Menu

الحلقة 13

المسيرة التاريخية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين "قراءة وعرض لوثائق مؤتمراتها حتى المؤتمر السابع"

انطلاقة الجبهة الشعبية غزة المقاومة اكتمال حمد كتائب الشهيد أبو علي مصطفى الانطلاقة أبو علي مصطفى جورج حبش (13).jpg

خاص بوابة الهدف

(في الذكرى الثالثة والخمسين لانطلاقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين؛ تنشر بوابة الهدف الإخبارية، على حلقات متتابعة: كتاب المسيرة التاريخية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (قراءة وعرض لوثائق مؤتمراتها حتى المؤتمر السابع) الذي أعدته الدائرة الثقافية المركزية للجبهة، وصدر منه طبعتين؛ الأولى في آب/أغسطس 2010، والثانية في يوليو/تموز 2014).

الفصل السادس:

 المحطة السادسة: المؤتمر الوطني السادس – تموز 2000

(ح 13)

بعد سبعة أعوام على انعقاد المؤتمر الوطني الخامس و ستة أعوام على انعقاد الكونفرنس الأول، عقد المؤتمر الوطني السادس في تموز 2000 في ظروف ومستجدات سياسية مغايرة – بل ونقيضه في جوهرها-  لظروف ومعطيات المرحلة التاريخية السابقة منذ إعلان الكفاح المسلح الفلسطيني على أثر هزيمة 1967 حتى تاريخ انعقاد كل من المؤتمر الوطني الخامس و الكونفرنس الحزبي الأول ، حيث شهدت الساحة الفلسطينية متغيرات نوعية من منطلق سياسي هابط بدأ – كما أشرنا من قبل – منذ مؤتمر مدريد ومفاوضات واشنطن وصولاً إلى إعلان المبادئ في أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية في تموز 1994 ، وتواصل المفاوضات العبثية بين القيادة المتنفذة في م.ت.ف من ناحية وحكومات العدو الإسرائيلي من ناحية ثانية، وفي هذا المناخ عقد المؤتمر الوطني السادس ، الذي نقدم فيما يلي عرضاً مكثفاً لمحاوره الرئيسية الثلاثة : الخطاب الافتتاحي للرفيق المؤسس القائد الراحل جورج حبش ، و الوثيقة السياسية الصادرة عن المؤتمر، والوثيقة التنظيمية.

أولا: خطاب الرفيق القائد الراحل جورج حبش في افتتاح المؤتمر الوطني السادس:

في هذا المؤتمر، ألقى الرفيق جورج حبش، مؤسس حركة القوميين العرب والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، خطابه الخاص والاستثنائي الذي أعلن فيه تسليم دفة القيادة التنظيمية لرفاقه في المؤتمر، " دون أن يعني ذلك بأيحال من الأحوال الابتعاد عن الجبهة التي أعطيتها عمري ، أو عن العمل السياسيوالمهمات النضالية الأشمل وطنياً وقومياً"[1].

بدأ الحكيم خطابه مستذكراً مسيرة الجبهة الشعبية الطويلة ، ومستذكراً رفاقه الأوائل الذين وهبوا عمرهم في سبيل قضية فلسطين والأمة العربية ، ولكن رغم كل هذه المسافة الزمنية الممتدة بين أيام الشباب وصولاً إلى لحظة الشيخوخة ، وهي مسافة بذل فيها الحكيم قصار جهده دفاعاً عن حقوق وتطلعات شعبنا وأمتنا ، ورغم ذلك – كما قال الحكيم – "وصلت الأمور إلى هذهاللحظة والمرحلة، حيث التراجع والإحباط والتساوق مع المشاريع ( الأمريكيةـالإسرائيلية)"[2]، ومع ذلك–كما أضاف الحكيم-"ورغم كارثية اللحظة وقساوة التحديات، إلا أنني لا زلتأمسك بخيط الأمل، ليس من منطلقٍ عاطفي، وإنما لأنني أدرك طبيعة الصراع، وأدرك أصالةهذا الشعب وهذه الأمة، كما أعرف دروس التاريخ، وبأن الهزائم والإحباط ومهما امتدتزمنياً فإنها تبقى مؤقتة وعابرة، فالشعوب في نهاية المطاف هي صاحبة الكلمة والفصل،وهي قادرة على أن تطلق أحلامها وآمالها مقاومةً وصموداً ودفاعاً عن أهلهاومصالحها"[3].

