها، مما يعزز الدور الفلسطيني بشكل كبير.
عكست مبادرة رابين للسلام أيضًا الترتيب الذي تم وضعه في اتفاقيات كامب ديفيد بين المفاوضات حول اتفاقية الحكم الذاتي (المرحلة الأولى) والانتخابات الفلسطينية (المرحلة الثانية). بموجب مبادرة رابين للسلام، كانت الانتخابات الفلسطينية هي المرحلة الأولى، مما يجعل المفاوضين الفلسطينيين على الطاولة ممثلين منتخبين شرعياً لفلسطينيي الضفة الغربية وغزة.
رفض رئيسا وزراء متتاليين من الليكود - بيغن، الذي تفاوض على اتفاقيات كامب ديفيد، وشامير، الذي كان رئيس الوزراء عندما أطلق رابين مبادرة السلام الخاصة به - الاعتراف بالفلسطينيين كشعب، وقبل التوقيع على اتفاقيات كامب ديفيد، أصر بيغن حتى على تلقي رسالة من الرئيس الأمريكي جيمي كارتر تفيد بأن كارتر يقر بأن بيغن قد أبلغه بأنه "في كل فقرة [من اتفاقيات كامب ديفيد] عبارات" فلسطينيون "أو إن "الشعب الفلسطيني" يتم تفسيره وفهمه من قبل [بيغن] على أنه "عرب فلسطينيون". وعلى العكس من ذلك، أشار رابين إلى الفلسطينيين في مبادرته للسلام وفي خطاباته العامة كشعب وأكد أنهم يشكلون شعبا و في نسخة مبادرة السلام التي تبنتها الحكومة (التي تتطلب موافقة الليكود)، تم استبدال الإشارة إلى الفلسطينيين كشعب بـ "العرب الفلسطينيين"، بما يتفق مع الرسالة التي حصل عليها بيغن من كارتر، و كان على رابين التنازل عن هذه النقطة مع شركائه في الليكود حتى يتم تبني مبادرته، ولكن اتفاقيات أوسلو التي تفاوض بشأنها كرئيس للوزراء بعد أربع سنوات (1993) أشارت إلى الفلسطينيين كشعب.
كما ذكرنا أعلاه أراد رابين ان يضرب عصفورين بحجر مبادرته، أولا سحب شرعية منظمة التحرير ومنحها لمن يتم انتخابهم تحت حراب جيشه المحتل، وإنهاء الانتفاضة التي هزمت هذا الجيش، وأيضا إيجاد بديل للجلوس على الطاولة بدلا من الأردنيين الذين غادروا المسرح، ولكن كان رابين يحتاج لموافقة الفلسطينيين أولا، اعتبر رابين أن مصر لاعباً رئيسياً في تحقيق هذا الهدف، وفي 15 سبتمبر 1989، أيد الرئيس المصري، حسني مبارك، مبادرة السلام الصهيونية مع بعض التعديلات التي تضمنتها مبادرة النقاط العشر التي اقترحها و كانت التعديلات الرئيسية الثلاثة التي أدخلها مبارك على المبادرة التي أصبحت مبادرة شامير –رابين، هي اقتراح مشاركة الفلسطينيين الذين يعيشون في القدس الشرقية في الانتخابات ؛ أنه سيكون هناك تجميد للمستوطنات خلال فترة المفاوضات، وأن يتم تشكيل وفد فلسطيني بمساعدة مصرية وأمريكية للتفاوض على تفاصيل اتفاق قبل الانتخابات.
بسبب عدم تمكن شطري حكومة الوحدة الوطنية الصهيونية من التوصل إلى اتفاق بشأن اقتراح مبارك (رفضه حزب الليكود بينما أيده حزب العمل بتأييد قوي من رابين)، زار رابين مصر بعد ثلاثة أيام لبدء المحادثات مع مبارك وفي غضون ذلك، أجرت مصر محادثات مع الفلسطينيين، بمن فيهم ممثلو منظمة التحرير الفلسطينية، في محاولة لسد الفجوة بين المواقف "الإسرائيلية" والفلسطينية بشأن كيفية تنفيذ تلك المبادرة.
