Menu

مجلة الهدف تحاور أ.جميل سرحان

الانتخابات الفلسطينيّة.. استحقاقٌ وطني أم فرصة للتغوّل على السلطة القضائيّة

أحمد نعيم بدير

أ.جميل سرحان

غزّة _ خاص بوابة الهدف

عادت الانتخابات إلى الواجهة الفلسطينيّة من جديد بعد قرابة 14 عامًا من الانقسام الفلسطيني، لتشكّل فرصةً جديدة للرئيس محمود عبّاس لاستغلالها وإحكام سيطرته على القضاء الفلسطيني بثلاث قراراتٍ جديدة استنكرها فقهاء القانون على الفور، لا سيما وأنّها جاءت كمخرجٍ لما يُطبخ في الغرف السوداء، وليقضي عبّاس على ما تبقى من القضاء الفلسطيني النزيه.

عدّة جهاتٍ قانونيّة رأت أنّ هذه القرارات الجديدة تكرّس تبعيّة القضاء للرئيس عباس وهيمنة رئيس المجلس القضائي على المجلس والقضاة والقضاء بشكلٍ عام، ما يعني تحطيم إمكانية البناء المؤسّسي السليم والصحّي للمجلس القضائي كدرعٍ حامٍ لاستقلال القضاة وحماية الحقوق والحريّات.

في هذا السياق، ولتشخيص الأمورِ ووضعها في سياقاتها القانونيّة السليمة، حاورت "مجلة الهدف" نائب مدير عام الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان الأستاذ جميل سرحان، الذي رأى في بداية حديثه أنّ "السلطة القضائيّة من المفترض أن تكون سلطة مستقلّة، وينبغي على السلطة الفلسطينيّة إتاحة المجال وتقديم كل ما يلزم لضمان استقلاليّة السلطة القضائيّة، وعلى رأس ذلك عدم تدخّل السلطة التنفيذيّة في الشأن القضائي، وهذا ما خالفته السلطة التنفيذيّة والرئيس من خلال إصدار قرارات بقانون تشكّل في مجموعها تدخلاً واضحًا في الشأن القضائي".

وبيّن سرحان أنّ بداية هذا التدخّل كان قبل عامين عندما أصدر الرئيس قرارًا بقانون تم بموجبه حل مجلس القضاء الأعلى وتعيين مجلس قضاء انتقالي وهذا تدخّل جسيم وتغيير في نمط إدارة مرفق القضاء وعزل للقضاة وقيادتهم من جهةٍ أخرى، وتم تعيين رئيس مجلس قضاء أعلى جديد من القضاة المتقاعدين يبلغ من العمر أكثر من 80 عامًا، أي يتجاوز السن القانوني، وعقب ذلك أصدر هذا الرئيس الجديد مجموعة من القرارات تشكّل جميعها جزءًا من المساس بمكانة  القضاء، مثل: انتداب قضاة، نقل قضاة آخرين، إحالة قضاة للتقاعد، وهذا بالتأكيد أضعف قوّة القضاء وشكّل حالة من حالات الهيمنة عليه.

 

وتابع سرحان: "الأسبوع الماضي صدرت ثلاثة قوانين، القانون الأوّل قانون يقضي بتعديل قانون السلطة القضائيّة، ومنذ اللحظة الأولى كنّا ندرك كمؤسّسات حقوقيّة ونقابة المحامين أنّ هناك إجراءات جدّية لتعديل هذا القانون وطالبنا مرارًا بعدم تعديله لأنّه يستوفي الضمانات القانونيّة لحماية السلطة القضائيّة ومتكامل والمشكلة في تطبيقه وليس في القانون نفسه، والقانون الثاني هو قانون المحكمة الإداريّة الذي يتم بموجبه تشكيل محاكم إداريّة وسيّعيّن الرئيس جميع قضاة هذه المحكمة بكافة هيئاتها، و"لا نرى أي ضرورة لهذه المحاكم، عدا عن ذلك فإنها ستُساهم في زيادة الأعباء الماليّة على الخزينة العامة، وتعمل على تشكيل قضائي واختيار لقضاة دون الطريقة التي نتمناها، حيث سيختارون قضاة وفق منهج ورؤية الجهات التنفيذيّة فقط، وبالعادة يعيّنون أعوانهم وأعوان أعوانهم، وفي هذه الحالة كيف سنصل إلى قضاء مستقل بهذه الطريقة؟ أما القانون الثالث فهو قرار بقانون بشأن تشكيل المحاكم النظامية، ويتم من خلالها المساس بالقضاء ومكانته ليتوافق مع التعديلات سابقة الذكر.

