د. بول كيليمان: أستاذ علم الاجتماع بجامعة مانشستر 1975– 2014، أكاديمي، كاتب ومؤلف، وأحد أهم أعمدة التضامن مع فلسطين في بريطانيا، منذ نهاية ستينيات القرن الماضي.
ولد في المجر لأسرة يهودية مجرية، والده كان معتقلًا في معتقل "ماوت هاوزن" النازي في النمسا، خلال الحرب العالمية الثانية، تركت أسرته المجر إلى بريطانيا عام 1957 بعد انتفاضة المجر.
بدأ اهتمامه بفلسطين مع نمو اليسار الجديد، مع اندلاع حرب فيتنام، وكان رد فعله: كيف لدولة عنصرية كإسرائيل أن ترتكب كل هذه الجرائم باسمه كيهودي، وباسم معاناة أسرته في الهولوكوست "المحرقة"؟.
- لا تشكل اليهودية هوية قومية بالنسبة لليهود، بل هم مجموعات عرقية تعيش في دول مختلفة.
- من هاجر إلى فلسطين – من اليهود- تحولوا إلى مستعمرين استيطانيين يقهرون الفلسطينيين؛ السكان الأصليين.
- الفكر النازي العنصري الذي أدى إلى ما عاناه اليهود في الهولوكوست "المحرقة"؛ يستخدم الصهاينة فكراً مشابهاً له.
- ارتباط "كل اليهود" الذين هاجروا لفلسطين بالروايات التوراتية هي كذبة كبيرة.
- إسرائيل لن تتمكن من الصمود لولا الدعم الهائل الذي تتلقاه من الدول الإمبريالية وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا.
- قال بايدن أنه لو لم تكن هناك إسرائيل لكان من اللازم اختراعها.
- مع احتدام العدوان الأمريكي على فيتنام في ستينيات القرن الماضي، تبلور فكري السياسي المناهض للمشروع الاستعماري الغربي.
- نشهد نمواً طاغياً في الدعم اليساري للفلسطينيين، وشيفيلد هي أكبر مراكز هذا الدعم في بريطانيا.
- معظم من يؤيدون "إسرائيل" يمينيين، بعضهم يكره اليهود، ولكنه يراها تتماهى مع أفكاره في معاداة العرب والمسلمين
- أذكر باعتزاز أننا في حملة التضامن بشفيلد، بدأنا نشاطات المقاطعة لإسرائيل عام 1997
- معاداة السامية هو السلاح الأخير في يد الصهاينة
- تأييد العنصريين المسيحيين الصهاينة في أمريكا لإسرائيل؛ يعبر عن سياسة شديدة العنصرية والرجعية.
- ما لا يعرفه الكثيرون أن الصهاينة يستصعبون مواجهة الفلسطينيين كثيراً
- يتهمنا الصهاينة دائماً بأننا يهود خونة؛ أنا شخصياً أُدرج اسمي ضمن 500 اسم ليهود مناهضين للصهيونية في موقع اسمه "يهود خونة".
* ما هو رأيك في هوية اليهود، هل ترى أن اليهودية تمثل هوية قومية بالنسبة لهم؟
لا تشكل اليهودية هوية قومية بالنسبة لليهود، بل هم مجموعات عرقية تعيش في دول مختلفة؛ يتحدثون لغة الدول الأم التي يعيشون فيها، صحيح أن معظمهم يدين بالديانة اليهودية، ولكنهم لا يشكلون أمة واحدة، حسب ما تدعيه الصهيونية، لكن نلاحظ أن اليهود الذين يعيشون في إسرائيل أصبحوا، طبعاً بجهود الدولة يشكلون هوية قومية. هذا لا يعني أن من حقهم تقرير المصير، فعندما نتحدث عن هذا الحق، هنا أنا أتكلم من ناحية اشتراكية؛ فليس من حقهم تقرير المصير عبر انتهاك حقوق السكان الأصليين لفلسطين عبر مشروع استعماري استيطاني، مفهوم حق تقرير المصير تبلور بعد الحرب العالمية الثانية، وهو لا يعني أن تسيطر أي مجموعة عرقية على الدولة سيطرة كاملة، من الممكن أن تكون مجموعات ضمن دولة معينة، تتمتع بحريتها الثقافية والدينية.
