Menu

نحو استخلاص الدروس في الذكرى 53 لمعركة الكرامة الخالدة

عليان عليان

تصادف هذه الأيام ذكرى معركة الكرامة الخالدة التي سجل فيها الجيش العربي الأردني بالتلاحم مع المقاومة الفلسطينية، انتصاراً حاسماً على جحافل قوات العدو الصهيوني التي كانت منتشية بالحسم العسكري الذي حققته في حرب عام 1967.

جاءت تلك المعركة لتضع حداً لمقولة "الجيش الصهيوني الذي لا يقهر"، ولتؤكد زيف هذه المقولة التي طالما رددها العدو، في محاولة بائسة ويائسة منه لزرع اليأس في روح ووجدان الأمة العربية.

دروس معركة الكرامة

لقد جاءت تلك المعركة الخالدة، التي امتزج فيها الدم الأردني بالدم الفلسطيني لتؤكد على جملة دروس، لا بد من تمًثلها في المرحلة الراهنة:

أولاً: أن الوحدة الوطنية ووحدة الدم على أرض المعركة، هي العامل الحاسم في تحقيق الحشد والتعبئة ضد العدو الصهيوني، وضد بقية أطراف التحالف الإمبريالي، وهي الشرط الضروري لخلق الحاضنة الجماهيرية للفعل المقاوم بشقيه الكلاسيكي والشعبي.

ثانيا: أن خيار المقاومة والمواجهة هو الخيار الوحيد والمجرب القادر على إلحاق الهزيمة بالعدو الصهيوني، عبر تحقيق سلسلة من الانتصارات التكتيكية التي تصب في تحقيق الأهداف الاستراتيجية وعلى رأسها تحرير فلسطين، ودحر الاحتلال الصهيوني الإمبريالي عن الأرض العربية المحتلة.

ثالثاً: أن خيار المواجهة في الكرامة الخالدة، شكل مقدمةً وحافزاً لمجمل الانتصارات اللاحقة في حرب تشرين 1973، وفي معارك ومواجهات الانتفاضتين الأولى والثانية وفي هزيمة الاحتلال في جنوب لبنان عامي 2000 و2006، وفي إفشال العدوان الصهيوني المتكرر على قطاع غزة عام 2008 ، 2012 ، 2014 ، 2020مٍ.

رابعاً: أكدت معركة الكرامة الخالدة بمفاعيلها الممتدة حتى اللحظة الراهنة، بؤس الرهان على خيار التسوية والتطبيع، الذي لم يحرر أرضاً، ورهن القرار العربي والسيادة في العديد من الدول العربية للإملاءات الصهيو-أميركية.

لقد شكلت معركة الكرامة الخالدة، محطة بارزة للصمود والمقاومة والانتصار، ورداً على نكسة  عام 1967، نقول نكسة وليس هزيمة، لأن الأمة وقواها القومية والتقدمية بقيادة خالد الذكر جمال عبد الناصر، لم تسلم في حينه بنتائج الحرب، ورفضت الاستسلام لشروط العدو ، وبدأت تعد العدة لجولات جديدة لتنهي الآثار المأساوية، التي نجمت عن تلك الحرب  وفي الذاكرة حرب الاستنزاف التي ألحقت بالعدو خسائر بشرية هائلة التي ترافقت مع وضع خطط ( جرانيت) الخاصة بعبور قناة السويس،  لتحرير الأراضي المحتلة عام 1967 بالتنسيق مع القيادة السورية آنذاك.

معركة الكرامة أعادت الاعتبار لثقة الأمة العربية بنفسها

لقد أعادت معركة الكرامة الخالدة، اعتبار الأمة العربية لنفسها، والثقة بقدراتها، حين التحمت المقاومة الفلسطينية مع الجيش العربي الأردني في خندق واحد، وتمكنا بكل كفاءة واقتدار من افشال الهدفين الرئيسيين، من العدوان الصهيوني، ألا وهما احتلال المزيد من الأراضي الأردنية (الأغوار ومرتفعات السلط)، والقضاء على ظاهرة المقاومة الفلسطينية.