تغوّل غير مسبوق على السلطة القضائيّة

وتساءل سرحان خلال حديثه "لماذا الآن كل هذا التسارع في هذه الخطوات والتعيينات الخاصة بالقضاء؟ وهذا الأمر يجب أن يُطرح من قِبل القادة السياسيين في حوارات القاهرة خلال الأيّام القادمة، ويجب أن يتساءلوا: لماذا تم إصدار تلك القوانين، وقرار آخر يقضي بتعيين السيّد عيسى أبو شرار كرئيسٍ دائمٍ لمجلس القضاء الأعلى وهو بعمر 85 عامًا؟ وشدّد على أنّ "جميع هذه القرارات الجديدة تشكّل مُخالفة واضحة للقانون وللقواعد الدستوريّة التي تنظّم عمل السلطة القضائيّة ومُخالِفة لقانون السلطة القضائيّة، وجميعها كانت قرارات بقانون من قِبل الرئيس، وغالبيّتها غير دستوريّة، فمثلاً قرار بقانون لتعديل وتغيير قانون السلطة القضائيّة، بموجب هذا القانون اتخذ الرئيس إجراءات مثل ما أسماه بجواز الإحالة إلى التقاعد، وما أسماه باستيداع للقضاة، وما أسماه فترة تجربة في تعيين القضاة، وهذه القرارات في حقيقتها تخالف مبدأ عدم جواز عزل القاضي، إذا كان القاضي معرّض للعزل والنقل والإحالة للتقاعد من قِبل السلطة التنفيذيّة إذًا نتحدّث عن حالة إخضاع للقضاة".

وأوضح سرحان أن القرار بقانون المعدّل لقانون السلطة القضائية، والقوانين الجديدة بشأن تشكيل المحاكم النظامية والمحاكم الإدارية، انطوت على نصوص تشريعية من شأنها المساس بشكل جوهري باستقلال القاضي الفرد، وجردت القضاة من أهم ضمانات استقلالهم، لا سيما إهدارها لمبدأ عدم قابليتهم للعزل، والذي أحاطهم به القانون الأساسي المعدل لسنة 2003 وتعديلاته، وقانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002، كي يضطلعوا بمسؤولياتهم الدستورية في حماية حقوق الإنسان وصون حرياته. فالقضاء هو ملاذ الأفراد الأخير في مواجهة السلطات العامة، وهو لا يكون كذلك إلا إذا كان القضاة مستقلين، وأكد أن ذلك لن يتحقق إلا بتوفير ضمانات تحميهم من أن يعزلوا بدون مبررات قانونية مشروعة ووفق ضمانات إجرائية وموضوعية واضحة، وهو ما أهدره القرار بقانون المعدل لقانون السلطة القضائية، حيث إنه سمح بعزل القضاة واحالتهم للتقاعد أو الاستيداع، بموجب إجراءات لا توفر ضمانات كافية ضد التعسف في استخدام السلطة من قبل المجالس القضائية.

وتابع: "إنها تؤسس لقضاء إداري غير مستقل، وتابع للسلطة التنفيذية، على نحو يهدد حقوق الأفراد وحرياتهم، ويظهر ذلك بشكل جلي في انفراد رئيس الدولة في أول تعيين لرئيس ونائب رئيس المحكمة الإدارية وقضاتها، وانفراده في تعيين نائب رئيس المحكمة الإدارية العليا وقضاتها، على نحو يشبه تشكيل المحكمة الدستورية العليا قبل أربع سنوات، والتي أثار أداؤها شكوكًا كبيرة حول استقلالها".