تناول حديث الحكيم إلى رفاقه في المؤتمر ، سؤالاً أساسياً جوهره ماذا مثلت الجبهة أثناء وجودي كأمين عام لها؟ وأجاب بقوله " لقد مثلت الجبهة وفق حقائق التاريخ والواقع، بتضحياتها، بدماء شهدائها،وصمود أسراها، وعطاء أعضائها، ورؤيتها السياسية، وممارستها النضالية قضية كبيرةتجلت في التفاف قطاعات شعبية واسعة حولها على المستويين الفلسطيني والعربي. فلماذاكان هذا الالتفات، ولماذا احتلت الجبهة هذا المكانة المتقدمة في التاريخ الفلسطينيالمعاصر؟ هل يعود السبب يا ترى إلى شخصية جورج حبش؟ قطعاً الجواب بالنفي. إذن هلالسبب بعض العمليات العسكرية المعينة؟ أم بسبب طبيعة الحياة التنظيمية التي حكمتبنيتها الداخلية؟ أم بسبب طبيعة ومواصفات الكادر الذي شكل نموذجاً مميزاً مقارنةبغيره؟ أم بسبب طبيعة العلاقة مع الجماهير...؟ أم هل يعود ذلك للهوية الفكريةللجبهة، والتي حاولت دائماً الربط الخلاق بين الوطني والاجتماعي، بين المرحليوالاستراتيجي، بين الوطني والقومي؟ أم هل يعود ذلك للتجربة المميزة للجبهة فيممارستها للقيادة الجماعية وإيجادها للمؤسسات الناظمة للعمل؟ أم غير ذلك؟

بعيداًعن التقليل من قيمة وأهمية هذه العوامل المذكورة، إلا أن هناك عوامل أكثر أساسيةوجوهرية، فما هي هذه العوامل؟

ووفق قناعة ورؤية الراحل الحكيم،فإن العامل الأساسي في تميّزتجربة الجبهة الشعبية وخصوصيتها التي نالت كل هذا الإعجاب وهذا الدعم والتأييد،ولعبت كل هذا التأثير فلسطينياً وعربياً ودولياً، يعود بالأساس وبالدرجة الأولى إلىتشابك الخط السياسي الذي مثلته الجبهة مع المشروع الوطني التحرري بالخط القتالي... والسير في خطوات ملموسة في بناء الأداة التنظيمية - الجذع الذي يحمل هذين الفرعين.

ورغم أهمية الخطالعسكري وإستراتيجيته بالنسبة للتجربة النضالية الفلسطينية، إلا أنني أود هناالتأكيد على الخط السياسي. والسبب في هذا التأكيد يعود إلى حقيقتين أفرزتهماالتجربة الفلسطينية المعاصرة.

أن الخط العسكري يأتي في صُلب الخط السياسي، أي أنهجزء مكون من الرؤية السياسية... وبالتالي إذا كانت الرؤية السياسية سليمة وعمليةوثورية فإنها بالتأكيد ستمارس الشكل النضالي الملائم مع تلك الرؤية السياسية.

إنإخفاق الحركة الوطنية الفلسطينية، وارتداد قيادتها الرسمية ممثلة بفريق أوسلو لايعود بالأساس إلى اخفاقها العسكري، أو لغياب كفاحية قواعدها التنظيمية أو الشعبية،وإنما يعود في هذه لمرحلة إلى انهيار الخط السياسي لهذه القيادة، الذي تُوّجبانقلابها على البرنامج الوطني التحرري، وانخراطها في المشروع الأمريكي-الإسرائيلي للتسوية.