في رأيي الشخصي، إن كان هناك حل في المستقبل، فإن اليهود في إسرائيل، وبعد مرور عقود طويلة من الزمن، يجب ألا يكونوا أمة منفصلة، بل جزءًا من كيان أكبر يضمن الحقوق والمساواة الكاملة للفلسطينيين.
* هل لك أن تعطينا فكرة عن كيف تحولت الصهيونية قبل الحرب العالمية الثانية، من حركة هامشية عند اليهود إلى الحركات الأكبر والأكثر تأثيرًا؟
قبل الحرب العالمية الثانية لم يكن للحركة الصهيونية شعبية أو دعم كبير لدى يهود أوروبا؛ اليهود في أوروبا 13 مليون، كان معظمهم من الطبقة العاملة، لهذا كان من الطبيعي أن ينجذبوا للاشتراكية والشيوعية لنيل حقوقهم وحريتهم، بالتأكيد كان هذا هو الحال في بولندا مثلاً، حيث عاش العدد الأكبر من اليهود، في المجر مثلاً، حيث ولدت ولم تتجاوز نسبة الصهاينة بين اليهود ال-2%.
بعد الحرب العالمية الثانية حدث أمران: معظم اليهود، عدا من أبيدوا في المحرقة؛ هاجروا للولايات المتحدة الأمريكية وأعداد كبيرة هاجرت إلى فلسطين، معظم من هاجروا إلى أمريكا أصبحوا طبقة متوسطة؛ من هاجر إلى فلسطين تحولوا إلى مستعمرين استيطانيين يقهرون الفلسطينيين؛ السكان الأصليين، ولهذا تبنت غالبيتهم أفكارًا محافظة ورجعية، هكذا تحولت التركيبة الأيديولوجية لليهود من التقدمية إلى الرجعية.
في أوروبا تمتلك إسرائيل تأثيراً كبيراً على اليهود، معظمهم من الطبقة البرجوازية الصغيرة، تقنعهم بالرواية الصهيونية عن الخطر الكبير من الدول المحيطة، أي "إرهاب" الفلسطينيين والإسلاميين، لهذا تراهم لا يقرون بالظلم التاريخي والمورثات الإجرامية لدولة إسرائيل ضد الفلسطينيين.
* ماذا عن المحرقة، ألم تساهم أيضاً؟
نعم، الأمر الآخر هو ما حدث لليهود من إبادة في الحرب العالمية الثانية، شجع المُعظم على تبني الفكر الصهيوني، هنا لا بد من ذكر أن معاناة اليهود في المحرقة تم ويتم استغلالها. من الصادم والمحزن أن يستخدم الصهاينة فكراً مشابهاً للفكر النازي العنصري الذي أدى إلى ما عاناه اليهود في الهولوكوست "المحرقة". إن الفكر النازي العنصري الذي أدى إلى ما عاناه اليهود في الهولوكوست "المحرقة"، يستخدم الصهاينة فكراً مشابهاً له، أي فوقيّة مجموعة عرقية على أخرى، في منطقة أخرى في العام، فلسطين. أنا لا أقول إن الفكر النازي والصهيوني متطابقان، ولكنهما جزئياً يتبنيان نفس الفكر القومي العرقي، ومضمونه أن الأمة يجب أن تتكون من مجموعة عرقية واحدة متفوقة، وهذا خطير جداً.
* كيف تقيّم ادعاء اليهود بارتباطهم التاريخي والتوراتي بفلسطين؟
بالطبع اليهود الذين عاشوا في فلسطين عبر التاريخ لهم هذه العلاقة، أما بالنسبة لغيرهم فهو ادعاء أسطوري خيالي، هناك الكثير من البحوث والدلائل التي تتحدث عن تحول أعداد كبيرة في مملكة الخزر "منطقة أوكرانيا حالياً" إلى اليهودية في القرن الحادي عشر، بالتالي فإن ارتباط "كل اليهود" الذين هاجروا لفلسطين بالروايات التوراتية هي كذبة كبيرة.