أما عن الانتخابات وعودة المجلس التشريعي لمُمارسة مهامه، هل تُشكّل عودة المجلس معالجة للثغرات القانونيّة المتعلّقة بالتشريع والتعيينات والمصادقة عليها؟ في هذا الإطار أوضح سرحان أنّه بمُجرّد انتخاب مجلس تشريعي جديد سيتم إعادة عرض القرارات جميعها بقانون الصادرة عن الرئيس الفلسطيني وجميع القوانين الأخرى الصادرة عن كتلة التغيير والإصلاح في غزّة على المجلس الجديد ليعمل على مراجعتها، وبعد ذلك إمّا إقرارها، وإمّا تعديلها، أو إلغائها، وسيتم تصويب كل هذه المشاكل شكليًا، لكن من حيث الجوهر هناك مراكز قانونيّة تغيّرت، خاصةً ونحن نتحدّث عن استمرار سريان هذه القوانين لفترات طويلة أي لقرابة 15 سنةً من الانقسام، ما صنع مراكز قانونيّة ومتغيّرات جديّة ليس من السهل إعادة تصويبها وتعديلها"، مُؤكدًا في ذات السياق أنّ "الأمر ليس مستحيلاً، لكنّه بحاجة إلى جهد كبير وإرادة سياسيّة".

استغلال واضح لحالة الانقسام

ولفت سرحان إلى أنّ إصدار القرارات بقوانين في الضفة وغزّة عمّق كثيرًا من الانقسام الفلسطيني، وأضاف: "دائمًا نؤكّد أنّه طالما لا يوجد مجلس تشريعي منتخب فليس من الضروري إصدار قرارات بقوانين أو تشريعات كثيرة إلّا في حالة الضرورة القصوى التي لا يمكن الانتظار بشأنها وتستوجب التعجيل في إصدار قرار بقانون وهذا موجود في نص المادة (43) من القانون الأساسي الفلسطيني التي نصّت على أنّه "يحق لرئيس السلطة الوطنيّة في حالة الضرورة والاستعجال والمسائل التي لا يستوجب التأخير بشأنها إصدار قانون، ويتم عرضها على المجلس التشريعي في أول جلسة قادمة"، بالتالي ما حدث ويحدث اليوم هو استغلال لحالة الانقسام الموجودة وتم إصدار قرارات بقانون أو قوانين في غزّة لا حاجة لها.

الأزمة دستوريّة أم قانونيّة؟

يرى سرحان أنّ "الأزمة مركّبة وفي كل الاتجاهات، ولكن على رأسها الإرادة السياسيّة التي تتفرّد بنظام الحكم وتُحاول أن تستخدم كل أدوات الحكم لتتمكّن من هذه الفرديّة، والمسؤوليّة متعدّدة نعم، إلّا أنّ الإرادة السياسيّة المتفرّدة بالقرارات هي المشكلة الأساسيّة في المجتمع الفلسطيني التي تسعى لاستخدام كل الأدوات بما في ذلك القوانين كأداة لتمرير أفكارها ووجهات نظرها ومواقفها، ومن المفترض أن نسعى إلى تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث؛ لأنّ هذا المبدأ سياسي، ولكن تطبيقاته قانونيّة، ويجب منح كل سلطة من السلطات الثلاثة إمكانيّة العمل وفق اختصاصها دون التدخّل في شؤون السلطة الأخرى وفق القانون الأساسي والنظام الداخلي للمجلس التشريعي، ويجب أن يؤدي القضاء كل مهامه بشكلٍ مستقل وبقدرة على حسم جميع النزاعات حتى تلك التي تكون الدولة أو السلطة طرفًا فيها، أي تنفيذ وتطبيق القانون على الجميع دون أيّة تدخّلات ويكون القضاء قادرًا بمعنى الكلمة على إعادة الحقوق إلى أصحابها".

وأضاف سرحان أيضًا، أنّ "هناك مشكلة حقيقيّة بشأن الفصل بين السلطات في قطاع غزّة والضفة المحتلة على حدٍ سواء، فمثلاً من يُدير الواقع في القطاع هي المرجعيات السياسيّة ل حركة حماس ، وفي الضفة الرئيس عبّاس هو من يُدير الواقع، وما رأيناه حول السلطة القضائيّة دليلٌ على ذلك".