وفي 6 كانون الأول (ديسمبر) 1989، نشر وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر خطة من خمس نقاط كان القصد منها مساعدة مصر والكيان للمضي قدما في هذه العملية، و كان الدور الأمريكي في ذلك الوقت يركز على إيجاد صيغة تسمح بتشكيل وفد فلسطيني للتحدث مع "إسرائيل" قبل الانتخابات و تقليل معارضة منظمة التحرير الفلسطينية للعملية، والتي استبعدت المشاركة الرسمية لمنظمة التحرير الفلسطينية، من خلال تضمين الوفد الفلسطيني على الأقل فلسطينيًا واحدًا ينتمي إلى منظمة التحرير الفلسطينية دون أن يكون عضوًا رفيع المستوى في منظمة التحرير الفلسطينية و ضم فلسطيني واحد على الأقل من سكان القدس الشرقية إلى الوفد الفلسطيني لتسهيل قبول الفلسطينيين بشرط "إسرائيل" بأن القدس الشرقية لن تكون جزءًا من ترتيبات الحكم الذاتي.
سعى رابين بنشاط إلى إيجاد صيغ يمكن أن تستوعب هذين المطلبين الفلسطينيين، بينما كان يعمل أيضًا مع رئيس الوزراء شامير لإقناعه بعدم الاعتراض على مقترحات رابين. خلال هذه الفترة، أجرى رابين مناقشات مكثفة مع الولايات المتحدة، في المقام الأول من خلال اجتماعات متكررة مع سفير الولايات المتحدة في إسرائيل (غالبًا ما تُعقد سراً)، وبلغت ذروتها في نهاية المطاف بزيارة رابين للولايات المتحدة في يناير 1990، حيث التقى بيكر وكبار. المسؤولين الأمريكيين لدفع مقترحاته.
اقترح رابين أن تسمح إسرائيل لسكان واحد على الأقل من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة تم ترحيله من قبل "إسرائيل" من هذه المناطق بسبب دعمه لمنظمة التحرير الفلسطينية (والذي يُفترض أنه ينتمي إلى منظمة التحرير الفلسطينية) للعودة إلى المناطق ومن ثم ضمه إلى الوفد الفلسطيني، وهكذا يمكن لمنظمة التحرير الفلسطينية أن تنظر إلى ذلك الشخص على أنه ممثل منظمة التحرير الفلسطينية، بينما يمكن "لإسرائيل" أن تؤكد أنه عند عودته إلى المناطق، لم يكن هذا الشخص عضوًا في منظمة التحرير الفلسطينية.
أما بالنسبة للقدس الشرقية، فقد اقترح رابين أن يصبح الفلسطيني الذي يقيم في الضفة الغربية ولكنه يحتفظ بعنوان ثان في القدس عضوا في الوفد الفلسطيني، مرة أخرى، يمكن للفلسطينيين الإدعاء بأن فلسطيني من القدس الشرقية مشمول في وفدهم، بينما يمكن "لإسرائيل" أن تعلن أن الفلسطيني مقيم في الضفة الغربية.
ومع ذلك، في 5 آذار/ مارس 1990، رفض أعضاء حزب الليكود في حكومة الوحدة الوطنية أفكار رابين التي تبناها بيكر في ذلك الوقت في خطة النقاط الخمس المعدلة، وبعد عشرة أيام، في 15 آذار/ مارس 1990، انهارت حكومة الوحدة الوطنية، وعاد رابين ورفاقه أعضاء حزب العمل إلى المعارضة في الكنيست. وهكذا ماتت مبادرة السلام المزعومة للجنرال رابين.
النص الأصلي لخطة رابين التي طورها جويل سنجر بالنقاش مع رابين [نشره جويل سنجر]:
"لإسرائيل شريكان في المفاوضات واتفاقية السلام على حدودنا الشرقية: الأردن وممثلون عن فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة. سيكون كلاهما شريكين متساوين في المفاوضات مع إسرائيل.
لا يمكن لمنظمة التحرير الفلسطينية أن تكون طرفاً في المفاوضات مع إسرائيل بسبب مطالبها بإقامة دولة مستقلة تديرها منظمة التحرير الفلسطينية وتنفيذ "حق العودة"، وكلاهما يهدد وجود إسرائيل.