* في ظل ما ذكرت، كيف استطاعت الحركات الصهيونية إذن "رغم صغر حجمها بين يهود أوروبا، التأثير في دوائر القرار لدرجة النجاح في إطلاق وعد بلفور عام 1917؟
أعتقد أن الحركة الصهيونية ما كانت لتنجح لولا إنها تزامنت مع حقبة تاريخية أرادت القوى الكبرى أن تستعمر حينها ذلك الجزء من العالم، أي مشروع استعماري استيطاني لا بد أن يكون له دعم إمبريالي، وإلا: فكيف ستتمكن من طرد السكان الأصلييين ونهب خيراتهم؟ لا بد أن يكون هناك دعم عسكري لمشروعك الاستيطاني الاستعماري، خاصة أن اعدادك في البداية تكون صغيرة جداً، هذا ما حدث مع إسرائيل تاريخياً ولا زال يحدث، إسرائيل لن تتمكن من الصمود لولا الدعم الهائل الذي تتلقاه من الدول الإمبريالية وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا.
* ما تقوله ينسجم مع الفيديو الذي انتشر حديثاً لتصريحات جو بايدن عن أهمية "إسرائيل"؟
نعم، قال بايدن أنه لو لم تكن هناك إسرائيل لكان من اللازم اختراعها، وفي فيديو آخر قال: تخيلوا عدد السفن الحربية والطائرات والأسلحة التي كنا سنضطر لإرسالها للشرق الأوسط، لو لم تكن هناك إسرائيل، هذه التصريحات وغيرها بالطبع، إثبات واضح لأن إسرائيل أداة إمبريالية استعمارية، مثلاً بعد انحسار الإمبراطورية البريطانية؛ تولت فرنسا مهمة رعاية "إسرائيل" لفترة وجيزة، وكانت من قدم لها المشروع النووي، ثم تولت الولايات المتحدة الأمريكية المهمة.
* بصفتك من المؤسسين الأوائل لنشاطات التضامن مع فلسطين في بريطانيا في نهاية ستينيات القرن الماضي، هل من الممكن إعطائنا فكرة عن البدايات والتطور؟
مع احتدام العدوان الأمريكي على فيتنام في ستينيات القرن الماضي، تبلور فكري السياسي المناهض للمشروع الاستعماري الغربي، في البداية كان معظم اليساريين الغربيين، متأثرين بالعنصرية التي مورست ضد اليهود في أوروبا على يد الفاشية، لهذا تبلور مفهوم خاطئ عند معظم اليساريين، أن دعم اليهود هو ممارسة لنضال اليسار ضد الفاشية، وبالطبع، استغلت الحركات الصهيونية ببراعة هذا بترويجها لإسرائيل كحامية لليهود، لشملها بهذا التعاطف.
"إسرائيل" روجت لنفسها أيضاً في البداية كمناهض للمشروع الاستعماري، مستغلة سوء العلاقات البسيط الذي حدث بينها وبين بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية، هذه الكذبة بدأت تنكشف بعد قيام "دولة إسرائيل" والدعم الغربي لها، عندها بدأ جزء صغير من اليساريين التساؤل عن مصداقية هذا الزعم، ولكن هذا التساؤل لم يتخذ أي زخم يذكر حتى حرب 1967، حيث اعتبرتها قوى اليسار؛ بسبب الضبابية الإعلامية والانحياز "لإسرائيل"، حرب دفاع عن النفس اضطرت "إسرائيل" لخوضها، رغم أننا نعرف الآن أن إسرائيل هي من بدأت بشن الحرب؛ حرب 1973 كانت نقطة تحول صغيرة، أدرك الكثير بعدها أن "إسرائيل" لا تنوي إرجاع الأراضي المحتلة، بل تعمل على ترسيخ الاحتلال.
