Menu

هل تتكرر الظاهرة "الترامبية"؟!

هاني حبيب

نشر في العدد 20 من مجلة الهدف الرقمية

يدفعنا الرئيس الأميركي المنصرف والذي يأبى الانصراف؛ ترامب، إلى إعادة التمحيص والتدقيق في الدستور الأميركي الذي استوحى مضامينه من كبار الفلاسفة، روسو وهوبز ولوك، خاصة إزاء التزام الأفراد السياسي تجاه المجتمع القائم على المصلحة الذاتية والمنطق، وهذا لا يتوفر إلاّ من خلال مجتمع مدني تكون لأفراده حقوق وواجبات، إنه دستور جمهوري صدر في بيئة سياسية دولية تقوم على الديكتاتوريات والممالك والإمارات، أنه يُشكّل اختراق كبير لما كان سائداً ولا يزال باعتباره وثيقة علمانية في وقتٍ كانت تسود فيه قيم الدول التي اتخذت من الدين ركيزة لنظامها السياسي، هذا الدستور الذي يعتبره معظم الباحثين سبباً جوهرياً في الدور المتعاظم للولايات المتحدة على مستوى العالم.

إنه أوّل دستور مكتوب ما زال قائماً وفعالاً حتى الآن، وأول دستور يبدأ بـ نحن "شعب الولايات المتحدة"، دون أن يبدأ بأي شعارات دينية كما جرت العادة، نجح في وضع أسس دولة حديثة تعددية قامت على أنقاض السكان الأصليين، تعددية المهاجرين من أوروبا تحديداً جعلوا من أميركا دولة المتناقضات؛ دولة الأحلام والفرص الكبيرة للأثرياء، كما للصوص والمجرمين والمافيات والعصابات والابتكارات والاختراعات والمرتزقة والفنون والآداب والسينما والمسرح والحروب والعدوان والسيطرة والهيمنة.

لم ينسَ هذا الدستور معالجة كل الثغرات الراهنة في وقت كتابته ولا السيناريوهات المحتملة ووضع الحلول لها، وتناول بالتفصيل صلاحيات كل سلطة من السلطات الثلاثة ووفق بين ولايات كبيرة وأخرى صغيرة من خلال ابتكار مبدع، حيث الكونجرس بمجلسيه النواب والشيوخ، كان يمكن أن يقال قبل العام 2020 وتحديداً قبل انتخابات الرئاسة الأخيرة أنه الدستور المثالي والنموذجي والمتكامل، لولا أن المشرعين الأوائل لم يضعوا باعتبارهم احتمال لم يكن ليرد في أذهانهم وعقولهم، أن أميركا؛ أرض الأحلام والفرص ستمنح فرصة فريدة لوصول شخصية مثل شخصية ترامب، طموحة لدرجة التهوّر؛ مغرورة لدرجة عبادة الذات؛ عنصرية وقحة عدوانية كارهة إلى البيت الأبيض.

شخصية ترامب قد تكون متميزة ومتفردة، غير أنها ليست عابرة أو شاذة في مجتمع الاحلام والفرص ووصوله إلى البيت الأبيض بأغلبية واضحة عام 2016، ثم حصوله على أصوات أقل قليلاً من نصف الناخبين عام 2020 إشارة واضحة أن ترامب بات ظاهرة أميركية كانت نائمة واستيقظت مع لحظة بزوغها واستمرارها في الحكم لأربعة سنوات متصلة تأكيداً على رسوخ هذه الظاهرة، قد يرحل ترامب وينصرف، إلاّ أن هذه الظاهرة ستبقى إحدى أهم ثغرات الدستور الأميركي وعيوبه، والتي سمحت في نهاية الأمر إلى التعايش معها في مجتمع التناقضات الكبرى؛ ظاهرة من شأنها أن تدفع الولايات المتحدة لكي تقترب أكثر من أن تكون دولة من دول العالم الثالث، إذا لم يتم وضع حد لأضرار ومخاطر هذه الظاهرة التي قسّمت المجتمع الأميركي، بحيث من الصعب أن يعاد توحيده من جديد، هذه الظاهرة التي لا يمكن أن توصف بكونها "عابرة" على الإطلاق!