Menu

تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وعلوم الكومبيوتر وتخلف المجتمعات العربية

غازي الصوراني

بات من الواضح أن التقدم التكنولوجي عموماً، واستخدام الانترنت وتطوره المذهل خصوصاً في القرن الحادي والعشرين، أتاح لكل شعوب ومجتمعات العالم مزيداً من التطور والتقدم المذهل خاصةً في بلدان المركز الرأسمالي الإمبريالي (الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي واليابان) إلى جانب روسيا والصين والبرازيل وجنوب إفريقيا وكوريا الجنوبية وماليزيا وبقية البلدان المنضوية في المنظومة الرأسمالية العالمية .لكن بلداننا العربية_ للأسف الشديد _ ما زالت ترزح تحت نير التخلف والتبعية، لأن تفاعلها مع متطلبات التقدم التكنولوجي والانترنت لم يتجاوز حتى اللحظة الجانب الاستهلاكي بعيداً عن الجانب المعرفي والعلمي الذي يوفر الخطوات الأولى صوب تجاوز التخلف والتبعية على طريق الاستقلال السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي... إلخ، ومجابهة كافة تحديات العولمة الإمبريالية وشريكها الصهيوني في بلادنا بما يمكننا –كعرب- من استخدام التكنولوجيا والانترنت في خدمة أهدافنا الوطنية والقومية، التحررية والديمقراطية.

وهنا بالضبط يتجلى في أذهان وعقول رفاقي وأصدقائي في كل أرجاء الوطن العربي السؤال التالي: كيف نفهم ونتفاعل مع مفهوم المعرفة في ظل منظومة العولمة الراهنة..؟

وجوابي على هذا السؤال يتحدد في أن المعرفة التي أدعو إلى امتلاكها ووعيها، هي المعرفة المشغولة بالعلم والاستكشاف المرتكز الى العقل والتجربة، وتخليص البحث المعرفي من سلطة السلف وقدسية الأفكار، كمدخل لا بد منه لتحرير الواقع العربي من حالة التخلف والتبعية والخضوع، وتحرير فكرنا العربي من حالة الجمود والانحطاط، ذلك أن اعتماد العقل كأداة وحيدة للتحليل، والعقلانية كمفهوم يستند على المنهج العلمي الجدلي، سيدفع بفكرنا العربي – ولا أقول عقلنا العربي – صوب الدخول في منظومة المفاهيم العقلانية التي تقوم على أن للعقل دوراً أولياً ومركزياً في تحليل الواقع، والتحكم في سيرورة حركته، وهو أمر غير ممكن – كما يقول هيجل – ما لم يصبح الواقع في حد ذاته معقولاً، أو مدركاً، عبر الممارسة العملية في سياق تطبيقنا لقوانين ومقولات الجدل، التي لا تكمن أهميتها في كونها قوانين لتطور الواقع فحسب وإنما هي أيضاً، قوانين لتطور التفكير والمعرفة، خاصة في عصرنا الراهن، عصر العولمة، الذي تتهاوى فيه كثير من النظم والأفكار والقواعد المعرفية السائدة، لحساب "رباعية البيانات والمعلومات والمعارف والحكمة". فكما أفرزت تكنولوجيا الصناعة مجتمعاً مختلفاً عن مجتمع الزراعة، كذلك أفرزت تكنولوجيا المعلومات مجتمعاً مختلفاً عن مجتمع الصناعة، تمثله الثلاثية التالية: مجتمع المعلومات، مجتمع المعرفة كأهم مورد للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، مجتمع التعلم والذكاء البشري والاصطناعي "فالمعرفة في هذا العصر" هي حصيلة هذا الامتزاج الخفي بين المعلومات والخبرة والمدركات الحسية والقدرة على الحكم، لتوليد معرفة جديدة، وصولاً الى الحكمة أو ذروة الهرم المعرفي، واستخدامها في تقطير المعرفة إلى حكمة صافية ، "وتجاوز" المتاح من المعرفة، وزعزعة الراسخ، من أجل فتح آفاق معرفية جديدة.

إذن، نحن أمام مفهوم جديد للمعرفة، زاخر بالحركة الصاعدة صوب المستقبل بلا حدود أو معوقات، اعتماداً على ثورة المعلومات والاتصالات وعلوم الكمبيوتر والتكنترون، والميكروبيولوجي، والهندسة الوراثية، إلى جانب العلوم الحديثة في اللغة، والاجتماع، والانثروبولوجيا والتاريخ والجغرافيا البشرية والاقتصاد، بحيث أصبح مفهوم المعرفة المعاصر شاملاً لكل العلوم الطبيعية والإنسانية في علاقة عضوية لا انفصام فيها من ناحية، ومحصوراً في كوكبنا - إلى حد بعيد - في بلدان المركز الرأسمالي القادرة وحدها على إنتاج وتصدير العلوم والمعارف من ناحية أخرى، بحيث بات من غير الممكن تطبيق هذا المفهوم على أوضاعنا العربية وبلدان الجنوب أو العالم الثالث عموماً دون امتلاك جزءاً هاما من مقوماته والتفاعل مع معطياته، واستخدام آلياته وقواعده، كمدخل وحيد لجسر الهوة المعرفية، بيننا وبين تلك البلدان، آخذين بعين الاعتبار، أن لكل معرفة خصوصيتها المرتبطة والمحددة من حيث شكلها وجوهرها، بحركة صعود أو بطء آليات التطور الداخلي في هذا المجتمع أو ذاك من ناحية، وبالعوامل الخارجية المؤثرة في ذلك التطور من ناحية ثانية.