* برأيك هل كان غزو لبنان عام 1982 نقطة تحول مهمة؟
بلا شك، أحدث غزو لبنان ومشاهد القتل والحصار ومذبحة صبرا وشاتيلا، صدمة كبيرة، ليس لدى قوى اليسار فقط، بل حتى في أوساط الليبراليين البريطانيين، ثم جاءتا انتفاضتي 1987 و2000، لتزيد الدعم، وتكشف للبريطانيين حقيقة إسرائيل العدوانية الإجرامية، إلى عدوان 2008/2009 و2014 على غزة والقتل والدمار الشديد الذي نتج عنهما.
ربما تذكر يا مشير، أنه عندما انشأنا معاً حملة التضامن في مدينة شيفيلد في مطلع تسعينيات القرن الماضي، كنا معدودين على الأصابع، والآن نشهد نمواً طاغياً في الدعم اليساري للفلسطينيين، وشيفيلد هي أكبر مراكز هذا الدعم في بريطانيا. أستطيع القول بثقة، أن الصورة انقلبت تماماً، حيث أصبح دعم إسرائيل محصوراً على اليمين وبعض الليبراليين وجزءاً صغيرًا جداً من يمين اليسار في حزب العمال، معظم من يؤيدون "إسرائيل" يمينيين، بعضهم يكره اليهود، ولكنه يراها تتماهى مع أفكاره في معاداة العرب والمسلمين، ويراها كقوة مناصرة للغرب في الشرق الأوسط.
* هل ترى في هذا التفكير تشابه مع المسيحيين الصهاينة في الولايات المتحدة ودعمهم لإسرائيل؟
نعم هو نفس الفكر والممارسة، بلا شك.
* هل تعتقد أن هذا الدعم للفلسطينيين قابل للتراجع؟
من الصعب أن تعيد وضع الغمامة على بصيرة البشر، هناك الآن مصادر كثيرة عن العدوان الإسرائيلي المستمر على الفلسطينيين، أهمها ما ينتج عن الكفاح الفلسطيني نفسه، كذلك منظمات حقوق الإنسان، الناس تدرك الآن الطبيعة العدوانية لإسرائيل والتطهير العرقي الذي بدأ عام 1948 ولا زال مستمراً، حصار غزة، العقاب الجماعي، وآخره تدمير قرية "حمصا" في وادي الأردن منذ أيام قليلة، لقد توفر قنوات المعلومات البديلة، هذه ضرورية جداً، لأن الإعلام الرسمي، مناصر للصهاينة والإمبريالية بصفة عامة.
* مع هذا النمو، هل حدث تطور في نوعية النشاطات؟
بالتأكيد، دعني بداية أوضح أن هناك أكثر من سبعين حملة تضامن في مدن وبلدات بريطانيا، وهذا يشمل ويلز، ناهيك عن حملة التضامن الأسكتلندية، والتي تشمل ما يقرب العشرين فرعًا؛ الآلاف يتلقون وبشكل دوري نشرات التضامن مع فلسطين. من ناحية التطور النوعي، أضفنا إلى نشاطات المحاضرات والاعتصامات والمظاهرات، تشكيل لجان مختصة بمواضيع معينة، مثلاً لجنة مقاطعة البضائع الإسرائيلية، والتي ينبثق عنها لجان مقاطعة ثقافية، أكاديمية ورياضية، إضافة إلى حملة مناهضة الصندوق القومي اليهودي الذي يصادر أراضي ويخصصها لليهود فقط التي ساهمت تاريخياً في طرد الفلسطينيين ولا تزال، ويتمتع فرعها في بريطانيا بتسهيلات ضريبية حكومية، كونه يملك رخصة جمعية خيرية، هذا بالطبع تواطؤ واضح من الحكومة البريطانية، هذه الحملة تحاول نزع الصفة الخيرية عن هذه الجمعية العنصرية لمساهمتها في التطهير العرقي للفلسطينيين، أكبر مثل التدمير المتكرر لقرية العراقيب في النقب (180 مرة حتى الآن)، ومحاولة إخلاء سكان منطقة سلوان وما عائلة سمرين، إلا مثال واحد من عدة.