أما بالنسبة للخط السياسي التي سارت على أساسه الجبهة ،وأعطاها كل هذا التميّز، فهو يتمثل كما رأى الحكيم بأربعة مفاصل رئيسية.

المفصل الأول:امتلاكالجبهة لرؤية علمية واقعية للعدو وتحالفاته وتبرز قيمة هذا الوعي بصورة أعمق عندمانستذكر حالة الخلط التي رافقت تجارب شعبنا التاريخية على هذا الصعيد، إبانالعشرينات والثلاثينات والأربعينات. لقد طرحت الجبهة وبوضوح شديد فهمها ورؤيتهالمعسكر الأعداء، وكشفت الأسس الاقتصادية والسياسية التي تكمن وراء الحزب المعادي،وبينت خصائص المشروع الصهيوني كمشروع امبريالي استيطاني، كل هذا وسواه أوصلنا إلىاستنتاج محوري مفاده: أن حالة الاشتباك التاريخي بيننا وبين المشروع الصهيونيستتواصل وتستمر بحكم طبيعة التناقض الذي يحكم الصراع، باعتباره تناقضاً تناحرياًحصيلته النهائية: إما نحن أو المشروع الصهيوني.

إن نظرة جدية وعميقة للصراع ولمخططات وممارسات(إسرائيل) وسياستها، تبين جوهر المشروع الصهيوني كمشروع استيطاني عنصري، يستهدفالهيمنة السياسية والاقتصادية على فلسطين والأمة العربية وكل ذلك تحت مظلة عسكريةتستند إلى تفوقها المطلق سواء في الأسلحة التقليدية أو النووية، وبإسناد كامل منالولايات المتحدة الأمريكية. وبهذا المعنى يأخذ حل التناقض التناحري مفهوم حلالصراع على أساس التصفية السياسية للقضية الفلسطينية ولحقوق الشعب الفلسطينيالوطنية والتاريخية وفرض الرضوخ والاستسلام على الأطراف العربية وإجبارها علىالتساوق مع المشروع المعادي والانزلاق فيه.

أننا نعتقد، بالنظر إلى طبيعةالتناقض التناحري ودوام الاشتباك التاريخي،أن المشروع التسووي لا يتعدى إدارةالأزمة دون حل لها ،بما يتيح للتحالف الأمريكي-( الإسرائيلي) تحقيق انتصاراتونجاحات توسعية استعمارية. وبالرغم من كثافة الحملة الإعلامية، العالمية والعربية،والتي تحاول ترويج العملية الجارية على أنها "عملية سلام"، هذه الحملة والتي تجدلها صداً وتأثيراً على شعوبنا العربية، في الوقت التي تثبت فيه حقائق التاريخ، والواقع أن مايجري ليس سلاماً حقيقياً، بل تسوية مؤقتة بالمعنى التاريخي، لأنهاتأتي في ظل التغييرات الدراماتيكية الهائلة التي عصفت بالعالم وبالوضع العربي فيالعقد الأخير من القرن الماضي، كما تأتي في ظل التحولات النوعية التي طالت القياداتالفلسطينية المهيمنة. ولأنها أيضاً تسوية لا تلبي الحد الأدنى من الحقوق المشروعةوالتاريخية لشعبنا وأمتنا، قد تكون الجبهة في سنواتها الأولى ركزت على رؤيتهاالإستراتيجية، ولكن من خلال التجربة التي توصلت إلى أهمية وضرورة الربط ما بينالإستراتيجية والتكتيك السليم، حيث أكدنا باستمرار على الترابط الوثيق بينهما.

المفصل الثاني:رؤية وقناعة الجبهة بضرورة تحشيد الجماهير الفلسطينيةبدون استثناء،وذلك استجابة لطبيعة ومهمات مرحلةالتحرر الوطني، غير أن الجبهة كانت تحرص دائماً على أن تكون قيادة الثورة قادرة علىحشد وتعبئة كل طبقات الشعب،وحتى تتمكن من ذلك فإنها (أي القيادة)، يجب أن تكون معبرة عن تلك المصالح وقادرة عنالدفاع عنها وحمايتها، وهذا غير ممكن عندما تكون القيادة فردية ونخبوية، وتعبر عنمصالح الطبقة البرجوازية الكومبرادورية كما هو حاصل حالياً. من هنا كان تركيزالجبهة على أهمية أن تكون القيادة قادرة من حيث رؤيتها وفكرها وممارستها الطبقيةعلى حماية مصالح وحقوق الشعب.

