Menu

الأمينُ العامُّ السابقُ للحزبِ الشيوعيّ اللبنانيّ

د. خالد حدادة "للهدف": نظامُ الطائف يعيشُ سكراتِ الموت ومعَهُ مصيرُ الكيانِ الوظيفيّ الذي ولّده التقاسمُ الاستعماريّ

الدكتور خالد حدادة

نشر هذا الحوار في العدد 32 من مجلة الهدف الإلكترونية

أجرى المقابلة: د. وسام الفقعاوي

(الدكتور خالد حدادة الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني. والدكتور حدادة من مواليد برجا/ الشوف في لبنان عام 1956، ويحمل درجة الدكتوراة في طرائق تعليم العلوم من جامعة باريس عام 1984، وعمل في التعليم الثانوي والجامعي. سياسيًا؛ انضم الدكتور حدادة للحزب الشيوعي عام 1972، وترقى في المناصب الحزبية حتى انتخابه عام 2004 أمينًا عامًا للحزب، وشغل المنصب حتى 2016).

* باتَ من الواضح أنّ لبنانَ أصبح ساحةً كبرى لمعركةٍ عالميّةٍ مموّهة، إنْ جاز التعبير؛ تتداخلُ فيها الكثيرُ من الأطراف؛ دوليّةٍ وإقليميّةٍ وعربيّةٍ وفي القلب منها إسرائيليّة، ما يفتحُ إلى احتمالِ تحوّلِها لحربٍ علنيّةٍ بصيغةِ حربٍ أهليّة، هنا نحنُ أمامَ حالةٍ مركّبةٍ؛ حربٌ من الخارج، وحربٌ في الداخل؛ فكيفَ تقرأُ المشهد؟

** بدايةً أودُّ التأكيدَ على أمرين؛ الأوّل: أنّ الجانبَ الخارجيّ مما يجري في لبنان ليس مموّها، بل هو معلنٌ وطبيعي، نتيجةً لطبيعةِ المشروع الأميركيّ نفسه، ونتيجةً للمعارك القائمةِ في المنطقة، بين هذا المشروع وقواه الإقليميّة والداخليّة، وبين القوى الرافضةِ أو غيرِ المنتميةِ له على كلّ المستوياتِ الدوليّة والإقليميّة والمحليّة.

الأمرُ الثاني، أنّ الأمرَ ليس جديدًا؛ فالوظيفةُ التي حدّدها التقسيمُ الإمبرياليّ، لهذا الكيان، لها نتيجةٌ طبيعيّة، أنّ هذا الكيانَ الوظيفيّ لم يكن يومًا مستقلًّا عن قضايا المنطقة ولن يكون. منذُ مشروعِ محمد علي باشا وابنه إبراهيم، إلى خلق الكيان الصهيوني، وقبل ذلك الثورة السوريّة، إلى الحروب الأهليّة المتتالية منذ ذلك الوقت حتّى اليوم تؤكّد ذلك. وإذا اقتصرنا الأمثلةَ على ما هو جديد، لا يمكن عزلُ ما حدث عامَ ١٩٥٨، عن محاولة كميل شمعون إلحاق لبنان بحلف بغداد ومشروع إيزنهاور، ولا عزلُ الحرب الأهليّة عامَ ١٩٧٥، عن التحضير لخيانة السادات واتّفاقيّة كامب ديفيد وما تلاها، من تآمرٍ على المقاومتين؛ الفلسطينيّة واللبنانية. حتّى الاتّفاقيّات " المؤقّتة"، لم تكن نتيجةَ توازناتِ قوًى محليّة، بل لتوازناتٍ خارجيّةٍ، والمثال الأوضح، هو الطائفُ الذي جاء نتيجةَ توافقٍ إميركي- سعوديّ- سوريّ، خلالَ حرب الخليج الأولى بعد احتلال الكويت ، وانتهاء الطائف، مع بَدْءِ الغزو الأميركيّ للعراق والرفض السوريّ لذلك.

دائمًا تأخذُ الصراعاتُ، بتشابكِها الخارجيّ والداخليّ، صيغةَ الحربِ الأهليّة، هذا التشابكُ تؤمّنُهُ الصيغةُ الطائفيّةُ للنظام اللبناني، هذه الصيغةُ المفروضةُ من الاستعمار والرأسمال اللبناني التابع، نظامٌ يؤمّنُ مصالحهما. ولذلك غالبًا ما تبدأُ الأحداثُ بظروفٍ وطنيّةٍ وطبقيّةٍ، ولكن ينجحُ الخارجُ والرأسمال اللبنانيّ في تحويلها إلى طابعٍ طائفيٍّ واليوم مذهبي. وإذا ما توافّرت ظروفُ حلِّ الصراعِ الإقليميّ، يأتي الحلُّ اللبنانيّ إعادةَ إنتاجٍ للنظام الطائفيّ نفسِه.

