Menu

في ذكرى رحيل خالد الذكر: جذوة عبد الناصر لا تزال مشتعلةً في عقولنا وقلوبنا

عليان عليان

في الذكرى أل (51) لرحيل جمال عبد الناصر، فقدت الأمة العربية القائد والمعلم، والضمير المعبر عن طموحاتها في الحرية والاشتراكية والوحدة، كان يوماً حالكاً في سواده، وقاسياً في معاناته، يوماً بلغت فيه القلوب الحناجر والأمة لا تكاد تصدق الخبر الذي نزل عليها نزول الصاعقة.

أتذكر ذلك اليوم الخريفي الحزين، إبان أحداث أيلول 1970، عندما نسي الناس في الأردن قتلاهم، وبدلاً من أن ينشغلوا في دفن أبنائهم وأقاربهم ومداواة جرحاهم   انشغلوا بالحدث الجلل: رحيل قائد الأمة.

أتذكر أنني شاهدت في ذلك اليوم، قيادات وكوادر، من بعض فصائل المقاومة الذين انتقدوا عبد الناصر، على خلفية موقفه من مشروع روجرز، رأيتهم ينتحبون بمرارة ولا يكادوا يتمالكون أنفسهم.. فسألتهم: علام تبكون وأنتم من هاجمتموه بقسوة؟ فكان ردهم والندم يملأ تعابير وجوههم: "لقد أخطأنا بحق قائد الأمة، واكتشفنا أن موافقته على المبادرة كانت موافقة تكتيكية =، من أجل استكمال بناء حائط الصواريخ"، ثم استرسلوا في البكاء الذي وصل إلى حد النحيب والتشنج .

أتذكر الأهل في فلسطين من نهرها إلى بحرها، وهم يحملون في ذلك اليوم في كل القرى والمدن والمخيمات، نعوشاً رمزية، للقائد الرمز، لأب الأمة - بالمعنى القومي وليس بالمعنى البطريركي - لأن فلسطين كانت هاجس مشروعه القومي الوحدوي الذي سخر عمره من أجلها، ومن أجل إعادة الاعتبار لقضيتها، كقضية تحرير وتحرر وطني وليس كقضية لاجئين.

أتذكر ذلك المشهد التاريخي وغير المسبوق في تاريخ الإنسانية، عندما هرعت ملايين الشعب المصري إلى القاهرة، لتشارك في تشييع القائد العظيم في أكبر جنازة لم يعرفها التاريخ البشري منذ الأزل، ولن يشهد مثلها إلى الأبد، شاهدنا ذلك المشهد على شاشة التلفزيون "بالأسود والأبيض"، يوم اتشحت مصر العروبة  بالسواد .

بكته مصر لأنه صانع نهضتها، وباني مشروعها في التنمية المستقلة، وفي ذهنها تأميم القناة، والسد العالي، والإصلاح الزراعي، والقضاء على الإقطاع والتصنيع الثقيل والتعليم المجاني، وقوانين يوليو الاشتراكية.

بكته الأمة العربية، لأنه عبر عن آمالها في الوحدة والتحرر وفي محاربة التخلف والتبعية والتجزئة، وفي مقارعة الاستعمار والصهيونية. 

بكته حركة التحرر العالمية، وقوى التقدم في العالم، لأنه جعل من مصر إقليم قاعدة لمقارعة الاستعمار في المنطقة، ولأنه كان سنداً لحركات التحرر في الوطن العربي وفي آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.

أتذكر في ذلك اليوم، إعلان الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون وقف مناورات القوات البحرية الأمريكية في البحر المتوسط قبالة الشواطئ المصرية، وطلب من حاملة الطائرات الأمريكية "ساراتوجا" مغادرة البحر المتوسط، وقال قولته المشهورة: "من جئنا لتهديده بمناوراتنا قد مات، فلا داعي لإكمال المناورات".

رحل عبد الناصر، لكن مشروعه الوحدوي التحرري باق في الأمة، يعشعش في خلايا روحها ووجدانها، وفي ضميرها الجمعي، فمشروع عبد الناصر ليس مشروعاً ماضوياً، بل مشروعاً للحاضر والمستقبل، وما شعارات الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، التي رفعتها وترفعها الجماهير في مختلف المحطات والمؤتمرات والمناسبات القومية، إلا دليل على أن جذوة عبد الناصر، لا تزال مشتعلةً في أبناء الأمة، حتى تحقق كامل أهداف مشروعها النهضوي التحرري الوحدوي.