وعندما كانت الجبهة تشعر بأن قيادة الثورة الرسمية أوالسائدة، تنحو بالثورة باتجاه الانكفاء على مصالحها الضيقة كما هو حاصل الآن، وتجييرالنضال الفلسطيني واستثماره في خدمة الامتيازات والثراء غير المشروع للبيروقراطيةالمهيمنة المتحالفة مع البرجوازية الكومبرادورية ، كانت تتمرد وتثور في مواجهة تلكالقيادة وخياراتها السياسية التفريطية.

وقد استطاعت الجبهة في بعض المراحل أن تلعب دوراً رئيسياً إنلم يكن الدورالرئيسي في فرض التراجع على تلك القيادة وإرغامها بالعودة عن مواقفها،كما حصل بالنسبة لاتفاق عمان في المجلس الوطني التوحيدي في الجزائر.

ولعل أحد أسباب إخفاقاتنا أننا لم نستطع عند اللحظةالمناسبة، أن نكون بمستوى ترجمة هذا الخط الصائب فأضعنا الفرصة التاريخية السانحةلمواجهة انحرافات البرجوازية وخط سيرها المتهافت سياسياً.

وهذا التحدي يتواصلراهناً وتتضاعف قيمته يعد أن أصبحت تلك القيادة تملك سلطة وأجهزة أمنية في أرضالوطن، ومندرجة في مشروع سياسي متساوق مع مخططات وأهداف الاحتلال الاستراتيجية،إضافة إلى تبلور شريحة من السماسرة والوكلاء والمافيا المتحالفة مع القيادةالرسميةالتي أخذت تعزز سلطتها السياسية والأمنية بسلطة اقتصادية تابعة ومرتبطة بالاقتصاد(الإسرائيلي).

المفصل الثالث:ترابط العمل الوطنيالفلسطيني مع العمل القومي العربي؛ والذي يعكس رؤية الجبهة لخصوصية الصراع وموازينالقوى وللبعد القومي كحاضنة للبعد الوطني، أما الصيغة التنظيمية لهذا الترابط فقدشهدت حراكاً دائماً امتد على مساحة التجربة النضالية -حركة القوميين العرب، حزبالعمل، التفكير في جبهات قومية متعددة لقد كان هذا المفصل حاضراً باستمرار في رؤيةالقيادة والكادر والقاعدة، وهو مفصل ميّز باستمرار برامج وسياسات الجبهة ومواقفهادون أن يعني ذلك عدم ظهور أو وجود أخطاء وتقصيرات عديدة رافقت هذه المسيرة فيتجاربها ومحطاتها المختلفة، وخاصة على مستوى الممارسة العملية التي لم ترتق إجمالاًإلى مستوى استحقاق عملية الربط ما بين البعدين الوطني والقومي، من هنا فإن أحد أهمأسباب الهزيمة التي يعيشها شعبنا الفلسطيني الآن يكمن في عدم الإمساك الصحيح بهذهالمعادلة الأساسية في علاقة الوطني بالقومي، الأمر الذي توَج في أوسلو بفصل القضيةالفلسطينية عن عمقها القومي العربي.

المفصل الرابع:البعد الدولي؛ حيث سعت الجبهة نظرياً وعملياً لحشد أوسعإطار دولي لنصرة القضية الفلسطينية إلى جانب بعديها الفلسطيني والعربي، وذلكإدراكاً منها لحجم معسكر العدو وما يملكه من إمكانات. هذا الخط كان يعكس أيضاًرؤيتها لوحدة معسكر الثورة على المستوى العالمي ونتيجةً لهذا الخط شكلت الجبهة وعلىمدار سنوات، عنواناً جاذباً حيث التحق بها المناضلون من مختلف الجنسيات والبلدان. لقد كانت مدرسة ثورية استطاعت إقامة شبكة علاقات تحالفية واسعة النطاق، تتبادلالعون والمساعدة مع حركات التحرر القوى التقدمية والديمقراطية على المستوىالعالمي.