تقييم واقع حقوق الإنسان

أكَّد سرحان أنّ الهيئة المستقلة سجّلت خلال العام الماضي 2020 أنماطًا متعدّدة من انتهاكات حقوق الانسان، وقال: "تلقينا 2049 شكوى، بواقع 759 في قطاع غزة، و1290 في الضفة الغربية، من بينها 156 شكوى من مواطنين يدّعون تعرّضهم للتعذيب على يد الأجهزة الأمنيّة، بلغت 99 شكوى في الضفة و57 في القطاع، وتلقينا 86 شكوى حول انتهاك الحق في حرية الرأي والتعبير، بواقع 28 شكوى في قطاع غزة، و58 في الضفة الغربية، تضمنت 19 شكوى لصحفيين ونشطاء تعرّضوا للاحتجاز أو تقييد العمل الصحفي، إضافة إلى 29 شكوى من مواطنين تم احتجازهم أو الاعتداء عليهم أو قمعهم على خلفيّة التجمّع السلمي، وعلى خلفيّة الحق في تشكيل النقابات، وكل هذا يدلّل أنّ هناك انتهاكات متكرّرة ومستمرة من السلطة في الضفة ومن حركة حماس في قطاع غزّة".

وأضاف: "نحن كمؤسّسات حقوقيّة نسعى لتلقي الشكاوى من أجل انصاف هؤلاء الضحايا، ونسعى أيضًا لنشر التوعيّة من جهةٍ ثانية، ومن جانبٍ آخر نسجّل ونتابع ونعد الدراسات والتقارير وتقصي الحقائق بشأن كل هذه الانتهاكات، والهيئة المستقلة تعمل على تدريب المُكلفين بإنفاذ القانون، وهم: رجال الشرطة والأجهزة الأمنيّة يتم تدريبهم على احترام حقوق الإنسان ومعايير استخدام الأسلحة وضرورة احترام الإجراءات أثناء القبض والتفتيش، وضرورة احترام حرية الرأي والتعبير، وأيضًا يتم تدريب القضاة والنيابة العامة بهدف احترام حقوق الإنسان، وخاصة في أوضاع الطوارئ الحاليّة ارتباطًا بجائحة كورونا".

العلاج بالعقليّة الأمنيّة مستمر.. ما السبب؟

وشدّد سرحان على أنّ "توعيّة رجال إنفاذ القانون هي عملية تراكميّة من أجل تغيير الواقع، وبالتأكيد تقلّل من الانتهاكات وتُنهي بعض التجاوزات، ولكنّها لا تصل للحد المطلوب، وإنهاء الانتهاكات بشكلٍ تام يحتاج إلى جهد تراكمي ودور متكامل من الجميع، حتى الفصائل الفلسطينيّة التي لاحظنا خلال العام الماضي أنّها أصدرت مواقف وبيانات تجاه أغلب انتهاكات حقوق الإنسان، وجزء من هذه الفصائل تتدخّل في حل الكثير من الإشكاليات بشكلٍ مباشر، ونتمنى المزيد من مواجهة انتهاكات حقوق الإنسان ودور أكبر للتصدي لتغوّل السلطة التنفيذيّة على السلطة القضائيّة".

الاحتلال وهيمنته على الأرض والسكّان

حول تحكّم الاحتلال الصهيوني بكل موارد شعبنا الفلسطيني من خلال هيمنته على الأرض والسكّان بفعل ما أتاحته اتفاقيات "أوسلو" وملحقاتها من صلاحيات لهذا الاحتلال، هل من إجراءاتٍ قانونيّة يجب اتباعها للتخلّص من التحكّم الاحتلالي؟ في هذا الإطار لفت سرحان إلى أن هناك دورًا أساسيًا يقع على عاتق الكل الفلسطيني للخروج من التزامات أوسلو التي لم تحقّق الهدف المراد منها وهو الدولة الفلسطينيّة، إذًا ينبغي أن نفكّر جميعًا كيف نخرج من هذه الالتزامات وقانونيًا؟ نؤكد أنه وفق معايير القانون الدولي، فإن الضفة الغربيّة وقطاع غزة ما تزال أراضي محتلة، وتنطبق عليها اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية السكان المدنيين في ظل الاحتلال، وبموجب هذه الاتفاقية، فإن الاحتلال الاسرائيلي هو المسؤول عن توفير المعيشة المناسبة وتوفير الحق في العمل والحق في الصحة والحركة والتنقّل، لأنّه الجهة التي تفرض سلطتها علينا جميعًا، حيث لا تنتفي مسؤوليّة الاحتلال بأوسلو، أمّا من الزاوية السياسيّة فعلى الفصائل أن تبحث بشكلٍ جدّي عن البديل السياسي لأوسلو وكيف سيستطيعون تفعيل جميع الأدوات من أجل مواجهة أو حتى الخروج من أوسلو.