اليوم نحنُ قد استنتجنا، أنّ نظامَ الطائف، يعيشُ سكراتِ الموت، ومعَهُ مصيرُ الكيانِ الوظيفيّ الذي ولّده التقاسمُ الاستعماري بدايات القرن الماضي، الذي - بدوره - قد استنفد مهامَه، بنقلِ لواءِ السيطرةِ الإمبرياليّةِ للولايّاتِ المتّحدةِ على حساب "الاستعمار العجوز" وليس القارّة العجوز فقط. الولايّات المتّحدة تقرّ وتعلنُ موتَ سايكس- بيكو، ومعه انتهاءُ وظيفةِ الكيان اللبناني، مما يضعنا اليوم في كمّاشةٍ متكاملة؛ التفتيشُ عن صيغةٍ جديدةٍ للمنطقة، وهذا هو مضمونُ المشروع الأمريكي المتجدّد، ومن ضمنِهِ حمايةُ أمنِ الكيان الصهيوني، الذي فقد وظيفتَهُ بحكم المقاومة في فلسطين ولبنان، وأصبح عاجزًا عن تلبية مهمّتِهِ الأساس، في الحفاظ على مصالحِ الإمبرياليّة الأميركيّة، مما يجعلُ الأخيرة - للحفاظ على مصالحها، وعلى أمن العدو - أن تقومَ؛ وذلك منذ غزو أفغانستان؛ بهذا الدورِ مباشرة.

أمّا في المرحلةِ الحاليّةِ من الأزمة، فإذا فكّكنا عناصرها، فإنّنا نرى في الطرف الآخر من الحصار السعوديّ والخليجيّ على لبنان - بحجّة تصريحات القرداحي - مأربًا في الطرف الآخر، وإذا حلّلنا الموقفَ الأميركيّ سنرى شرقَ سوريا وقانونَ قيصر، وبشكلٍ خاصٍّ سنرى الضغوطَ على الموقف اللبنانيّ في المفاوضات "المشبوهة"، حولَ ترسيمِ الحدود البحريّة بين لبنان وفلسطين. قد ينزعجُ البعضُ من وصف المفاوضات بالمشبوهة، ولكن هل يمكنُ أن تكونَ مفاوضاتٌ بـرعاية الولايات المتّحدة ووساطتها، إلا مشبوهة؟

* لا يمكنُ تجاهلُ دورِ النظام السياسيّ الطائفيّ في لبنان عن مسؤوليّة وصول الوضع السياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ، إلى ما وصل إليه، لكن ما قد يُسألُ عنه هو حدودُ "تورّط" المقاومة في الوضع الداخلي، خاصةً وأنّها شريكٌ سياسيٌّ في الحكومة؟ وكيف يمكنُ فضُّ هذا الاشتباك إنْ وجد؟

** حكمًا، النظامُ اللبناني، هو المسؤولُ الأساسيّ، عن الأزمة السياسيّة، ومن ثَمَّ، فهو الذي جعل الكيانَ - كما النظامِ - بأزمةٍ طبيعيّة، هي أزمةٌ بنيويّةٌ بالأساس وبالتكوين والوظيفة. وهو أيضًا المسؤولُ الأساسيُّ عن الأزمة الاقتصاديّة الاجتماعيّة، بطبيعتِهِ الخاصّة وبكونِهِ نظامًا تابعًا لنظام الهيمنة الأميركيّة. بطبيعتِهِ الطائفيّة، هو نظامٌ يحمي الفساد ويرعاه، وبكونِهِ نظامَ الرأسمال اللبناني بخيارِهِ الريعي الذي كان قبل الحريري، ورسخته "الظاهرة الحريريّة"، نظام ضرب الاقتصاد الحقيقي المنتج لصالح الريع العقاري وسلطة المصارف، تحت وهمِ أن يكون لبنان "منتزّهًا" وجنّةً ضرائبيّةً ومصرفَ العرب.

أتى الحصارُ الأميركي، ليفجرَ تناقضاتِ النظام الموجودة فيه أصلًا، وبكونه نظامًا تابعًا لنظام الهيمنة أصبح هو نفسُهُ أداةً للحصار الاقتصادي، ليس على سوريا فقط (عبر الخضوع لمفاعيل قيصر)، بل على لبنان بشكلٍ أساسي.