دعنا لا ننسى أنه هو منذ تأسيس صندوق النقد اليهودي في بريطانيا عام 1903 كان رؤساء الوزراء البريطانيين أعضاء شرف فيه، إلى أن جاء ديفيد كاميرون واعتذر، بعد توليه المنصب بسنوات عن الاستمرار في هذا المنصب الشرفي؛ بسبب حملتنا المضادة، لأنه لم يكن يرغب في تسليط الأضواء على هذا الموضوع بطريقة سلبية.
أريد أن أذكر باعتزاز أننا في حملة التضامن بشفيلد، بدأنا نشاطات المقاطعة لإسرائيل عام 1997، أي قبل 8 سنوات من النداء المهم الذي وجهته 155 مؤسسة فلسطينية نقابية وغير حكومية لمقاطعة إسرائيل، والذي نتج عنه حملة ال BDS التي نحن جزء منها.
* كيف تقيم الشراكة بين حملة التضامن مع الشعب الفلسطيني في شيفيلد والمشاريع التي ترعاها في قطاع غزة - فلسطين؟
أعتقد أن هذه الشراكة مع المشاريع في جباليا، النصيرات، وخان يونس وحديثاً خزاعة مهمة جداً؛ الناس هنا ينظرون لغزة فقط على أنها منطقة منكوبة، ولا يعلمون شيئاً عن البشر الذين يعيشون هناك؛ عن كفاحهم المستمر، كما كل الفلسطينيين، ضد الاحتلال لأجل الحرية، عن الجرائم التي ترتكب ضدهم، عن الحصار؛ قطع الكهرباء؛ تدمير الممتلكات؛ مهاجمة المزارعين وصيادي السمك، والسيطرة على كمية ما يدخل لهم من طعام. هذه المشاريع وعبر 25 عامًا ساعدتنا على تمرير هذه المعاناة، إضافة إلى تعريف البريطانيين بأن هؤلاء الناس قادرين على الإبداع والعيش وحب الحياة، رغم ما يعانوه على يد إسرائيل؛ أتمنى أيضاً أن تكون شراكتنا هذه تساهم في إدراك الفلسطينيين أنهم ليسو وحدهم، وأن هناك الكثير من البريطانيين يرفضون سياسات حكومتهم المنحازة لإسرائيل.
* كيف ترى تأثير هذه الشراكة على المتضامنين البريطانيين؟
هي فرصة لنا أيضاً لنعبر عن مبادئنا الرافضة لسياسات حكومتنا الداعمة لكيان يُلقي القنابل الفسفورية على المدنيين، ويطلق النار عمداً على المتظاهرين في أرجلهم وركبهم، بهدف الإعاقة ويصادر الأراضي ومصادر المياه ويدمر البيئة في الضفة الغربية، نراها كوسيلة لممارسة فكرنا الأممي بالوقوف مع المضطهدين، بغض النظر عن عرقهم أو لونهم أو دينهم، وأيضاً ممارسة العمل المشترك بين الشعوب لمقاومة الاستعمار والاستغلال.
* ما هو رأيك في نجاح إسرائيل وحلفائها في اتهام كل من ينتقدها بمعاداة السامية؟
هذا هو السلاح الأخير في يد الصهاينة، رغم أن الفكر الصهيوني الذي يدعو لتفوق يهودي في أرض فلسطين أو دولة إسرائيلية هو فكر عنصري بامتياز، يتبني إقصاء الأخر تماماً.
* والمثال الكبير الأخير هو جيرمي كوربين زعيم حزب العمال السابق
نعم، نجحوا في تشويه سمعة جيرمي كوربين واقصاءه، ولكن هذا أيضاً، بسب ضعف حزب العمال منذ أيام توني بلير وتأثره بالفكر اليميني، حتى النشاط السياسي، ركز على كيفية الفوز في الانتخابات، بدل التركز على السياسات والمبادئ، هذا أيضاً ينطبق على سياسات الحزب تجاه الأمور الداخلية البريطانية. خارجياً أدى هذا الفهم لتشويه تعريف معاداة السامية لدى الكثير من أعضاء الحزب، لدرجة نجاح اليمين في إقناعهم بتبني المفهوم الخاطئ، أن معاداة إسرائيل والصهيونية هو معاداة للسامية.