لا لأي هدنة مع الاحتلال

وتابع: "نحن كقانونيين لدينا وسائل متعدّدة تتعلّق بالعمل النضالي، أولاً نقوم بنشر وفضح جرائم الاحتلال الذي يقتل أبناء شعبنا يوميًا على الحواجز، وفضح جرام القتل وإطلاق النار والاعتقالات، وتقييد حريّة الحركة والتنقّل، وثانيًا من أهم مهمّاتنا إظهار الزوايا والثوابت القانونيّة للحق التاريخي في فلسطين، وهذه الزوايا بمثابة ثوابت قانونيّة لا تقبل أي معادلة توازن، والثابت الأوّل هو أنّ فلسطين من بحرها إلى نهرها مملوكة للشعب الفلسطيني وهم أصحاب الحق الأصليين، لكن أهل السياسة لهم توازناتهم الخاصّة ومعادلاتهم، لكن لدينا لا يمكن القبول بشيء دون آخر، أمّا الثابت القانوني الثاني هو حق تقرير المصير، ونؤكّد على الحق في استخدام كافة الوسائل وكافة أشكال النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي مع احترام القانون الدولي الإنساني، مثل مراعاة القواعد الخاصّة بالمصابين، واستخدام الشارة الواجبة عند تنفيذ العمليات، وعدم استخدام الأسلحة المحرّمة دوليًّا"، مُؤكدًا أنّ موقفنا القانوني مُغاير تمامًا للفصائل عندما تتحدّث عن هدنة مع الاحتلال، لعدم جواز تقييد المواطنين الخاضعين للاحتلال عن ممارسة حقوقهم الطبيعية الموهوبة لهم بالفطرة، الرافضة للاحتلال ومقاومته حتى تحرير أرضهم.

وقال سرحان إنّ المهمة الثالثة الواقعة على عاتق مؤسّسات حقوق الانسان، هي أن نكون بمثابة المستشار القانوني لكل السياسيين وللحكومة هنا وهناك، ونقدّم ملاحظات واستشارات لعلّ أهمها بشأن مُقاضاة ومُحاسبة قادة الاحتلال على جرائمهم في محكمة الجنايات الدوليّة؛ دورنا أن نفتّح الأذهان حول ضرورة اللجوء لهذه المحكمة، ونُساعد في إعداد الدعاوى ونوضّح ما هي الأدوات القانونيّة المستخدمة، وكيف نخوض نضالنا القانوني".

لجنة متابعة إجراءات محكمة الجنايات تعمل موسميًا

وفيما يتعلّق بالمؤسسة الرسميّة الفلسطينيّة ودورها في تفعيل الانضمام لمحكمة الجنايات، أشار سرحان إلى أنّ السلطة شكّلت لجنة وطنيّة لمتابعة وتفعيل الانضمام إلى المحكمة ومتابعة إجراءاتها، بموجب مرسوم رقم (3) لسنة 2015م، يقضي بتشكيل اللجنة الوطنية العليا للمتابعة مع المحكمة الجنائية الدولية، التي تشكلت بموجبه من أربعين شخصيّةً فلسطينيّةً، برئاسة الراحل د.صائب عريقات، وعضوية ممثلين عن اللجنتين التنفيذيّة للمنظمة والمركزيّة لحركة فتح، وقادة الأجهزة الأمنيّة، وممثلي وزارات وهيئات حكوميّة، ووزارة الخارجيّة الفلسطينيّة وممثلين عن المؤسسات الحقوقيّة، والفصائل الفلسطينية، مبينًا أن فلسطين تقدّمت بعدد من الشكاوى إلى المدّعية العامة لمحكمة الجنايات الدوليّة، وقد تم فتح تحقيق أولي والإجراءات لا زالت مستمرة، ولكن في المقابل واجهت هذه المحكمة ضغوطًا كبيرة لدرجة أنّه تم اعتبار بعض موظفيها وبعض القضاة فيها كجزء من قوائم الإرهاب الأمريكيّة.