إنّ الأزمة الحالية لها وجهان متكاملان، الحصار وتبعيّة النظام وتنفيذه لمفاعيل الحصار، وهنا أستدركُ لأشيرَ إلى ضياع اليسار اللبناني، عبر تشتّتِهِ في تفسير الأزمة، بين من يحصرها بالنظام وينفي مفاعيل الحصار أو العكس. الطرفان لا علاقة لهما بالتفسير الماركسي، الجدلي، بتكامل دور الحصار مع تابعه المنفّذ.

إنّ وجود حزب الله في الحكومة، عاملُ قوّةٍ وثباتٍ لهذا النظام. المشكلةُ الرئيسيّةُ في نظرتنا، أنّنا ننظرُ له ونطالبُهُ وكأنّهُ حزبٌ ديمقراطيٌّ وعلمانيّ، هو حزبٌ له بِنيةٌ مذهبيّة، وموقعُهُ السياسيّ والاقتصاديّ داخلَ النظام الطائفي، ولذلك كلّ معالجاته للأزمة تنطلقُ من موقعِهِ كشريكٍ في هذا النظام، طموحه ليس التغيير في نمط الإنتاج والطابع السياسي بقدر ما هو تعزيزُ وزنِ من يمثّلُ داخلَ بِنية النظام نفسه، وهذا ما يفسّر استنفاره ودوره في مواجهة التحرّكات الشعبيّة.

لقد تحدثتُ بالتفصيل عن طبيعة الحزب، في ندوة هيئة التعليم العالي لحزب الله. إنّ الحزبَ اليوم يعاني أو يعيش حالةَ صراعٍ حقيقيّة، بين بِنيتِهِ ووظيفتِه. بنيتِه المذهبيّةِ ووظيفةِ المقاومةِ الوطنيّة. وللأسف كلّما خفتت مهامُ المقاومة (والحال كذلك بعد القرار ١٧٠١)، يتضخّم دورُ البِنيّة، والأخطرُ أنّها تضعُهُ في موقع الحامي، لنظامٍ بطبيعتِهِ يغذّي ويغطّي الخيانةَ الوطنيّةَ ويبرّرها، ويتآمرُ على المقاومة، كلّ مقاومة.

هذا الوضعُ ليس خاصًّا في لبنان، وضعيّة المقاومة في فلسطين شبيهة. هم يظنّون أنّ التعبئةَ الدينيّةَ هي من أعطت قوّةً للمقاومة في البلدين، ولكن يتناسون أنّ المقاومةَ في فلسطين ولبنان أقدمُ بكثيرٍ من القوى الدينيّةِ في المقاومة، وأكثرُ من ذلك هي قبل الشيوعيّين واليسار، وستستمرّ بعد حماس وحزب الله. لو كانت التعبئةُ الدينيّةُ هي الحاسمة، لماذا نرى أنّ مثيلَ حماس في فلسطين المحتلّة، شريكٌ في حكومة العدو. الفكر الديني، بطبيعتِهِ براغماتي ومساوم، حتى القاعدة وطالبان لهما هذه الصفة.

الأهم بالنسبة لنا نحن، ألّا نقعَ في الفخ، فالعلاقة مع أي طرف لها عنوانان، المقاومة والتقدّم والتغيير لشعوبنا، وبمعنى أكثر تحديدًا؛ الموقف من فلسطين ومن المخطّطات الأميركيّة، والموقف من الأنظمة الاقتصاديّة والسياسيّة التابعة، معركتان يجب تكاملهما في مشروع اليسار العربي.

لا وهمَ لدي، بقدرة حزب الله ورغبته، في مواجهة النظام الطائفي، ومن غير الموضوعيّ مطالبته بتغيير طبيعته، ولكن من المهم أن نواجهه بحقيقة أنّ دعمه للنظام وحمايته للفاسدين، حتى لو لم يشارك هو في الفساد، وهذا ليس محسومًا، سيقوّي قدرة النظام الطائفي على حصار المقاومة.

منذُ سنواتٍ عدّة، وفي مواجهةِ الالتباس الذي حصل عند بعض الرفاق، لخّصت ما يجب أن يكون عليه موقفنا بجملة، " تقاطع دون التحاق، واختلاف دون صدام"، وأنا متمسكٌ بهذا التوصيف.

