Menu

نظرة أولية في ورقة حركة حماس المقدمة إلى الجانب المصري- الورقة لم تأتِ على ذكر اتفاقيات أوسلو

عليان عليان

طالعت ورقة حماس المقدمة إلى الجانب المصري المنشورة في جريدة الأخبار اللبنانية في الثلاثين من تشرين ثاني – نوفمبر الماضي، والتي جاءت استجابةً لطلب مصري في إطار المباحثات التي جرت بين الجانبين في القاهرة في تشرين أول ( أكتوبر ) الماضي حول  رؤيتها السياسية للمرحلة المقبلة،  متضمنةً موقف "حماس"  من المقاومة كخيار استراتيجي، وموقفها  من مختلف القضايا المرتبطة بالمصالحة وبمنظمة التحرير  وموقفها من مختلف الدول  في  المنطقة، وسياستها الخارجية.. الخ. ووجدت فيها إعادة تأكيد على خيار المقاومة بكل أشكالها وعلى البعد الاستراتيجي للحركة في الصراع مع العدو الصهيوني، الذي يركز على تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني، وكذلك إعادة التأكيد على مواقف سابقة للحركة في الشأن الداخلي، بشأن الانتخابات الرئاسية وانتخابات المجلس التشريعي وانتخابات المجلس الوطني في أنها تشكل مدخلاً للمصالحة وإنهاء الانقسام.

ويسجل ل حركة حماس في هذه الورقة ابتداءً دعوتها إلى إعادة ترتيب "منظّمة التحرير الفلسطينية" لتكون إطاراً جامعاً للفصائل كافة، وإنهاء حالة التفرد في القرارات من قِبَل حركة "فتح"، من خلال الاتفاق على استراتيجية وطنية تتبنّى مشروعاً شاملاً ومتكاملاً للمقاومة بأشكالها كافة، الميدانية والسياسية والدبلوماسية، مشدّدة على ضرورة إشراك الجميع في صناعة مستقبل القضية الفلسطينية.

ويسجل لها دورها الريادي  في  تحرير الأسرى، وأنها لن تقبل مقايضة ملفّ الأسرى الأربعة لديها بأي ملفات أخرى، بعد أن أنجزت بكفاء واقتدار صفقة وفاء الأحرار عام 2011  التي أدت إلى تحرير 1027 أسيراً مقابل الإفراج عن الأسير الصهيوني "جلعاد شاليط "، وبعد أن حددت  في ورقتها موقفها من الصفقة المقبلة عبر مرحلتَين: الأولى تشمل الإفراج عن الأسيرات والأطفال والمرضى وكبار السنّ، والثانية يُطلَق خلالها سراح ذوو المحكوميات العالية وفي المقدمة منهم أبطال معتقل جلبوع الذين سبقوا وأن حرروا أنفسهم ذاتياً قبل أن يعيد الاحتلال اعتقالهم، لكن بالتدقيق بما ورد في تفاصيل ورقة "حماس" وما بين سطورها، أمكن تسجيل الملاحظات التالية:

أولاً: لم يرد في الورقة المقدمة للجانب المصري بنداً يطالب بإلغاء اتفاقيات أوسلو، فقط انطوت الورقة على بند يؤكد على رفض التنسيق الأمني بشكل قطعي، ويطالب بإلغائه باعتباره "خطراً" على القضية.

وأعتقد أن حماس في تغييبها لموضوع أوسلو من الورقة وتخفيف لهجتها  المتعلقة بالتنسيق الأمني، تمارس عملية علاقات عامة تكتيكية ذات طابع استرضائي للجانب المصري، لا سيما وأن النظام المصري من أكبر الداعمين لاتفاقيات أوسلو  وللتنسيق الأمني مع الاحتلال، وهو صاحب مشروع التهدئة بين قطاع غزة والكيان الصهيوني، ناهيك أن حماس وبقية الفصائل عندما طرحت وتطرح موضوع الانتخابات فإنما تطرحه –شئنا أم أبينا- على أرضية أوسلو.

ثانياً: رغم أن ورقة حماس أكدت في أكثر من بند على هدف التحرير الكامل للتراب الوطني الفلسطيني، وأنها لن تتوقّف عن جهودها لتحرير كامل فلسطين مهما تَغيّرت الظروف، وأن جميع الضغوط لن تثنيها عن هذا المبدأ، ورغم أنها جدّدت رؤيتها غير القابلة للنقاش باعتبار الكيان العبري كياناً معادياً للفلسطينيين والأمّتَين العربية والإسلامية، مكرّرة أن لا مشكلة لديها مع اليهود في أيّ مكان آخر، بل المشكلة مع الصهيونية فقط، وأن المقاومة مشروع تَكفله جميع القرارات والقوانين الدولية.