ولا تقل معركة الكرامة في أهميتها، وفي لحظتها التاريخية آنذاك، عن معركة السويس عام 1956، فإذا كانت معركة السويس قد أنهت وإلى الأبد الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس، فإن معركة الكرامة حطمت ولأول مرة أسطورة التفوق الزائفة للجيش الصهيوني، تلك الصورة التي ترسخت في أذهان الامة جراء نكسة عام 1967، وبالتالي كانت الكرامة فاتحة لانتصارات عديدة لاحقة، في حرب تشرين 1973وفي جنوب لبنان عامي 2000، 2006، وفي انتصار إرادة المقاومة في  قطاع غزة عبر إفشال أهداف الحروب العدوانية الصهيونية على قطاع غزة في الأعوام 2008 ، 2012 ، 2014، 2020  .

عشية معركة الكرامة، صرح وزير الحرب الصهيوني آنذاك موشي ديان، أثناء قيادته لقواته في منطقة أريحا قائلاً: "غداً سأكسر المقاومة، كما أكسر هذه البيضة، التي في يدي"، لكن نتيجة المعركة، كانت على عكس ما تبجح به ديان، حيث انكسرت شوكة قواته علي أيدي رجال المقاومة الفلسطينية وأبطال الجيش العربي الأردني، في ملحمة أسطورية سيظل يخلدها التاريخ بحروف من نور، حين رجع العدو الصهيوني يجر أذيال الهزيمة دون أن يتمكن من سحب العديد من آلياته ودباباته التي جرى احضارها، إلى ساحة المدرج الروماني في عمان، لتكون شاهداً حياً على هزيمة العدو، وعلى انتصار ارادة المقاومة عند أبناء الامة.

لقد اعترف العدو الصهيوني، بهزيمته في تلك المعركة، وفي الذاكرة ما قاله رئيس أركان جيش العدو آنذاك حاييم بارليف "بأن اسرائيل فقدت في هجومها، على الأردن آليات عسكرية، تعادل ثلاثة أضعاف ما فقدته في حرب حزيران"، كما وصف قائد مجموعة القتال الاسرائيلية، المقدم أهارون بيليد المعركة بقوله "لقد شاهدت قصفاً شديداً عدة مرات في حياتي، لكنني لم أر شيئاً كهذا من قبل، لقد أصيبت معظم دباباتي في العملية ما عدا اثنتين فقط".

 الوفاء لشهداء الكرامة بالتأكيد على خيار المقاومة

إن إحياء ذكرى هبة يوم الأرض ومعركة الكرامة، والوفاء لدماء شهداء الأرض والكرامة يتطلب ما يلي:

1- مغادرة خطاب التسوية البائس، بعد أن أثبتت الحياة والتجربة الملموسة بؤس الرهان على هذا الخيار الذي جر الويلات على شعبنا وضرب وحدته وشكل غطاءً لتهويد الأرض والمقدسات.

2- إعادة الاعتبار لخيار المقاومة بكافة أشكالها وعلى رأسها الكفاح المسلح الفلسطيني.

3- التأكيد على الوحدة الوطنية الفلسطينية على قاعدة برنامج المقاومة، وليس على برنامج المفاوضات المستند إلى الاعتراف بإسرائيل ونبذ المقاومة والتغني البائس بالشرعية الدولية.

4- إعادة الصراع مع العدو الصهيوني إلى مربعه الاستراتيجي الأول في أنه كان ولا يزال وسيظل صراع وجود وليس صراع حدود، وأن سمة هذا الصراع تناحرية وبامتياز.

5- التأكيد وباستمرار على العمق العربي للقضية الفلسطينية، وأن معركة تحرير فلسطين بالبعد الاستراتيجي الحاسم، معركة عربية قومية، خاصة وأن الأطماع الصهيونية تتجاوز فلسطين إلى عموم الوطن العربي.