* هناك عددٌ من القضايا تطوّق لبنان، ويبدو أنّها تدفعه نحو المسار التطبيعي مع العدو الصهيوني، منها: مسألةُ ترسيم الحدود مع فلسطين المحتلّة، وحقولُ الغاز البحريّة، ودفعُ البعض للفكاك من القضيّة الفلسطينيّة وتبعاتها، وصولًا لهجوم الأنظمة الخليجيّة المنظّم، هل تعد رأس لبنان الدولة والمقاومة مطلوبةً لهذا الحدّ، خاصةً بعد فشلهم في حربهم على سوريا؟

** من الطبيعي، أن تكون رأس لبنان بمقاومته المتنوّعة مطلوبةً في هذه المرحلة. الأميركي وبعد فشل الأشكال السابقة التي اعتمدها، الاحتلال المباشر في مرحلةٍ أولى مع بوش وبعده ترامب، وبعد فشل احتوائه للانتفاضات الشعبيّة وتحويلها لحروبٍ أهليّة، سواءً في سوريا أو اليمن والعراق، والعودة في مصر وتونس إلى العسكر كما كانت خطّة أوباما، هذه الخطّةُ تعود اليوم مع الإدارة الجديدة تحت مسمى الحرب الناعمة، وبشكلٍ خاصٍّ الحصار الاقتصادي.

أدركت الولاياتُ المتّحدة، أنّ قوّةَ العدو الصهيوني لم تعد كافيةً للحفاظ على أمن كيانه، فكيف على تنفيذ وظيفته كرأس حربةٍ للمشروع الإمبريالي؟ طبعًا كان ذلك بصمود المقاومة في فلسطين ولبنان، وكذلك بعدم القدرة على تحويل سوريا إلى قاعدةٍ لهذا المشروع.

تطوّراتٌ جديدةٌ حصلت على هذا المستوى، دخول روسيا والصين وإيران، على خطّ عرقلةِ هذا المشروعِ بغضِ النظرِ عن أهدافِ كلّ طرف. السياسة ليست نظريةَ الأم تيريزا. هنالك تقاطعاتٌ ومصالحُ اقتصاديّةٌ وسياسيّة، تنتج تناقضاتٌ مع المشروع الأميركي يجب الاستفادة منها، حتى مع أوروبا لم يستطع الأميركي التجانس، هذا الوضعُ وضعفُ دور الكيان، دفعا بالأميركي إلى خطّةٍ جديدة، هي دفعُ العرب بدولهم التابعة للتخلّي عن حقوق الشعب الفلسطيني والتطبيع مع العدو. هذه السياسةُ نجحت مع الدول "الجاهزة"، وهو يحاولُ تعميمَها، ولبنانُ سيكونُ ساحةً للمحاولات الجديدة، والأسلوب الرئيسي، هو الحصارُ الاقتصاديّ المتكامل مع دور نظام الفساد الطائفيّ والسياسة الاقتصاديّة والماليّة التابعة، ومن جهةٍ أخرى تحميلُ حزب الله وحلفائه مسؤوليّة هذهِ الأزمة. وهنا لا بدّ من الاعتراف بأنّ سياسةَ حزب الله في الداخل وشعارات وحدة المذهب، وحمايته للقوى الفاسدة في طائفته وصولًا لتمسّكه بالحريري، ومن ثَمَّ بالميقاتي ووقوعه في أسر "التعايش الطائفي"، هذهِ السياسةُ الناتجةُ عن بِنيته، تساعدُ في هذا الحصار.

بعد تطوّرات اليمن وفشل السعوديّة والامارات وتراجعهما، ازدادَ وسيزدادُ هذا الحصار وخاصّةً من دول الخليج الرديفة للمشروع الأميركي - الصهيوني، تحت شعار، بيروت مقابلَ مأرب والحديدة وغدًا عدن، هذهِ السياسةُ التي يشكّل سمير جعجع، رأسَ حربتِها في لبنان، لا يمكنُ وصفُها إلا بالغباء وعدم مراجعة التاريخ.

بيروت عام ٨٢، ورغم الجراح وتواطؤ النظام اللبناني الذي أتى رئيسُهُ على دبابات العدو، لم يصمد جيشُ الاحتلال أكثرَ من أسبوع، بفعل المقاومة التي أطلقها الشيوعيّون واحتضنها شعبنا. اليوم أية محاولةٍ، ناعمةٍ أو خشنةٍ ستلقى مصيرًا أبشع. الخوف الحقيقي، أن تكون الخطّةُ المضمرةُ هي التفتيتُ وخلقُ كيانٍ صغيرٍ يحكمُهُ حلفاءُ أميركا والخليج ويكون مدعومًا منهم، ومحميًّا بالطابع الطائفيّ الذي يضعُ المقاومةَ ببنيتِها المذهبيّة عاجزةً عن القيام بدورها، هذا خطرٌ حقيقيّ، يستعيد الحلمَ القديم بخلق "إسرائيل" ثانيةً، تتكامل بوظيفتها وطبيعتها مع الأولى.