هذه في تقديري أهم العوامل التي جعلت من الجبهة قضية مميزة فيتاريخ الشعب الفلسطيني المعاصر، والآن هل فقدت هذه العوامل صحتها وحيوتها؟ وهلبالإمكان استعادة دور الجبهة ومكانتها بدون إعادة تحديد هذه المفاصل الرئيسية التيميزت خط الجبهة السياسي على مدار سنوات نضالها؟

إنني على قناعة تزداد عمقاً سواءبالمعنى الفكري أو كدروس للتجربة، بأن هذه النواظم تشكل معياراً واختباراً في العمقإذا ما أردنا أن تغادر الجبهة دوائر ركودها وتراجعها وأزمتها نحو الفعل والمبادرةوالتجدد واستعادة ثقة الحركة الشعبية بها وبمشروعها الوطني والقوميالتحرري[4].

وفي سياق خطابه إلى المؤتمر ، حرص الحكيم على استعراض المرحلة السياسية الراهنة محللاً الأوضاع الفلسطينية والعربية ، ومبرزاً لأهم معالمها بقوله " إن الساحة الفلسطينية والعربية فيها خندقان واضحان لمن يريد أنيرى ذلك خندق أمريكا، أي خندق الإمبريالية والصهيونية و(إسرائيل)، ويؤسفني هناالقول أن القيادة الرسمية لـ م.ت.ف قد انضمّت لهذا الخندق بعد اتفاق أوسلو، معإدراكي ووعيي للتناقضات القائمة بين تلك القيادة الرسمية و(إسرائيل)، ولكنهاتناقضات أخذت شكل التعارضات الثانوية، التي يمكن حلها والتعامل معها تحت السقفوالرعاية الأمريكية. وما يزيد الأمر سوءاً أن الاختلال في رؤية حقيقة قوى هذاالمعسكر المعادي أصبح سائداً عند العديد من القوى والأفراد، الأمر الذي يشوه قراءةالتناقضات وإدارة الصراع، ويخلق وعياً مزيفاً ووهماً عاماً بأن الصراع قد انتهى أوأنه على طريق الانتهاء. هذا ما نجد تعبيره في مرادفات الخطاب السياسي السائدوالمهيمن حل النزاع، العملية السلمية، التطبيع، التعايش، إن(إسرائيل) أصبحت نهايةحقيقية في المنطقة، المصالح المشتركة... الخ.

يقابلذلك الخندق الذي يعبر عن مصالح أهداف الجماهير الفلسطينية والعربية، خندق الصمودوالمقاومة، خندق قوى الثورة التي تواصل طريق الحرية والاستقلال لتحقيق أهدافناالعادلة. الخندق الذي يسعى لتحقيق مصلحة كل طبقات الشعب الفلسطيني، الخندق الذييعرف حقيقة (إسرائيل) والصهيونية وحقه في النضال المستمر حتى دحر الصهيونيةبالكامل، الخندق الذي يؤمن يأن الدولة وتقرير المصير والعودة أهداف مرحلية وليسنهاية المطاف أو الصراع، وبالتالي فإنه يواصل النضال لتحقيق الدولة الديمقراطيةالعلمانية، الخندق الذي تؤمن قواه السياسية والاجتماعية، بضرورة أن تكون هذه الدولةالعلمانية جزء من مشروع إقامة المجتمع العربي الجديد، الخندق الذي يقدم حلاًإنسانياً وديمقراطياً للمسألة اليهودية.

صحيح أن هذا الخندق يمرّ في هذه المرحلةمن الضعف والارتباك، ولكن هذا الحال مؤقت كون شعبنا الفلسطيني وجماهير أمتناالعربية تموج بالتناقضات ولن يستطيع أحد خداع أو السيطرة على كل هذه الملايينللأبد.