* هل أثر هذا على المناصرين للقضية الفلسطينية سلبياً؟ بمعنى، هل أرهبتهم هذه الهجمات على كل من ينتقد إسرائيل؟
أثر هذا على أعضاء حزب العمال، لأن القائد الحالي "كير ستارمر"، أصدر تعليمات بعدم نقاش قضية معينة؛ ما يختص بالجرائم الإسرائيلية، وهناك محاولات لكبح النقاش، فيما يخص إسرائيل، لكن فيما يخص المتضامنين واليسار بصفة عامة، فقد ولّد هذا رد فعل غاضب جداً ومعاكس، حتى بين أعضاء حزب العمال العاديين؛ أدت هذه السياسات إلى رد فعل غاضب، لأنهم كما جيرمي كوربين، عاشوا حياتهم يناضلون ضد العنصرية، بما فيها معاداة السامية، وها هم يُتهمون لنقدهم لإسرائيل بمعاداة السامية!!!
أعتقد أن الصهاينة ارتكبوا خطأ كبيراً بهذا، وسينعكس سلباً ويشجع المعادين الحقيقيين للصهيونية، للتأكيد على الصورة النمطية لليهود الذين يسيطرون على العالم ويسقطون قيادات وحكام.
* تذكُر أنه كان لنا معاً الشرف عام 2010 بتنظيم محاضرة في مدينة شيفيلد للبروفيسور اليهودي "حاجوميئير"؛ الناجي من المحرقة في معتقل "أوشفيتز" ببولندا، والذي اتهم أيضاً، بأنه يهودي خائن أو كاره لنفسه، هل توافق على مقولته الشهيرة بأنه: "في الماضي كان تعريف المعادي للسامية هو من يكره اليهود، والآن أصبحت، حسب الصهاينة، من يكرهه اليهود"؟
أعتقد أنها مقولة صحيحة جداً، أنظر إلى العنصريين المسيحيين الصهاينة في أمريكا، وكيف يؤيدون إسرائيل طمعاً في عودة المسيح الثاني، بعد إنشاء إسرائيل الكبرى ليقتل اليهود، كيف يمكن ألا نسمي هذا عداء لليهود؟ مع هذا تتعاون إسرائيل والجمعيات الصهيونية حول العالم معهم وترحب بهم. ومن ناحية اليمين الغربي، فإن تأييدهم لإسرائيل، يعكس أيضاً سياسة شديدة العنصرية والرجعية، لأنهم يعتبرون إسرائيل عدو عدوهم، العرب والمسلمين، لهذا يعتبرون إسرائيل حامياً لمصالحهم ضد أي حركة تحرر تقدمية، قد تكتسب الحكم في العالم العربي، مما سيهدد مصالحهم.
* ما هو رأيك بالعريضة الداعمة لجيرمي كوربين والرافضة لإتهامات معاداة السامية التي أرسلت حديثاً من فلسطين؟
أعتقد أنها في غاية الأهمية، ما لا يعرفه الكثيرون أن الصهاينة يستصعبون مواجهة الفلسطينييين كثيراً، لأنه في كل الحالات ينتقلون إلى موقف الدفاع أو تبرير ما يفعلون ضد الفلسطينيين: لماذا تصادرون المزيد من الأراضي؟ لماذا تقتلون المدنيين؟ لماذا تدمرون الممتلكات؟ لماذا؟ لماذا؟ كيف يمكنهم أن يبرروا هذه الجرائم؟! الصهاينة يجدون سهولة في اتهام اليسار في بريطانيا، وحتى في أمريكا، لهذا عندما تأتي رسالة كهذه أو أي نداء آخر من فلسطين، لا يمتلك الصهاينة الثقة لمواجهتها، كما يواجهون اليسار البريطاني والدولي. بالطبع يردون على الفلسطينيين، ولكن بصورة أضعف، وبإدعاء أن المسلمين هم من يعادون اليهود وإسرائيل، هذا يصب في خانة معاداة الإسلام "الإسلاموفوبيا"؛ تصريح نتنياهو منذ أسابيع عندما قال: أن إسرائيل هي رأس الحربة في مواجهة التطرف والإرهاب الإسلامي، وأن الصهيونية هي الحامية للحضارة والفكر الغربي في المنطقة، ترسخ هذا الموقف الإعلامي، هذا الخطاب ليس له أي وزن عند التقدميين في أوروبا.
