Menu

نقاش مع 3 محللين

ما هو المطلوب من الجبهة الشعبية في ذكرى انطلاقتها 53؟

فادي الشافعي

خاص بوابة الهدف

"إن النضال ضد المشروع الصهيوني قد يستمر 100 عام أو أكثر، فعلى قصيري النفس أن يتنحوا جانبًا" جورج حبش

جورج حبش.jpg

في الذكرى 53 لتأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، ناقشت "بوابة الهدف الإخبارية" مع ثلاثة كتّاب سؤال: ما هو المطلوب؟ وتناول النقاش 4 محاور رئيسية؛ الأول: الصراع مع العدو، والثاني: دور الجبهة في قيادة اليسار الفلسطيني وإنجاز المصالحة، والثالث استعرض أهمية النضال المطلبي وتعزيز صمود الفلسطيني على أرضه، أما المحور الرابع فناقش علاقة الجبهة مع محيطها العربي. وسلطت الخاتمة الضوء على أهم ما ميّز "الشعبية" في تجربتها النضالية على مدار ما يزيد عن نصف قرن.

تاريخ ومراجعة

في ذكرى انطلاقتها الثالثة والخمسين، يرى الكاتب والمحلل السياسي هاني حبيب أنّ على الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إجراء "مراجعة نقدية واسعة النطاق للمرحلة السابقة واستخلاص الدروس والعبر، ودراسة أسباب الفشل، والمراكمة على الإنجازات التي تحققت. معتبرًا أنّ هذه المراجعة تعتبر "أولوية مطلقة"؛ كي تتمكن الشعبية من قيادة المرحلة، والمضي قدمًا في برنامجها النضالي.

من ناحيته، يرى مدير عام المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية (مسارات)، الكاتب هاني المصري، أن على الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين البناء على "تراثها ومواقفها السابقة؛ خاصة أن التوجه العام الذي عبرت عنه وثائقها وأدبياتها، وخطابات الأمين العام والمؤسس جورج حبش أثبتت الأحداث اللاحقة أنها في الإطار العام صحيحة". مشددًا على ضرورة "بلورة استراتيجيات وخطط عمل" على هذه الأسس، وهذا التراث حتى تصل إلى "الموقع اللائق بها"، وتكون قادرة من خلاله على "تحقيق ما نصبو إليه جميعًا، ويصبو إليه الشعب الفلسطيني".

 

الصراع مع العدو

قال حبيب إن الصراع مع العدو الصهيوني هو العامل المركزي. ويتفرع منه محوران، الأول: العمل العسكري الفدائي. ويجب على الجبهة أن تحافظ على ألا يتحول العمل العسكري إلى "مجرد أداة من أدوات الصفقات"، مؤكدًا أن الجبهة بعيدة كل البعد عن هذا الأمر إلا أنها يجب أن تواصل عملها على هذا الصعيد بكامل الحذر، وتستمر في المحافظة على القوة العسكرية "أداةً من أدوات المواجهة".

وأضاف: أما على المحور السياسي، على الجبهة أن تستمر بالعمل على "مهمة لا بد من إنجازها وهي إعادة إحياء منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني؛ خاصة بصفتها فصيلًا مؤسسًا للمنظمة". لافتًا إلى أن الجبهة الشعبية نجحت "في كثير من الأحيان في مجابهة جميع الجهود الرامية إلى إيجاد بدائل للمنظمة، تحت تسميات مختلفة".

من ناحيته، قال الكاتب والمحلل السياسي حسن عبدو إنّ "أهم عنوان يمكن أن تعمل عليه الجبهة، خلال الفترة القادمة، هو المحافظة على تمسكها بالمقاومة كخيار ثابت". خاصة أن هذا الخيار "بات مستهدفًا". مؤكدًا على أنّ "التمسك به التزام وطني مهم" سيما في المرحلة القادمة. كما تمسكت به سابقًا كخيار "استراتيجي ثابت، لا مساومة عليه أبدًا".

بدوره، قال المصري من المفترض أن تبادر الجبهة إلى "بلورة خطة ورؤية واستراتيجية ملموسة تقدم فيها بديلًا عن الاستراتيجيات التي اعتُمدت في الساحة الفلسطينية ووصلت إلى طريق مسدود!" سواء كانت "استراتيجية المفاوضات، التي تعطلت، وأوصلتنا إلى وضع كارثي جدًا"، أو "استراتيجية المقاومة المسلحة التي انتهت إلى التعطيل أو إلى استخدامها لتحسين شروط سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة". لذا يقع على عاتق الجبهة بلورة "بديل ثالث" ينطلق من "التمسك في الحقوق الوطنية، ويقدم مبادرة عملية قادرة على التقدم إلى الأمام".