يمتلك السكان الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة هوية سياسية محددة ويشكلون شعبًا منفصلاً. هم الناقلون الرئيسيون للنضال والمعاناة، وبالتالي، يحق لهم تحديد مصيرهم ومستقبلهم في عملية سياسية يشاركون فيها بشكل مركزي.
جميع الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية وغزة الذين سيتم انتخابهم من قبل السكان لتمثيلهم هم شركاء شرعيون في المفاوضات مع إسرائيل بغض النظر عن آرائهم.
سيتم انتخاب الممثلين الفلسطينيين في المفاوضات مع إسرائيل في انتخابات حرة بالكامل. سيشكل الفلسطينيون المنتخبون تمثيلا سياسيا. نحن لا نتحدث عن انتخابات رؤساء البلديات على أساس برنامج بلدي. من أجل ضمان انتخابات حرة، يجب توفر بعض الشروط:
ستجرى الانتخابات بعد فترة هدوء تستمر 3-6 أشهر.
ستشرع إسرائيل في عدة خطوات تهدف إلى زيادة ثقة سكان المناطق في جدية النوايا الإسرائيلية وتشجعهم على المساهمة بنصيبهم في الهدوء.
وستتخذ خطوات لمنع الضغوط والتهديدات التي تمارسها المنظمات الإرهابية على إجراء انتخابات حرة.
إسرائيل أيضا لن تحاول التأثير على نتائج الانتخابات. من أجل تحقيق هذا الهدف، سنكون مستعدين للنظر في أفكار مختلفة، مثل لجان الإشراف على الانتخابات المكونة من سكان المناطق، وإعادة انتشار قوات جيش الدفاع الإسرائيلي من مناطق الاقتراع يوم الانتخابات، إلخ. وسيتم منح المرشحين للانتخابات حرية التعبير الكاملة من أجل السماح لهم بتقديم برنامجهم أمام ناخبيهم.
ستجرى المفاوضات بين إسرائيل والأردن والفلسطينيين المنتخبين دون شروط مسبقة.
يتم حل النزاع من قبل إسرائيل والأردن والممثلين الفلسطينيين على مرحلتين:
في المرحلة الأولى، سيتم إبرام اتفاق بين إسرائيل والممثلين الفلسطينيين المنتخبين يمنح سكان المناطق حكما ذاتيا موسعا لفترة انتقالية. أي أنهم سيكونون قادرين على إدارة حياتهم اليومية بأنفسهم. في هذه الفترالانتقالية،ئيل مسؤولة عن الأمن في الضفة الغربية وقطاع غزة. ستبقى المستوطنات الإسرائيلية في مكانها خلال الفترة الانتقالية. سيتم تحديد الطريقة التي ستعمل بها سلطة الحكم الذاتي وجميع التفاصيل الأخرى المتعلقة بالفترة الانتقالية في اتفاقية الحكم الذاتي.
خلال الفترة الانتقالية، ستبدأ مفاوضات بين إسرائيل والأردن والفلسطينيين بشأن الحل الدائم الذي سيقام بعد الفترة الانتقالية. سيغطي الحل الدائم العلاقات السلمية والترتيبات الأمنية والحدود والمستوطنات الإسرائيلية والروابط بين الضفة الغربية وغزة وسكانها مع الأردن وإسرائيل.
يعتقد وزير الدفاع أنه لا ينبغي للأمم المتحدة أن تحصل على أي دور إداري في الضفة الغربية وغزة سواء خلال الفترة الانتقالية أو في سياق الحل الدائم (بما يتجاوز مسؤوليتها الحالية في تقديم المساعدة للاجئين الفلسطينيين من خلال الأونروا). بل إن جميع الوظائف الحكومية التي لن تمارسها إسرائيل بحسب الاتفاقات، ستوضع في أيدي الفلسطينيين والأردن، كل ما سيتم الاتفاق عليه.
سيتم حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين في سياق مؤتمر دولي منفصل ينعقد فور التوصل إلى حل دائم للضفة الغربية وغزة. سيتناول هذا المؤتمر جميع القضايا المتعلقة باللاجئين الفلسطينيين المقيمين خارج الضفة الغربية وقطاع غزة، وكذلك اللاجئين اليهود من الدول العربية."