رغم كل ما تقدم، إلا أنها أعادت الاعتبار لمشروع حماس عام 2017  الذي طرح إبان قيادة خالد مشعل للحركة، والذي يؤكد على إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967، دونما اعتراف بالكيان الصهيوني، ودون التخلي عن هدف التحرير الكامل، وهذا الطرح يذكرنا بطرح القيادة المتنفذة في منظمة التحرير، التي سبق وأن طرحت برنامج النقاط العشر "المرحلي" بعد حرب أكتوبر 1973، بهدف إقامة الدولة لتصل لاحقاً في اتفاقيات أوسلو 1993، إلى القبول بحكم ذاتي على الشعب دون الأرض مقابل الاعتراف بحق (إسرائيل) في الوجود. ثم كيف يمكن إقامة دولة مستقلة ذات سيادة في المناطق المحتلة عام 1967 بدون صلح أو ومفاوضات أو اعتراف، في ظل اتفاقيات أوسلو وتكفل السلطة الفلسطينية بتوفير الأمن للاحتلال وقطعان المستوطنين، بعد أن قبلت لنفسها أن تكون وكيلاً أمنياً للاحتلال، وفي ضوء السيطرة الفعلية للكيان الصهيوني على عموم أراضي الضفة الغربية، ومن ثم فإن طرح موضوع الدولة المستقلة ذات السيادة بدون اعتراف بالكيان الصهيوني هو في المحصلة شعار تسووي، بغض النظر عن المبررات التي يمكن سوقها في هذا المجال.

3- لم تأت الورقة على ذكر معركة سيف القدس ومخرجاتها والبناء عليها، بعد أن طرحت العديد من القيادات الاستراتيجية الصهيونية سؤال الوجود لأول مرة منذ إقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، إذ أن إعادة حركة حماس الاعتبار لمشروع الدولة لعام 2017 يتنافى مع مخرجات معركة سيف القدس.

4- في الوقت الذي ثمنت فيه الورقة دور الجانب المصري في عملية إعادة إعمار قطاع غزة، إلا أنها لم تحدد موقفاً من المساعي المصرية والإسرائيلية والاقليمية والدولية للتهدئة وتقديم امتيازات وتسهيلات للقطاع، بغية تحييد دور القطاع في المواجهة مع الاحتلال في الضفة الغربية والقدس.

5- أما الفقرة التي تتحدث عن عقد جلسات حوار للتوصل إلى حلول توافقية بشأن قضايا القدس والتدخلات الإسرائيلية، فتتجاهل حقيقة أن رئاسة السلطة الفلسطينية استخدمت موضوع منع الاحتلال إقامة انتخابات في القدس، كشماعة لتأجيل الانتخابات أو إلغاءها بعد أن أدركت أن ميزان القوى الانتخابي لا يصب في مصلحة حركة فتح وبرنامجها.

ثم ما هي الحلول التوافقية التي يمكن التوصل إليها مع قيادة السلطة، بعد أن رفضت طروحات العديد من الفصائل، بشأن تحويل الانتخابات في القدس كمعركة اشتباك سياسية وجماهيرية مع الاحتلال، تتجاوز مع ما جاء في اتفاقيات أوسلو التي تحصر إقامة الانتخابات في خمس مكاتب بريدية فقط.

6- وعلى صعيد العلاقات الخارجية للحركة، أبدت الورقة رغبة "حماس» في إقامة علاقات مع مختلف دول المنطقة، من دون التدخّل في شؤونها الداخلية، مطمْئِنةً إلى أنها لا تنظر إلى أيّ علاقة مع دولة على حساب دولة أخرى.

وحركة حماس بهذا الطرح النظري منسجمة مع أدبياتها التقليدية النظرية، رغم أن هذا الطرح مثالي وغير واقعي، إذ كيف يمكن المساواة بين دولة داعمة للمقاومة وبين دولة أخرى في المنطقة محايدة أو معادية لنهج المقاومة.

ويمكن تفهم عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى ك مصر بحكم الجغرافيا السياسية للقطاع لكن لا يمكن تفهم تدخلها في شؤون دولة تنتمي لمحور المقاومة، قدمت كل أشكال الدعم المادي والسياسي للمقاومة، دون الإعلان عن مراجعة نقدية جريئة لهذا الموقف في مراحل لاحقة.

وهل بوسع حركة حماس أن تسجل موقفاً نقدياً جريئاً من نظام أردوغان، الذي أقدم على سلسلة إجراءات تضييقية لنشاط الحركة السياسي والاعلامي في تركيا ، وبات يسعى حسب قوله إلى إعادة العلاقات مع (إسرائيل) بعد لقائه مع ولي عهد الإمارات "محمد بن زايد، وبعد تصريحه الشهير "بأن تركيا و (إسرائيل) يشكلان ضرورة لاستقرار المنطقة".