أخيرًا، الترسيمُ البحري واحدٌ من هذه الأدوات، وهنا لا بدّ من الإشارة، الى خطيئتين؛ الأولى التوقيت، والثانية وهي الأخطر، القَبولُ بالوساطة الأميركيّة، ما يذكر بمسارات كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة. الأميركي في أزمةٍ وإن كان لم يهزم بعد، ولذلك خطأٌ كبيرٌ تسليمُ القسمةِ لهذا الثعلب.

* بعد مرورِ مئةِ عامٍ على تأسيس لبنان؛ هناك الكثيرُ من الأسئلةِ التي تطرح عن هويته وعروبته والتجاذبات القديمة – الجديدة بين الشرق والغرب.. كيف وأين ترى موقع لبنان الطبيعي في ضوء ما تطرحه الأسئلة السالفة؟

** لقد تأسّس لبنان، كما أغلب الكيانات العربيّة الوظيفيّة، على أساس تقسيمٍ استعماري، رسمت خطوطه اتفاقيّاتُ سايكس- بيكو. الاستهداف واضح: الثروات العربيّة، منع قيام إطارٍ عربيٍّ موحّد، ودعمًا لهذا الهدف تمّ استكمالُ الاتفاقيّة، بالوعد المشؤوم، وباغتصاب فلسطين كأساسٍ في نجاح هذا المشروع الاستعماري. وكان الوضعُ اللبناني محضّرًا لذلك، عبرَ سنواتٍ طويلةٍ من الصدامات الطائفيّة المقرّرة والمدعومة من الخارج، الذي لم ينقص منه سوى السلطنة العثمانيّة، بسبب الهزيمة والتفكّك وروسيا بفعل ثورة أكتوبر، وأي محاولةٍ سياسيّة، يلزمها التبريرُ الأيديولوجيّ والحامل الطبقي.

في لبنان، عملت الإرساليّات الطائفيّة والفرنسيّة تحديدًا، على زرع مفاهيم "التميز" وكوننا الشعب الأرقى، في صحراء التخلّف، وغيرها من الشعارات، وساد شعار "أنّ لبنان واجهة الغرب، على الشرق"، والأخطر تمّ تنظيمُ اجتماعاتٍ صهيونيّةٍ - لبنانيّة، في باريس، لترسيخ تحالفٍ بين "الشعبين" الأكثر تقدمًا وإلى ذلك من شعارات الأصل الفينيقي (وهذه الكذبة الأكثر مهزلة)، خاصّة وأنّ فينيقيا في التاريخ عمّت الساحل العربي، وصولًا إلى تونس، وعاصمتها سورية. فالأساسُ هو مصالحُ الغرب الإمبرياليّ واقترانها بمصالح الرأسمال التابع في لبنان والدول العربيّة الأخرى.

اليوم ومع تغيّر "السيد الخارجي"، وأـخذِ الولاياتِ المتّحدة لرايةِ القيادة في المرحلة الجديدة (النيوليبرالية) وسيطرتها وإلحاقها للأنظمة العربيّة والرأسماليّ فيها، تغيّر المهيمنُ واستمرّ التابع، وطبيعيٌّ في خدمة المشروع الإمبريالي الجديد، القائم بدوره على ثوابت التقسيم والمزيد منه وثابتة سرقة الثروات، مقابل حماية الأنظمة والعروش، وحماية أمن الكيان الصهيوني، وإزالة "خطر" القضيّة الفلسطينيّة، عبر موجات التطبيع وسواها، مع هذا المشروع "المتحوّل"، تتجدّد شعاراتُ التبعيّة والالتحاق، وطبيعيٌّ أن تعود موجة التميز وشعارات "الحياد"، وتحويل الخطورة تجاه مشروعٍ إيرانيّ وغيرها، والأخطر هو محاولةُ تشويه مفهوم "العروبة"، فتصبح "الرياض"، قلب العروبة النابض، وذلك من قبل قوًى قامت على شعار مواجهة العروبة وتحديدًا الفلسطيني ومعه السوري وقبله عبد الناصر. إنّها شكلٌ متجدّدٌ من موجبات المشروع الإمبريالي على لبنان، والمفترض خوض معركةٍ سياسيّةٍ وأيديولوجيّةٍ معه من قوى اليسار ويبقى السؤال، هل هي جاهزة؟

كانت قد بدأت في إطار اللقاء اليساري، وكنّا أمامَ جهدٍ كبيرٍ لمحاولة ملئ الفراغ الناتج عن غياب مشروعٍ عربيٍّ تقدميّ، ولكن للأسف المشروعُ مصابٌ بالإعاقة التي منعت تحوّلَهُ ليكونَ أداةَ استنهاضٍ لمقاومةٍ عربيّةٍ شاملةٍ للمشروع الأميركي.