وهنا خاطب الحكيم المؤتمر قائلاً "هذا الخندق بكل ما له وعليه، يجب أن يكون خندقنا كجبهة شعبية، رغم أننيأدرك جملة الصعوبات التي تعاني منها الجبهة وتعترض مسيرتها، وأعتقد أن مهمّةالمؤتمر الوطني أن يعيد التأكيد على موقع الجبهة في هذا الخندق وأن يرسم شروطاستعادة الجبهة لدورها المبادر والفعّال على هذا الصعيد".

واستطردة قائلاً "بعد هذا التأكيد، لنحاولالآن استقراء المخطط المرسوم من قبل معسكر العدوّ (أمريكا وإسرائيل) للقضيةالفلسطينية بهدف تصفيتها يدرك الحلف المعادي حقائق الواقع، ويدرك حجم وعمق حالةالاختلال التي يعيشها العالم والمنطقة في المرحلة الراهنة، كما يدرك تهافت القيادةالرسمية الحالية لتحقيق أية منجزات في ظل قيادتها ومهما كان الثمن وخاصة تحقيقشظايا دولة إسمية وهمية مع بعض الشكليات (حرس شرف، بساط أحمر، أجهزة أمنالرئاسة..)، المهم أن تُؤَمِّن مصالحها في الهيمنة الاقتصادية كوكلاء الاحتكاراتالأمريكية و(الإسرائيلية)، إنها تسعى بسرعة لبلورة مصالح الطبقة البرجوازيةالكومبرادورية وضمان مكانة متواضعة لها في خارطة الأخطبوط الرأسمالي العالمي كخادموسمسار له. ولهذا فليس من مصالحها الآن الصراع مع معسكر الأعداء،(أمريكا وإسرائيل) الذي يدر بدوره هذه الحقائق كلها، وبالتالي يقول لتلك القيادة حسناً فليكن هناك دولة! هذا نظرياً، أما عملياً فما يحدث هو إعادة انتشار على جزء بسيط من مساحة الضفة وغزةمقطعة الأوصال ودون سوق موحدة مع استمرار قضم الأراضي الفلسطينية".

وهنا، يتساءل الحكيم، عن أيدولة يتحدثون؟ ويجيب قائلاً "لدينا ثلاث قضايا كبرى يجب أن ندقق بها: - الأولى أن هذه الدولة ستكوندولة مقابل التنازل عن أجزاء واسعة من الضفة وغزة بما في ذلك القدس .

- والثانية: هذه الدولةستكون مقابل التخلي عن حقوق أربعة ملايين لاجئ فلسطيني في الشتات.

- والثالثة : هذه الدولةستكون في الواقع بلا سيادة، إنها دولة كاريكاتورية بمعنى أنها لا تملك السيادة علىالحدود فعلياً، ولا تملك الحق في استثمار مواردها الطبيعية وخاصة المياه، ولا تملكالحق في تعزيز قواها الدفاعية، ولا يحق لها إقامة أحلاف لا توافق عليها (إسرائيل)،ولا أيضا أن لا يمس قيام هذه الدولة المشاريع الاستيطانية الصهيونية. إنها مجردمعازل ملحقة بالاقتصاد(الإسرائيلي) وجسر للسلع و الثقافة(الإسرائيليتين) والأمورهنا لا تقرّرها النوايا الحسنة أو براعة المفاوضين أو الألاعيب والمناورات الساذجةإن حسم هذه القضايا مرتبط بموازين القوى.

