Menu

مانديلا والكورونا والملكية الفكرية!

هاني حبيب

نشر في العدد 24 من مجلة الهدف الرقمية

من منّا لا يتذكّر المناضل الأسطوري نيلسون مانديلا الذي واجه العنصرية بشتى أشكالها ووقف مع حقوق الإنسان وقضايا التحرّر من العبودية والاستعمار على خارطة العالم، إلّا أنّ القليل منّا ربما لا يعرف نضاله ضد منظمة التجارة الدوليّة واحتكار الملكية الفكريّة، عندما تفشى وباء الإيدز في القارة الأفريقيّة خلال تسعينيات القرن الماضي، عندما تمكّن مانديلا من الحصول على علاجات ولقاحات ضد هذا الوباء بأسعارٍ رخيصة في متناول الفقراء، الأمر الذي كان من شأنه توجيه دعاوى قضائية ضد دولة جنوب إفريقيا وضد نيلسون مانديلا شخصياً كرئيسٍ لها بصفته المدعى عليه الرئيسي وذلك من قِبل 39 شركة أدوية احتكرت اللقاحات الخاصة بالإيدز ووضعت لها أسعاراً تفوق بكثير قدرة المصابين في دول العالم الثالث من الحصول على هذه الأدوية واللقاحات، ولم يكن غريباً أن تقوم إدارة كلينتون بدعم هذه الشركات، إلا أنّ حركات جماهيريّة دوليّة استغلت قيام عدّة مؤتمرات عام 1999 لكي تواجه إدارة كلينتون والشركات، الأمر الذي أدى في النهاية إلى أن تسحب الشركات الـ39 دعواها بعد أن اضطر البيت الأبيض إلى سحب دعمه لها.

نستحضر هذا التاريخ، ونحن نعيش موجة مشابهة لجهة احتكار قلة من شركات الأدوية والدول الغنية للقاحات جائحة "كورونا" وعدم قدرة مصابي الدول الفقيرة على الحصول على اللقاحات نتيجة حصر صناعتها على شركاتٍ بعينها تحت شعار حقوق الملكية الفكرية، كما كان الأمر عليه إبان تفشي وباء الايدز، ومع أن هذه الشركات قد تلقّت دعماً واسعاً وتمويلاً كبيراً من قبل دولها على حساب دافع الضرائب، إلا أنّها مع ذلك لا توفر إلا القليل من اللقاحات للدول الفقيرة عبر منظمة الصحة العالمية، أسعار هذه اللقاحات تبدو بمتناول اليد لمواطني هذه الدول إلا أنّها أكبر بكثير من قدرة مواطني الدول الفقيرة على دفع مقابل للحصول عليها، وعلى سبيل المثال قامت الدول الغنيّة بعمليات شراء مسبقة كبيرة للقاحات وخزّنت كميات تفوق الحاجة إليها، في أستراليا وكندا واليابان مثلاً، هناك أقل من 1% من حالات الإصابة بكورونا إلّا أنّها احتجزت جرعات من اللقاحات أكثر من جميع دول أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وهي منطقة تتجاوز الإصابات بها 17%!

والسؤال الذي يغيب عن هذا السياق، كيف استطاعت حكومة نتنياهو من الحصول على ما يزيد عن حاجتها من هذه اللقاحات، لدرجة عقدها صفقات مع دول فقيرة لتزويدها بهذا الفائض مقابل ثمن سياسي، في حين أنّها امتنعت عن القيام بالتزاماتها باعتبارها دولة احتلال بتزويد المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة بحاجتهم من هذه اللقاحات؟ والسؤال المتشعّب الآخر كيف تمكنت حكومة نتنياهو من الحصول على كل هذه اللقاحات بينما عدد من الدول الغنية الأوروبية وكذلك أميركا لم تتمكن حتى الآن من الحصول على ما يكفيها منها رغم حجزها لملايين الجرعات من اللقاحات؟

إنّ تفشي هذه الوباء الذي يطال كل أصقاع العالم، يتطلب التوسّع في إنتاج اللقاحات، إلا أن تركيز هذا الإنتاج لدى الدول الغنية من خلال التمسك بحقوق الملكية الفكرية، لن يلبي الحاجة المتزايدة للقاحات على المستوى الدولي، الأمر الذي يطرح على العالم كله وخاصة المنظمة الدولية ومنظمة التجارة الدولية إعادة النظر بقوانين الملكية الفكرية لجهة تعديلها بما يمكّن بعض الدول التي تمتلك القدرة على إنتاج اللقاحات في العالم الثالث من إنتاج هذه اللقاحات لتلبية احتياجات مواطنيها بالأسعار المعقولة.