* تبرزُ معركةُ الوعي الوطنيّ والقوميّ والعمل على تشويهه على أشدّها، حيث تُوظف بها بعض القوى المتذيّلة للخارج، إلى جانب وسائل إعلامٍ متعدّدةٍ ومثقّفين وأكاديميّين قبلوا أن يمارسوا هذا الدور.. كيف يمكن التصدّي لكلّ هذا؟

** الأزمةُ الحاليةُ على المستوى الفكري والثقافي، لها جذورُها بالأزمة السياسيّة والاقتصاديّة في البلدان العربيّة، وتنعكسُ هذهِ الأزمةُ بشكلٍ حادٍّ عند البحث بموقع الثقافة والمثقّفين من المواجهة مع المشروعِ الأميركيّ الصهيونيّ ومن الصراعِ مع العدوّ الصهيونيّ ومن عمليّةِ التغييرِ في العالم العربيّ. لقد اقترنَ النهوضُ الفكريُّ والثقافيُّ كما الفنّي في العالم العربي، مع نهوضِ حركةِ التحرّر الوطنيّ العربيّة، ووقع في فخّ التردّد والالتباس، مع أزمة قيادتها وهو اليوم وفي ظل هزيمة مشروعها يعيشُ الفكرُ والثقافةُ والفنُّ حالةَ الهزيمةِ والتخلّي.

الفكرُ التقدّمي، كما التقدميين العرب، عانوا بالفكر والسياسة، انعكاسات أزمة انهيار المعسكر الاشتراكي، وكابوس السيطرة الرأسماليّة على العالم، ومع الهيمنة السياسيّة والاقتصاديّة، أضيفت الهيمنةُ الثقافيّةُ والفكريّةُ التي أُنتجت توابعُها في منطقتنا، كما أنتج نظامُ الهيمنة الإمبريالي، أنظمته التابعة.

كوّنت المنظومةُ الفكريّةُ الجديدة، مفاهيمَ تبعيّتِها، من عدم جدوى الصراع، ومفاتيح الحلّ بيد الأميركي، وأولويّة "الديمقراطيّة"، بطابعها الغربيّ على قضيّة التحرّر وعلى قضيّة العدالة في المجتمع، وانتشر مفهوم " السلام" الممهّد لما شهدناه ونشهده من حملات التطبيع السياسي، وأيضًا التطبيع الثقافيّ والفنّي، ومعها جميعًا انتشرت مفرداتُ الحلّ الأميركي، المكرِّس لحالاتِ التقسيم والتفتيت، وشعارات لبنان أوّلا، العراق أوّلا ومصر أوّلا.. على حساب القضايا المشتركة.

اليوم ومع اعتراف الأميركيّ نفسه، بوهم شعار نهاية التاريخ ومع بَدْءِ انتهاءِ مرحلةِ سيطرةِ القطب الواحد، وتبلّور أقطابٍ جديدةٍ في مواجهة السيطرةِ الأميركيّة، في السياسة والاقتصاد والثقافة والفنّ، وأحيانًا في الحروب التي يخلقُها الأميركيّ لفرض مصالحه، مع هذه المرحلة، بدأ عصرٌ جديدٌ، يفترضُ أن يتلقّفه التقدميّون واليسارُ في العالم العربيّ.

أمورٌ كثيرةٌ علينا استعادةُ بعضِها، وتطويرُ بعضٍ آخر وابتداعُ أفكارٍ ومقارباتٍ جديدة؛ انطلاقًا من فكرنا الماركسي- ال لينين ي. علينا أن نستعيدَ مهمّتنا التاريخيّة في إبداع مساهماتنا العربيّة في الفكر الماركسي، أن نستعيدَ ونطوّرَ مساهمات عشرات المفكّرين العرب.

المهمّة اليوم أصعب، نتيجةَ الفراغ الذي تركناه، أتت قوى سياسيّةٌ وأيديولوجيّةٌ جديدة، أخذت المبادرة، ربطًا بالبيئة العامة وبما يقدّم لها من دعمٍ ومساعدات، وبشكلٍ خاصٍّ القوى الإسلاميّة، التي على التقدميّين العرب، وهم يواجهون أفكار الهيمنة الأميركيّة والغربيّة، عليهم تحديدُ سلّم مفاهيمهم في الصراع الأيديولوجي المعقّد، مع نظام الهيمنة ومع الفكر الإسلاميّ الذي يقدّم نفسه بديلًا، طورًا بمساعدة الأميركيّ وطورًا آخر في مواجهته.

بالاستنتاج، نحن بحاجةٍ لتطوير آليّاتٍ مشتركة، تتخطّى سايكس - بيكو (الفكريّ) الذي يحتضر وتواجه خطرَ المشروعِ الجديد، بمشروعٍ تقدميٍّ عربيٍّ على مستوى الفكر والثقافة والفنّ، كما على مستوى السياسة.