ثم يستشرف الحكيم، برؤية مستقبلية ثاقبة، المآل الذي ستتوصل إليه القيادة المتنفذة قائلاً : "هذا هو واقع الحال دون رتوش وألوان زاهية، وفي هذاالسياق فإنني أعرف تماما مختلف المناورات التي سيطلقها عرفات لتمويه هذه الحقائقالمرّة والترويج لخياره السياسي باعتباره الممر الإجباري الوحيد" واستطرد قائلاً : "إنني أدرك إمكانيةالمساومة في لحظة ما، ولكن من يخوض في غمار المساومة بقناعة وبرنامج وطني، يجب عليهأن يؤمن باستمرار ويعزّز دائماً عناصر قوّته. ولكنني أعرف، وخندق الثورة يعرف، أنإقامة الدولة وفق السياق الذي أتيت على ذكره جاء لتمرير الصفقة، ويشكل غطاءً لهاذلك مجرد الالتحاق بأوسلو وإلغاء الميثاق وتجويف م.ت.ف وما توالد من أجواء إحباطيةوتشكيك بجدوى النضال وفقدان اليقين وقوة المثال ومحاولة ضرب الذاكرة التاريخية،واستبعاد فصائل العمل الوطني الفلسطيني من قوى وشخصيات وجماهير، وضرب التنسيقالعربي الرسمي في مدريد، والقبول بمرجعية القوة، والرعاية الأمريكية، هو في جوهرهتخلي وضرب للبرنامج الوطني وخذلان للحركة الشعبية وأهدافها الوطنية. الأمر الذي لايمكن تفسيره إلا بأنه انتقال للخندق الآخر"[5].

وفي ختام خطابه التاريخي ، حرص الحكيم على مطالبة رفاقه في المؤتمر، بضرورة "تحديد موقف سياسي صحيح وصريح حولالقيادة اليمينية يقوم على قاعدة الابتعاد عن التذيل لها أو السماح لها باحتواءالموقف الآخر تحت أية ذرائع. مع استبقاء الباب مفتوحاً لأية تقاطعات ميدانيةونضالات مشتركة يجري توظيفها فعلاً بما يخدم المشروع التحرري بعيداً عن المسارالتسووي ونهج السلطة وتكتيكاتها. وفي ذات الوقت الاستمرار بالتحريض الشعبي وتعبئةالجماهير لمواصلة المشروع التحرري، فهدف التسوية الجارية تدمير الأهداف الوطنيةالفلسطينية لا تحقيقها كما يجب رؤية المتغيرات الجارية نحو فرض الشرق أوسطية بإقامةالعلاقات القائمة على نهب الثروات وفرض التبعية، وخاصة بين( إسرائيل) بإمكاناتهاالسياسية – الاقتصادية – التكنولوجية، وبين الأردن ومناطق السلطة الفلسطينية، حيثتتطلع الأولى لمزيدٍ من النهب والتوسّع وشراء أسهم الشركات وتصدير سلع تكنولوجية،ناهيكم عن إتمام التطبيع الاستسلامي الذي يرى في( إسرائيل) جاراً طيباً وفي أمريكاًصديقاً للعرب، وفي التوسّعية (الإسرائيلية )علاقات تجارية...إلخ؛ الأمر الذي يقتضيمنا بناء وتوحيد أداتنا التنظيمية - السياسية والارتقاء بها إلى المستوى الذييمكنها من أن تكون قادرةعلى ترجمة هذه الشعاراتالسياسية"[6].

في هذا المناخ المفعم بالمشاعر الذاتية والموضوعية الصادقة تجاه القائد المؤسس ، إلى جانب المناخ السياسي العام الزاخر بالمتغيرات والتراجعات السياسية الخطيرة التي أصابت الأوضاع العالمية والإقليمية والعربية ، خاصة القضية الفلسطينية في ظل هيمنة التحالف الإمبريالي الصهيوني المعولم،  استكملت الجبهة عقد مؤتمرها الوطني السادس ، الذي أصدر وثيقتين هما: الوثيقة السياسية بعنوان " نحو رؤية سياسية جديدة للمرحلة" ، والوثيقة التنظيمية بعنوان "نحو رؤية تنظيمية جديدة" .

 


[1]نص كلمة المؤسس القائد الراحل جورج حبش في المؤتمر الوطني السادس .

[2]المصدر السابق.

[3]المصدر السابق .

[4]المصدر السابق .

[5]المصدر السابق .

[6]المصدر السابق