* كيهودي معارض للصهيونية، هل تتعرض لمضايقات من الصهاينة؟
بالتأكيد، يتهمنا الصهاينة دائماً بأننا يهود خونة؛ أنا شخصياً أُدرج اسمي ضمن 500 اسم ليهود مناهضين للصهيونية في موقع اسمه "يهود خونة". الشقوق بدأت تظهر في الجاليات اليهودية في الغرب، قبل عشر سنوات لم يكن هناك الكثير من اليهود المناهضين للصهيونية، ما زالت نسبتنا صغيرة جداً، ولكن هناك الكثير من اليهود، ممن لا يعادون إسرائيل، ولكنهم لا يشعرون بالارتياح، لأن يصنفوا كمؤيدين لما تفعله إسرائيل، ولا يشعروا أنهم جزءًا منها، خاصة في أوساط الجيل الجديد، لاحظت هذا خلال عملي في الجامعة؛ طلبة صغار السن لا يدينون إسرائيل علناً لخوفهم من أسرهم؛ أصدقائهم وأصدقاء أسرهم، ولكنهم يصرون بأنهم لن يزوروا إسرائيل ولن يذهبوا إلى الكيبوتسات، وهذا ما كان يحدث في الستينيات والسبعينيات. لا يستطيع أي أحد الآن الإدعاء بأن العمل في الكيبوتسات هو مشروع اشتراكي أو أن إسرائيل هي واحة للديمقراطية.
الملفت للانتباه، أنهم ينتقلون بعد كل فشل إلى شعار جديد، بعد صعود الليكود للحكم انتقلوا من الإدعاء بأن إسرائيل هي مشروع اشتراكي، إلى القول بأنهم الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، إلى الإدعاء الحالي بأن إسرائيل هي رأس حربة مكافحة ما يسمونه الإرهاب الإسلامي.
* كيف تقيّم نتائج الانتخابات الأمريكية؟
ندرك أن الإدارة الجديدة، جو بايدن وكامالا هاريس، ستكون قراراتها وممارساتها في صالح الفلسطينيين، ولكن يجب التذكير بأن هناك نموا في المعارضة داخل الحزب الديمقراطي، من ديمقراطيين لم يعودوا يصدقوا الكذب الصهيوني ومؤسسات، مثل أيباك وغيرها، ولا بد من ربط هذا بنمو حركة "حياة السود لها قيمة" وحركات مناهضة العنصرية في أمريكا، والتي أدركت الآن أن هناك ما هو مشترك بينها، وبين الكفاح الفلسطيني.
في حقبة الستينيات عقدت حركة الحقوق المدنية اتفاقاً مع إدارة الرئيس لندن جونسون يقضي، بأن يدعم الحزب الديمقراطي قضايا السود في أمريكا، مقابل دعمهم للحرب في فيتنام، "مارتن لوثر كينغ" كان جزءًا من هذا التفاهم، هذه الحقبة انتهت الآن؛ أنجيلا دافيس إحدى أهم قيادة السود، خرجت بتصريحات قوية داعمة للفلسطينيين ومناهضة للصهيونية، سيكون هناك تحول، ولكن هذا الأمر سيأخذ وقت.
* ما هي رسالتك للفلسطينيين تحت الاحتلال، القهر والحصار؟
نحن نتابع نضال الفلسطينيين اليوم وصمودهم هو مصدر إلهام بالنسبة لنا؛ أتمنى أن ما نفعله، على تواضعه، يمثل مصدراً لدعم هذا الصمود، وأقول إننا لن نتوقف حتى يحصل الفلسطينييين على حقوقهم في الحرية والعودة، حسب ما يقرروه هم، وليس ما نراه نحن مناسبًا