* واقعُ لبنان والتجاذبُ أو الصراعُ عليه وبين قواه ومعركة تشويه الوعي، يطرق بقوة دور القوى التقدمية واليسارية منها على وجه الخصوص، بحيث لم يعد مفهومًا أن تبقى تنكمش وتتراجع وتتذبذب في مواقفها، خاصةً وأن هناك دورًا يبحث عن بطل؟

** في الجواب السابق، تحدثت عن آثار الأزمة على الفكر التقدميّ العربيّ بشكلٍ عام، ولا بأس من تأكيد بعض الجوانب ولو ببعض التَّكرار:

أ- بعضُ اليسار العربي، يرفضُ حقيقةَ انتهاء سايكس - بيكو، ويكرّرُ بعضُهُ مقولاتِ نهائيّة الكيان، ويصطحبُها بمواويل السيادة والاستقلال، وتحت شعارات لبنان أوّلًا، والعراق و الأردن وسوريا ومصر والمغرب وو.. إلخ... نقع في حضن المشروع الأميركي ولو دون إرادة. علمًا أنّ الذي أكّد انتهاء سايكس بيكو هو الأميركي نفسه، وهو الذي أوحى عبر مؤسّساتٍ محسوبةٍ على المجتمع المدنيّ، وعبر الأنظمة التابعة، بمقولةِ نهائيّة سايكس بيكو، لإعادة تشكيل المنطقة بما يتناسبُ مع مشروعِهِ للهيمنة، المتمثّل بإعادة تشكيلها، بقيادتين واضحتين؛ الأولى العدوّ الصهيونيّ، بعد التطبيع معه، والسعوديّة التي تقدّم نفسها زعيمةً للعروبة السوداء، التي يشكّل الإغراق الماليّ قاعدتها الأساسيّة.

ب- لقد استطاعت أميركا وحلفاؤها، احتواءَ معظم الانتفاضات الشعبيّة، تجاهَ خدمةِ مشروعها، بعضها تجاه الحروب الأهليّة، وبعضها لتسهيل العدوان الخارجي، والأخرى لتسهيل عودة قوى حليفة. نجحت في حذف اسم فلسطين والعمق العربي من سلّم أولويّات هذه الانتفاضات، تسهيلًا للاحتواء، بل حاولت وتحاول جرّ بعضها (في لبنان)، إلى موقع التطبيع ورجم منطق المقاومة (رغم خطيئة حزب الله في حمايته للنظام وقواه)، تحت شعارات الحياد والاستقلال والسيادة، وليست قوى اليمين فقط بل يسار"نداء الوطن"، و"النهار"، و"المدن"، وبعض اليسار المتناثر داخل حزبنا والملتحق بهذا الشعار. وللأسف فشل الإعلام الذي يدّعي الحفاظ على المقاومة، بما في ذلك يسار "الأخبار"، في صياغة بديلٍ يساريٍّ مقاوم، واستطاع الإعلامُ المرتبطُ جرَّهُ إلى الساحة التي أرادها، أي الالتحاق بمشاريعَ جاهزةٍ عوضَ الجهد في بلورة مشروعٍ يساريٍّ متكاملِ الجوانب الوطنيّة والطبقيّة.

ج- لقد شكّل مثقفو وقادة حزبنا، على مرّ التاريخ نموذجًا لما يمكن أن يكوّنه اليسارُ العربيّ، فدعوةُ الحزب في تأسيسِهِ للمساهمةِ في الفكر الماركسيّ، تمثّلت إلى جانب رفعه للقضايا المطلبيّة، تمثّلت بالدعوة للمشاركة في الثورة السوريّة والمحافظة على استقلال سوريا ووحدتها. وهكذا فرج الله، الذي لم يفرّق نضاله في دمشق عن بيروت، ودعا إلى خلق حركةٍ وطنيّةٍ على الساحل العربي (ولمن يدّعي انتماءه لفرج، ليعرف أنّه قال العربي)، وعندما تحدّث عن استقلال لبنان ربَطَهُ، بالعمق العربيّ وبفقراء سوريا ولبنان، وكرّس ذلك بدمِهِ ودفاعِهِ عن مفهوم الوحدة. وكذلك جورج حاوي والمؤتمر الثاني، الذي أعاد القضيّة العربيّة وبخاصةٍ فلسطين إلى أولويات الحزب، وصولًا لإطلاق "جمول"، التي أردناها أداة التحرير ورافعة التغيير في لبنان، ونموذجًا يتكاملُ مع عمقنا العربي وبشكلٍ خاصٍّ مع فلسطين ومقاومتها. هكذا استكمل مهدي عامل المحاولة، وكان بحثُهُ ورصيدُهُ الأساسي، البحث عن حلٍّ لأزمةِ حركةِ التحرّر الوطنيّ العربيّة والبديل الثوريّ لقيادتها. وهكذا حاولنا في منطق تأسيسِنا مع قوى يساريّةٍ عربيّةٍ للقاءِ اليساريّ وبلورة مشروعِهِ في الدورة السابعة لهذا اللقاء، الذي لم يستمرَّ للأسف.