داخليًا.. قيادة اليسار والتغيير

قال المصري: إن الجبهة الشعبية هي الأقدر على بلورة بديل وطني فلسطيني لقطبيْ الانقسام قادرًا على التمسك بالحقوق الوطنية، والتقدم في المشروع الوطني إلى الأمام في آن. مستدركًا "إلا أن هذا غائبٌ حتى الآن"؛ فما زالت الساحة الفلسطينية تعاني من الاستقطاب الثنائي لحركتي فتح وحماس. مشيرًا إلى أنّ "هذا البديل الثالث، يمكن للجبهة الشعبية أن تكون ضمنه، بل عموده الفقري، في وقتٍ نحن أحوج ما نكون فيه إلى مثل هذا البديل، لإنقاذ القضية الفلسطينية من المخاطر الجسيمة التي تهددها بالتصفية".

ولفت المصري إلى أنّ على الجبهة في المرحلة القادمة "ألا تكتفي باتخاذ المواقف المبدئية التي تؤكد على أهمية الوحدة، أو تؤيد الاتفاقات التي تُعقَد بين فتح وحماس" فحسب "إذ تبدو- بهذا- كأنها في موقف المنفعل فقط، لا في موقف المبادر"، لذا عليها أن "تقدّم رؤية وخطة يمكن أن تكون "حل الرزمةِ الشاملة". مشددًا على ضرورة ألّا تقدّم هذه "الرزمة" في الإعلام فقط، و"إنما يجب أن تعمل من أجل الضغط لتنفيذها" من خلال "تقديم نفسها كمثال ونموذج له". بالإضافة إلى ممارسة "الضغط التراكمي سياسيًا وشعبيًا" على قطبيْ الانقسام، وهذا من "شأنه كسرَ حالة الاستقطاب" كما يُخرج الجبهة "من مربع الانتقاد فقط للأطراف الفاعلة"، وعليها كذلك "أن تقدم البديل المتكامل" ليس فقط على الصعيد النظري فحسب، و"إنما على الصعيد الأهم وهو "العملي"؛ بـ"تقديم نموذج" وطني ديمقراطي متمسك بالثوابت.

وفي نفس السياق، أشار حبيب إلى ضرورة "إعادة بناء اليسار الوطني" الذي يصفه بـ"المتصدع" مؤكدًا على أهمية "رفع مستوى التنسيق والتواصل بين أطيافه المختلفة" معتبرًا أنّ الجبهة الشعبية هي الأقدر على توحيد، وقيادة اليسار الوطني على "أسس أيديولوجية، وسياسية، وجماهيرية واضحة ومحددة". بما في ذلك من مسؤوليات وأعباء. لافتًا إلى أنّ "هذه المهمة بالغة الصعوبة، وتكتنفها الكثير من العقبات" إلا أنها ضرورية لمواجهة التحديات القائمة، ليس على الصعيد الداخلي فحسب، بل وعلى صعيد الصراع مع العدو "الإسرائيلي".

وأضاف: بقوتها وبقوة اليسار الوطني يمكن للجبهة أن تتصدى "لكل محاولات تحويل الانقسام الفلسطيني إلى "انفصال" في ضوء ما يجري من تكريس للمحلية سواء في قطاع غزة أو في الضفة الغربية". لافتًا إلى أن الجبهة بحاجة إلى مزيد من الجرأة في التصدّي لذلك، ومطالبة بفضح "أسباب فشل المبادرات، والجهود السابقة في إنهاء الانقسام". وعليها أن تتوقف عن أن تكون "مجرد شاهد"، إذ أن "دورها مازال محدودًا"، و"لا يتسم بالجرأة المطلوبة".

