أجرى الحوار د. وسام الفقعاوي "رئيس تحرير مجلة وبوابة الهدف"
(جواد لؤي العقاد، شاعر فلسطيني شاب، من مواليد قطاع غزة (خان يونس) عام 1998، يعمل في الكتابة والتحرير الأدبي، وعضو الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين.
ترأس تحرير بوابة اليمامة الثقافية لمدة عامين، وحرر مجلة نازك الصادرة عنها.
حصل على درجة البكالوريوس في الأدب العربي من جامعة الأزهر بغزة، وصدر له مجموعة شعرية، بعنوان: على ذمة عشتار، وكتاب: تأملات في الصوفية الجمالية، وتنشر مقالاته في صحف عديدة).
1. كيف يقدم جواد العقاد نفسه للقارئ؟
أصعب سؤال يمكن توجيهه للإنسان هو "من أنتَ"؛ لأنه يضعه أمام تساؤل وجودي حقيقي، ويكون أصعب حين يوجه إلى شاعر أو مبدع؛ لأنه يعطيه حق شرعنة نفسه في مجاله الإبداعي، لكن ببساطة وبعيدًا عن هذا الارتباك، أنا جواد لؤي العقاد من مدينة خان يونس، أحاولُ كتابة الشعر منذ عشر سنوات وحديثًا كتبتُ القصة القصيرة، إضافة إلى كتابة المقالات في الأدب والصحافة، درستُ الأدب العربي في جامعة الأزهر بغزة، وعضو في الاتحاد العام للكتاب الفلسطينيين، وحصلتُ على عدة جوائز وتكريمات في مجال الشعر.
أحاولُ أن أعيش الحياة بكل تناقضاتها لا سيما أنها صعبة في قطاع غزة المحاصر منذ سنوات، هذه الحياة التي حملتني همًا فكريًا ووجوديًا وقوميًا ووطنيًا أحاولُ التعبير عنه بالكتابة؛ فهي معراجنا الوحيد نحو سماء الأحلام أو على الأقل تُشعرنا بالتوازن والسلام الداخلي.
٢. تجربتك الشعرية كشاب لا تزال حديثة، و"على ذمة عشتار" كان ديوانك الأول؛ فكيف تقيّم تجربة البدايات؟
في مجموعة "على ذمةِ عشتار" كنتُ أكتبُ بفعل الحبِّ والخوفِ والتساؤل والقلق الوجوديِّ والتجريب، وتقوم المجموعة على البديهة الشعرية أكثر من فنيات اللغة؛ لذلك كانت الجملةُ الشعريّةُ عفويّةً غالبًا، في فترةِ كتابةِ المجموعة، القصيرة نوعًا ما، لم أكن أرى الشّعرَ غير أنّه تنفيسٌ وتطهيرٌ للنفس، ولم يكن يهمني شكل القصيدةِ والتقنيات الفنية؛ لذلك كنتُ أكتبُ بشجاعةٍ غير مكترثٍ للعبارة ومدى شاعريتها، ربما. أما حين تعمقتُ في مفهوم الشّعر أصبحتُ أخافُ القصيدةَ وأراها مسؤوليّةً عظيمةً، بعد أن كان الشعرُ تنفيسًا، في وعيي، صرتُ أرى القصيدةَ الجيدةَ مُثقفةً وتحملُ همًا جماليًّا وفكريًّا، ولا يعني ذلك تحميلُ الشّعرِ ما لا يحتملُ. لذلك أصبح الاهتمام بالجماليات مهمًا؛ كي لا أقعَ في المباشرةِ أو أقدمَ درسًا فكريًّا خارجَ لغةِ الشّعر، ولهذا لم أجرؤ على نشرِ عملٍ جديدٍ إلى الآن. تبقى "على ذمة عشتار" التجربةَ الأقربَ إلى القلبِ بلغتها النقيّة وأسلوبها العفويّ وحبها الأزلي.ّ
٣. اهتمامك تجاوز كتابة الشعر، إلى الغوص في عالم الصوفية، وقد أنجزت كتابًا بهذا الصدد، فماذا وجد جواد الشاب الشاعر في هذا العالم؟
في الحقيقة الشعرُ هو دافعي الأول للدخول في عالم الصوفية، كنتُ أقرأ الشعر الصوفي من ينابيعه الصافية فاطلعتُ على شعر الحلاج وابن عربي ورابعة العدوية وآخرين، وأخذتني هذه النماذج بسحرها اللغوي والإيقاعي والعاطفي إلى جماليات خاصة ناتجة عن رُؤى مختلفة وطريقة شعور بالعالم مغايرة للسائد، إذن كان مدخلي الأول جماليًا ومن هنا بدأ الغوص في أعماق الفكر الصوفي والذي يحتاج مهارة غير عادية في البحث والتفكير، وقد ساعدني في ذلك معرفتي باللغة الشعرية المرتكزة على الإيجاز والإيحاء وهي تقارب اللغة الصوفية في هذا، وبشكل أدق، إن اللغة الصوفية شاعرية.