وبناءً على ما تقدم، ونظراً لأهمية موضوع العولمة والتقدم التكنولوجي في إطار التطور الهائل للإنترنت على الصعيد العالمي، فقد ارتأيت التأكيد على التفاعل الخلاق مع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وعلوم الكومبيوتر والانترنت، خاصة الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا النانو والعلوم الحديثة الأخرى لأهميتها القصوى في طرح وتناول العديد من قضايا التقدم التكنولوجي عموماً والانترنت خصوصاً، بما يوفر الفرص أمام النخب السياسية والعلمية العربية عموماً والتقدمية خصوصاً لمناقشة محاور مفصلية تَهُمّ مستقبل العديد من تطور العلوم والتكنولوجيات لاستباق التحديات واكتشاف الفرص، والكيفية المحتملة التي سيتغير معها العالم نتيجة لكل ذلك، وما ستؤديه تلك المتغيرات على التطور العلمي والمجتمعي العربي من ناحية وعلى أحزاب اليسار العربي من ناحية ثانية.

لقد أصبح الإنترنت الآن ملازم لحياة معظم الأجيال الشابة في بلداننا، وليست هذه سوى بداية الرحلة التطورية القادمة، فالبيانات الرقمية، وليس التكنولوجيا ستكون المحفز الحقيقي للابتكارات والاختراعات في المستقبل، فالبيانات تحيط بنا من كل جانب. إن التقاط هذه البيانات واستيعابها، وسبر أغوارها، واستخدامها لحل المشاكل الحقيقية، هو التحدي الحالي للعلماء والمهندسين على حد سواء، حيث يدرك كل صاحب عقل أن التكنولوجيا أصبحت أكثر من مجرد أدوات ولعب أطفال، إنها مستقبل البشرية، بل يمكن أن تحدد مصيرها .

إن تقدم العصر الرقمي خلق نقلة استثنائية في الحضارة الإنسانية، بما يمثله من أفق حافل وشامل، يُمَكِّن البشرية من تحقيق ثروات من الفرص والنجاحات المذهلة، ما يعني أن عصر التقدم التكنولوجي الحالي سيؤدي لتكنولوجيات تغييرية في المستقبل.

هنا أشير إلى أن الابتكارات العلمية الحديثة وعلوم الكومبيوتر والانترنت والنانو والذكاء الاصطناعي سوف تتسبب بتغيّرات أساسية في حياة البشرية عموماً، والبلاد الصناعية المتقدمة ضمن منظومة المركز الإمبريالي خصوصاً وهي منظومة تضم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين واليابان والبرازيل وكوريا والهند وجنوب أفريقيا وكندا واستراليا ودول اسكندنافيا وغير ذلك من الدول المتقدمة؛ لكن هذه الابتكارات العلمية الحديثة التي أشرنا إليها قد لا تؤثر إيجاباً أو نوعيا في الارتقاء بمستوى الحياة والتطورات العلمية والمجتمعية في حياة شعوبنا العربية إذا ما استمرت بلداننا رهينة لأنظمة الكومبرادور والتبعية والعمالة والاستبداد والاستغلال، وهي أنظمة باتت معروفة تماماً لمعظم الجماهير العربية بعداءها وقمعها لكل رموز التنوير والنهوض العلمي الحداثي الوطني التقدمي الديمقراطي إلى جانب ولوغ هذه الحكومات في الاستجابة للمخططات الأمريكية الصهيونية الهادفة إلى تكريس تخلف مجتمعاتنا واحتجاز تطورها، الأمر الذي يفرض على القوى اليسارية العربية مزيداً من الوعي المعرفي الثقافي عموماً ومزيداً من الحرص على امتلاك المعرفة التكنولوجية المرتبطة بكل خصوصيات الانترنت خصوصاً، بما سيضمن بالتأكيد توفير وتزايد عوامل التفاعل والانتشار في أوساط الشباب بما يوفر الفرص صوب النهوض الحزبي بالمعنى الوطني والديمقراطي ومواصلة نضالنا ضد كافة أنظمة التبعية والتخلف والاستغلال والاستبداد واستعادة الدور الطليعي لأحزابنا اليسارية في كل بلدان مغرب ومشرق الوطن العربي وتعزيز وتطوير اساليب النضال السياسي التحرري الوطني والمجتمعي التقدمي على طريق تحقيق اهداف الثورة الوطنية الديمقراطية بآفاقها الاشتراكية.