من ناحيته، رأي عبدو أنّ على الجبهة أن تلعب دورًا في استنهاض المشروع الوطني ككل من خلال "العمل التشاركي مع الكل الوطني" لمواجهة التحديات القائمة أمامه، التي يضاعفها ما حدث مؤخرًا من "اختراق صهيوني للفضاء العربي في الخليج وشمال أفريقيا"، وما يتطلبه ذلك من "الاعتماد على أنفسنا" وبالتالي الفرصة مهيأة للجبهة كي تلعب دورًا في استنهاض الجماهير الفلسطينية في الداخل المحتل والخارج، سواء في مخيمات اللجوء أو الشتات. على أن "يعمل كل إقليم وفق ما تسمح به ظروفه وإمكانياته" في ضوء رؤية وطنية موحّدة، تخرج بها الجبهة "للنهوض بالشعب الفلسطيني، وإصلاح النظام السياسي على أسس ديمقراطية" لافتًا إلى أنّ "هذا الإصلاح يتضمن إنجاز المصالحة الفلسطينية" كي لا تكون المصالحة "جزءًا من عملية اقتسام سياسي لنظام قديم وهرِم".

المقاومة بتعزيز الصمود

يرى عبدو أنّ على الجبهة الشعبية، بالدرجة الثانية، العمل على "تثبيت المواطن الفلسطيني على أرضه، بكل الطرق"، لوقف ما اصطَلح عليه "النزيف البشري"، المتمثل بـ"هجرة الشباب" من خلال "تحسين شروط الحياة (في الداخل الفلسطيني) بالقدر المستطاع، معتبرًا أنّ ثبات الفلسطيني على أرضه "أهم عنصر قوة لدينا"، في مواجهة المشروع الصهيوني، لافتًا إلى ضرورة "الحفاظ على الكتلة السكانية داخل فلسطين التاريخية، وبقائها، واستمرارها كنقيض كامن، وخزانٍ لنا في مواجهتنا مع المشروع الصهيوني".

وفي هذا السياق، شدد حبيب على أهمية النضال المطلبي. مع أخذ الاعتبار بألا "تتحول الجبهة الشعبية إلى منظمة من منظمات المجتمع المدني" وأن "لا يكون دورها الاجتماعي منفصلًا عن الأهداف السياسية". مؤكدًا على أنّ "الدور الاجتماعي يجب أن يخدم الهدف السياسي وليس العكس".

وأكد حبيب على أهمية أن تلعب الجبهة دورًا في النقد والرقابة على أداء السلطات في غزة والضفة، على أن "يكون لها موقف أكثر جرأة وشجاعة من الفشل في إدارة الشأنين الاقتصادي والاجتماعي، من قِبل السلطات المسيطرة" بما يخدم "مصالح الجمهور بدرجة أساسية، دون النظر إلى تبريرات، من شأنها أن تحجب أهمية النجاح في إدارة الشأنين في خدمة مشروع التحرر".

عربيًا.. تعزيز العلاقات وترتيبها

على المستوى العربي، يرى المصري أنّ على الجبهة تعزيز "العلاقات مع الشعوب العربية وقواها التحررية والديمقراطية والإنسانية"، كرد طبيعي ومستعجل على خطوات التطبيع، والتحالف بين بعض الأنظمة العربية و"إسرائيل" مشددًا على ضرورة "الاستعانة بالعمق العربي الذي حمى القضية الفلسطينية، ومازال يمثل سياجًا لها يجب البناء عليه". لافتًا إلى أن "تركيز العلاقات على القيادة والأنظمة والحكام" قد يفقدنا العمق الطبيعي للقضية الفلسطينية. ومؤكدًا أن "الجبهة الشعبية من أكثر القوى قدرة على القيام بهذا الدور". واستطرد المصري بالقول "يجب ألا نراهن على الأنظمة مهما كانت صديقة ومتحالفة معنا؛ فالرهان دائمًا يجب أن يكون على الشعوب، وقوى التحرر والتقدم والعدالة". مضيفًا: اعتقد أن "هذا الأمر تم إهماله بشكل كبير خلال الفترة الماضية، وبالتالي يجب إعادة النظر فيه، وجعله على رأس أولوياتها".

أما حبيب فيرى أن على الجبهة "إعادة دراسة معسكر الأعداء والتحالفات" وفق الأسس والمرتكزات التي قامت عليها. مؤكدًا على أهمية أن يُنجز ذلك "بسرعة كبيرة كي لا تبقى هناك أوهام على صعيدي علاقاتها الداخلية والخارجية".

وفي الختام، اتفق الكتّاب الثلاثة على أن أكثر ما ميّز الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على مدار ما يزيد عن نصف قرن هو الثبات على الموقف، بتمسكها بالكفاح المسلح كخيار، وبتحرير فلسطين كاملة كهدف.