على غرار عشرات آلاف العمليات التي نفذها أبطال فلسطين ضد عدوهم؛ نجحت عملية نفق الحرية؛ خُرق التحصين ونجح الأبطال في تكبيد العدو خسائر كبيرة على المستوى العملاني، والمقصود هنا بالتأكيد ليس الخسارة المعنوية للعدو والربح المعنوي للفلسطينيين، ولكن تلك الخسائر المباشرة التي يمكن احتسابها واحتساب تأثيرها الآني والمستقبلي.
إنّ نظام السجون ومعسكرات الأسر كما إدارة مصلحة السجون لدى العدو؛ تشكّل واحدة من أبرز أذرعه وأدوات قمعه للفلسطينيين، وحين وجّه الأسرى ضربتهم، فقد أصابوا هذه المنظومة بطعنةٍ كبيرة؛ فالمراجعات التي يقوم بها العدو منذ لحظة عمليتهم حتى الآن لوحدها تكبده خسارة بملايين الشواقل على مستوى اجراءاته الأمنية المستحدثة، والأهم أنّها تضطره لنوع من إعادة التركيب لهذه المنظومة؛ بنوع من الشرح، لنحاول معًا فهم الأمر على النحو التالي؛ تعمل منظومات القمع والتحصين والأمن من خلال عامل الثقة؛ نظرية للأمن وفلسفة محددة يشكّل إيمان أفرادها ومركباتها بها عامل أساسي في تسييرها وبقائها؛ تؤمن أي منظومة أمن بأنها كاملة أو هي أقصى وأفضل ما يمكن، وأنّها قادرة على سد أي خرق اعتيادي من خلال عمليات رتق أو تعديلات بسيطة؛ سور إضافي؛ كاميرات؛ تعزيز التنسيق بين مكوناتها؛ تحديث شبكات الإنذار، كل ذلك، ولكن ما أحدثته عملية نفق الحرية لا يمكن معالجته بأي من عمليات الرتق هذه. لقد نزع أهم مركب لمنظومة أمن العدو بشأن سجونه وتحصيناته؛ الثقة بكفاءة الآلة والمنظومة وبالنظرية.
يعتبر العدو أنه متفوّق علينا وكمركبٍ أساسي في تبريره لغزونا واستعمارنا ودافع لاستمراره في ذلك؛ ينظر العدو لتخلفنا وعجزنا، وكذلك لغلبته التكنولوجية، ويصوّر التكنولوجيا وخبرته الأمنية في القمع كأداة لا تقهر، ويعمل على تعميمها دوليًا أو تصديرها لأطرافٍ ودول أخرى.
تسويق الكيان كقلعةٍ للأمن جزء من رأس ماله السياسي كما أنه مورد مالي أساسي، حيث يحتاج مختبر الأمن والقمع وآلة القتل لتمويل مستمر، واجتذاب للموارد البشرية كما المالية، وكل هذا وضعت علامات كبيرة بشأنه، بل إن الحديث عن العلامات والأسئلة يبدو تخفيف لما حدث. لقد افتضح خطأ النظرية، وفشل تطبيقها، والأهم أن المقاتل لأجل حريته وحرية شعبه؛ أكد تفوقه في استخدام عامل الزمن؛ الزمن يشكل مادة السجن الأهم، حيث يعمل السجن أو الأسر كآلة تعطيل لتأثير الأسير في مجرى الزمن، في الأحداث الحالية، ويطوّر السجانون ومنظومتهم؛ أفكارًا وتصورات ومعتقدات عن قدرتهم على الهيمنة الكاملة على زمن الأسير، بالمواعيد اليومية، باحتجازه عن كل ما تطوّر حدث في الحياة خارج السجن، بتحديد سنين عمره داخل السجن وما سيتبقى له أو لن يتبقى من الحياة بعدها خارجه؛ تحويل الزمن لمادة لحفر النفق يوميًا؛ استثمار كل ثانية على مدى سنوات في خرق الأسير لهيمنة السجان على الزمن والمكان، هي انتصار آخر، لا بالمعنى اللفظي والرمزي، ولكن على معاني إيمان عنصر المشروع الصهيوني بإمكانية استمرار هيمنته.
يلقي ضباط وعناصر مصلحة السجون الاحتلالية وقادتهم بكل أداة للعذاب والتنكيل على جموع الأسرى الآن، لتقديرهم بأنهم هزموا فحسب؛ صحيح أنها ليست الهزيمة النهائية الكفيلة بإسقاط المنظومة للأبد، ولكنها قطعت شوطًا عظيمًا بهذا الاتجاه، فيما ينهض الأسرى ليلتقطوا يد شعبهم مجددًا؛ مؤكدين موضعهم كخندقٍ متقدمٍ للحركة الوطنية الفلسطينيّة ومشروع تحرير فلسطين؛ تحرير الإنسان والأرض والمستقبل، وهزيمة فكرة السجن والسجّان.