Menu

"أوكوس" في سياقٍ تاريخي ساخر!

هاني حبيب

بوابة الهدف الإخبارية - نشر في العدد 30 من مجلة الهدف

في قرارةِ نفسه؛ يدركُ الرئيسُ الأميركيُّ بايدن، مدى الإذلالِ الذي أحاقَ به وبإدارتهِ وبالولايات المتّحدة، أثناءَ انسحابِ قوّاتِهِ من أفغانستان، ولعلَّ المستوى العالي من العصبيّة التي تحكّمت به، كانت وراءَ نسيانِهِ اسمَ حليفِهِ الجديد – القديم، رئيس وزراء أستراليا سكوت موريسون حينما توجّه إليه ليشكرهَ إثرَ التوقيعِ على الشّراكةِ الأمريكيّة البريطانيّة الأستراليّة، فقد توجّه بايدن إلى شاشة البرنامج الافتراضي، الذي جمع القادةَ الثلاثةَ إلى صورة موريسون قائلًا: أريدُ أن أشكرَ ذلك الزميلَ هناك، في الأسفل، شكرًا جزيلًا أيّها الرفيق، تقديري سيد رئيس الوزراء!

في وعي الأمريكان البيض أنّ أصولَهم أوروبيّة، بريطانيّةٌ تحديدًا، وذلك عندما هاجر البريطانيّون إلى أميركا الشماليّةِ لاستيطانِ الأراضي المفتوحة في الزراعة، وشنّوا حربًا لا هوادةَ فيها على سكان أميركا الأصليّين، ومع أنّ أميركا تُعدُّ أنّها كانت محتلّةً من بريطانيا، وأنّها نجحت في الاستقلال عنها إلاّ أنّ الوعي الذاتي لأصولهم البريطانيّة، يتشابهُ إلى حدٍّ كبيرٍ مع أشقائهم الأستراليّين، في سياقٍ لا يختلفُ كثيرًا!

أستراليّا مستعمرةٌ بريطانيّةٌ سابقةٌ، لكنّها ما تزال مرتبطةً بها من خلال الكومنويلث البريطاني، وما يزال العلمُ الأسترالي يتشكّلُ في جزءٍ منه من العلم البريطاني. الأستراليّون المؤسّسون هم في الواقع من المجرمين البريطانيّين الذين حاولت بلادُهم التخلّصَ منهم، ومن تكلفة إقامتهم في سجونها؛ نظرًا لعجز الحكومات البريطانيّة في العثور على مهاجرين للاستيطان في أستراليا القاحلة، فإنّها اعتمدت على المجرمين الذين أُرسِلوا إلى أستراليا للاستعمار فيها وتعميرها؛ انطلاقًا من مدينة سيدني عام 1787، وعليه، فإنّ معظم المواطنين الأستراليّين هم من نسلٍ بريطاني، ومع أنّ مكتشف أستراليا هو الهولندي ويليم جانزون عام 1606، إلاّ أنّ بريطانيا تعدّ أنّ مستكشفَها هو الإنجليزيُّ جيمس كوك عام 1770، ورغمَ فشلِ هولندا في استيطانها إلاّ أنّ العبقريّةَ الإنجليزيّةَ وجدت في المجرمين أداةً فعّالةً في استيطان هذه القارّة القاحلة. وهكذا كان - ولا نجدُ تفسيرًا مقنعًا لنسيان بايدن اسمَ شقيقه بالاستيطان - بعد إعلان الشراكةِ معه ومع الأصلِ البريطاني!

يمكن تفسيرُ ذلك في سياقٍ ساخر، فالشراكةُ الثلاثيّةُ الموجّهةُ للصين في جزءٍ كبيرٍ منها ما هي إلاّ شكلًا من أشكال الانتقام من هذه الأخيرة، التي دعمت فيتنام في حربها ضدّ الاستعمارين الفرنسي ثم الأميركي، وعلى الأقلّ منذ عهد أوباما الذي تحوّل إلى الإعداد لمواجهةٍ مع الصين في جنوب شرق آسيا بعد فشل سياسته الشرق أوسطيّة، وهو ما جرى الأمرُ عليه في عهدِ خليفتِهِ ترامب، ثمّ الآن في عهد بايدن، فرغمَ الحديث عن سياسةٍ استراتيجيّةٍ جديدةٍ؛ فإنّها في جزءٍ منه، ومن خلال الوعي الذاتي الداخلي لقادة أميركا حربًا انتقاميّةٍ من الدرجة الأولى، وربّما أنّ التفكير الانتقامي لدى بايدن كان وراءَ نسيانِهِ اسمَ حليفِهِ الجديد – القديم، ورئيس وزراء أستراليا سكوت موريسون!

وللمزيد من السياق الساخر، فإنّ المستفيدَ الأوّلَ من هذه الشراكةِ هو الرئيسُ الفرنسيُّ ماكرون، الذي سيستثمر هذا التحالفَ لفتحِ حربٍ ضدّهم؛ ما يمنحه شعبيّةً أكثرَ وهو على مشارف انتخاباتٍ رئاسيّةٍ العامَ القادم، كما ستعطيه فرصةً لقيادة الاتّحاد الأوروبي، فبعدَ انسلاخِ بريطانيا عن هذا الاتّحاد والمترافق مع انتهاء ولاية المستشارة الألمانيّة أنجيلا ميركل؛ صاحبة الكاريزما الشخصيّة القويّة، فلا يتبقّى سوى الرئيس الفرنسي مرشّحًا لقيادةِ الاتّحاد الأوروبيّ، خاصةً أنّ بلاده ستتولّى قيادةَ الاتّحاد في الربع الأوّل من العام القادم، بما يمكّنه من إقناع الاتّحاد الأوروبي بتأسيسِ قوّةٍ عسكريّةٍ أوروبيّةٍ؛ خاصّةً للاستقلال عن أمريكا والأطلسي. ماكرون خسر صفقةَ الغوّاصات، لكنّه ربّما يربحُ صفقةَ قيادةِ الاتّحاد الأوروبيّ، كما يتوقّع!