عكفتُ على قراءة الفكر الصوفي من مراجعه الأم، قرأتُ فتوحات ابن عربي وطواسين الحلاج وغيرها من أمهات الكتب إضافة إلى كتب معاصرة أهمها الصوفية والسوريالية للمفكر أدونيس، فاكتظت الأفكار في ذهني، ولهذا كنتُ محتاجًا للكتابة؛ لأنها نقاش مع الذات وتعبير دقيق عن الفكر، ولأني أريدها كتابة تبحثُ في الجمال أكثر من الفكر رصدتُ العلاقة الوطيدة بين التصوف والفن وكيفية تأثير كلاهما في الآخر، فتقدمتُ للكتابة في الموضوع باحثًا عن بقعة الضوء الصغيرة الممثلة بالفكر الصوفي الحق وسط ظلام الادعاء والخُرافة، ومحصلة هذا الجهد كان كتابي" تأملات في الصوفية الجمالية" الذي يضم دراسة النزعة الصوفية في مجموعة من النصوص الأدبية المعاصرة، وعرجتُ على تأثر عامة الفنون بالصوفية ناهيك عن إشارات من الفكر الصوفي وتحليلها. وللحق إن الفكر الصوفي، بعيدًا عن ما يُروج من أدعيائه وأعدائه، يمثل فهمًا جوهريًا للأديان والكون والبشر، ولأنه يدعو إلى التفكير والتفكر؛ اضطهد وهمش وشُوه على مدار التاريخ، فمثل هذا الفكر لا يتماشى مع المصالح السلطوية.
4. في التداخل بين المسألتين؛ الوطنية والاجتماعية، أين تجد نفسك؟ وهل أنت بين همّين بالدارج العامي أم بين قضيتين في الإصلاح العلمي والسياسي؟
الأديب مهموم بطبعه، ليس بالمعنى الساذج للكلمة، وإنما بمعنى أنه صاحبُ قضية يتبناها ويدافع عنها في كتاباته وإن لم يكن بشكل مباشر أحيانًا، وأنا لا أستطيع أن أتخذ دور السياسي أو المصلح الاجتماعي في النص الإبداعي؛ فليست وظيفة المبدع التنظير، مع أني مارست ذلك في المقال ولكن يبقى الشعر مبتغاي الأول، ولست مع إخضاع الأدب إلى الأيديولوجيا بما أننا في صدد الحديث عن السياسة، ولكني أتناول القضايا من ناحية وجدانية إنسانية تخاطبُ أعماقَ النفسِ البشرية كما فعل غسان كنفاني "في عائد إلى حيفا" مثلًا. في نهاية المطاف أنا منحاز إلى الكادحين والمهمشين في كل مكان وزمان أما على الصعيد الوطني فلا يمكن لفلسطيني أن يخون وطنه، فهو ابن معاناة سواء داخل الوطن أو في الشتات.
٥. كعضو في الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين؛ هل هو المبتغى في وضعه القائم؟ أم أن الأمنيات يقطع وصلها سوء حال المؤسسات الوطنية إجمالًا؟
الاتحاد اليوم يخطو نحو تحقيق دوره الريادي المنشود بأقل الإمكانيات رغم التحديات التي يواجهها لا سيما على الصعيد المادي، ناهيك عن الانقسام الفلسطيني الذي عطل دور الاتحاد في قطاع غزة سنوات عدة إلا أنه عاد ليأخذ دوره الطبيعي في حمل راية الوطن والإبداع، كما كان دائمًا منذ تأسيسه، باعتباره جزءًا أصيلًا من منظمة التحرير الفلسطينية. وهو يمارس هذا الدور من خلال الفعاليات والورشات واللقاءات الدورية وحفلات التوقيع والأمسيات إضافة إلى إصدار الكتب والمنشورات الداعمة للشباب، وهذا جهد لا بأس به إلا أنني أطمح كما زملائي في الهيئة العمومية والأمانة العامة لأن يكون الاتحاد قادرًا على إقامة الفعاليات والمؤتمرات الكبرى وإصدار المطبوعات بشكل دائم وهذا يحتاج دعمًا رسميًا جادًا ليس للاتحاد فقط، وإنما للقطاع الثقافي بعامة كونه خط الدفاع الأقوى عن الحق الفلسطيني.