 وأضاف: "لا بد من استكمال الجهد القانون تجاه هذه المحكمة وتوفير كافة التسهيلات لإجراء تحقيقاتها الأوليّة، وعدم استخدامها وكأنها بمثابة أداة سياسيّة تتحرّك بشكلٍ موسمي وتعمل ببطء شديد جدًا، وبحاجة ماسّة إلى إعادة تفعيل، ومنذ قبل وفاة عريقات بعام وحتى اللحظة لا نعلم أي شيء عن هذه اللجنة وهي طي النسيان"، مُشددًا على ضرورة إعادة تفعيل هذه اللجنة وإدارتها بعيدًا عن تكرار التجربة السابقة.

وحول العدو الصهيوني الذي دأب إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكيّة وبعض الدول الأوروبيّة إلى وصم نضال شعبنا الفلسطيني بـ"الإرهاب"، رأى سرحان أنّ وجود بعض الفصائل الفلسطينيّة على قوائم الإرهاب الأمريكيّة أو قوائم الإرهاب الأوروبيّة هو عنوان سياسي وليس قانوني، ولأغراض سياسيّة فقط تم إدراج هذه الفصائل على قوائم الإرهاب، ونؤكّد أنّ جميع هذه المنظمات تحصل على قوام شعبي وتأييد جماهيري يمكّنها من مواصلة نضالها ضد الاحتلال، في حين أنّ العالم كله لم يصل حتى الآن إلى تعريف دقيق وواضح لمعنى الإرهاب، أي كل جهة تستخدم هذا التعريف والتعبير لتمرير مصالحها، ونحن لا نرى الإرهاب إلّا ما تقوم به دولة إسرائيل ومساندة الولايات المتحدة الأمريكية لحالات القتل التي تُمارسها إسرائيل، وإدراج الفصائل الفلسطينية إلى قوائم الإرهاب هو قرار خاضع لضغوطٍ سياسيّة أمريكيّة وإسرائيليّة، ويجب رفع هذا الوسم عن الفصائل بشكلٍ مطلق.

إصلاح منظّمة التحرير

هل هناك قدرة لبناء نظام سياسي كفيل بتحقيق تمثيل ديمقراطي ومشاركة سياسيّة تكفل حق الشعب الفلسطيني في نضاله لمواجهة العدو الصهيوني وتحرير أرضه ووطنه؟

شدّد سرحان أنّ "الإطار والناظم القانوني للشعب الفلسطيني هو منظمة التحرير الفلسطينيّة، وعلى الجميع أن ينضم لعضويّة هذه المنظمة، وعلى المنظمة نفسها أنّ تُعيد بناء نفسها؛ من حيث ضمان مشاركة أوسع وضمان قيادة جماعيّة أكثر دقّة، وضمان إدارة مال عام وإدارة مشروع وطني بشكلٍ أفضل، لأنّ منظمة التحرير هي قوّة التمثيل الحقيقي، بالتالي نحن بحاجة إلى إعادة قانونيّة للمنظومة الفلسطينيّة لكي تعيد تنظيم العمل الموحّد وتحديد الوسائل النضاليّة وبناء السفارات والممثليات التابعة للمنظمة لتحقّق الهدف المرجو منها". 

تقرير مصيرنا أولًا

وفي ختام حوارنا مع الأستاذ جميل سرحان، وجّه كلمة لشعبنا الفلسطيني في الأرض المحتلة وفي كافة أماكن تواجده، إذ عبَّر في البداية عن شكره لمجلة الهدف التي تشكّل أداة إعلاميّة وصوتًا حرًا كجزءٍ من حرية الكلمة والرأي والتعبير، والتي ينبغي أن نُحافظ عليها، مُؤكدًا أنّ على شعبنا "السعي وفق مبادئ وقواعد مُحدّدة، والابتعاد عن أيّة استثناءات، والتركيز على أنّ الهدف القانوني لنا جميعًا هو تقرير مصيرنا وإقامة دولتنا على أساس احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون وتوفير كل الحريات المطلوبة والفصل بين السلطات، وهذه رؤيّة كل وطني حر في دولة فلسطينيّة مستقلّة وعاصمتها القدس ".