د- علينا أن نظهر بأنّ بعض القضايا الخلافيّة العربيّة، لا يمكن أن تحلَّ إلا في إطارٍ عربيٍّ مشترك. البعض وقع في خطأ اعتبار قانون قيصر، حصارًا على سوريا، فإذا به حصارٌ للبنان يمهّد لحصار سوريا، وتجويع الشعب السوري متلازمٌ مع إفقار اللبنانيين وتجويعهم. لقد أشرنا سابقًا أن الكثير من المشاكل الاقتصاديّة في لبنان لا تحلّ إلا بالتكامل مع سوريا والأردن، وبالتأكيد الشعب الفلسطيني، من الكهرباء إلى البيئة، ناهيك عن المشترك السياسيّ وفي مقدّمته قضيّة فلسطين.

وليس هنا فقط، في إحدى محاضراتي في الرباط، أكّدت على أنّ قضيّة الصحراء لا يمكنُ حلُّها إلا في إطار اتّحادٍ مغاربي، وإلا سيستمرُّ الخلافُ والصدامُ بين المغرب والجزائر وغيرها. وكذلك القضيّة الكرديّة والأقليّات، لا يمكن تجاوزها إلا بالإقرار بحقّ تقريرِ المصير، وضمان الحقوق. وأنا رأيي لا يتم ذلك إلا في إطارٍ وحدوي.

أراد الأميركي - ويريد - بناءَ مشروعه على قاعدة موت سايكس بيكو والاتجاه نحو المزيد من التبعيّة، تفتيتًا وإعادة تشكيل، ولا يمكن لليسار مواجهة هذا النهج عبر التمسّك بتقسيمٍ مات، بل بطرح مشروعٍ يساريٍّ عربيٍّ متكامل، مثلث الأضلاع، تكامل اقتصادي على طريق الاشتراكيّة ومعه استعادةُ الثروات من ناهبها الاستعماريّ وتابعيه، والتوجّه لدعم المقاومة الفلسطينيّة ومنع استعادة وظيفة الكيان الصهيونيّ بواسطة التطبيع، وتشكيل أطر تكاملٍ واتّحادٍ سياسيٍّ واقتصادي، يبدأ بالجهات وينتهي بالعام.

* اللاجئون الفلسطينيّون في لبنان؛ غير أنّهم ضحيّة لعمليّة التهجير والتطهير الصهيوني منذ أكثر من 73 سنة، إلّا أنّهم يعانون من الفقر والبطالة والتهميش والإقصاء والتهجير المستمرّ، وكذلك استخدامهم فزّاعةً أو توظيفًا في الداخل اللبناني.. يبدو المطلوب بأن لا تنتهي مأساةُ الفلسطيني؛ فكيف يستقيم هذا الحالُ ولبنانُ ملجأٌ وملاذٌ ووطنٌ لعائد؟

** التعاطي مع قضيّة الوجود الفلسطيني في لبنان، هو جزءٌ من تعاطي النظام والقوى السياسية وموقفهما من القضيّة الفلسطينيّة. لم يخرج منطق النظام الطائفي عن توصيف الوجود الفلسطيني، عاملَ ضربٍ للاستقرار السياسي في لبنان، منطلقًا من البعد الديموغرافي، ومن جهةٍ أخرى لم يخرج عن كون النظام تابعًا للهيمنة الغربيّة في هذا الإطار، ومن ثَمَّ هذا الوجود بالنسبة للنظام الطائفي وقواه، هو "هَمٌّ"، يجب التخلّصُ منه. الخلاصُ منه هو بالتضييق على الفلسطينيين، عبرَ منعهم من ممارسة حقّهم الإنساني بالعمل والعيش الكريم، ومنع أي مجالٍ للعمل سوى المجالات التي لا تتأمّن فيها يدٌ عاملةٌ لبنانيّة، يضاف لذلك المعاناة المشتركة للفلسطينيّين مع فقراء لبنان وعماله، خاصةً اليوم في ظلّ الأزمة الاقتصاديّة الكبرى.

باختصارٍ يتعاطون مع الفلسطيني، كحالةٍ يجب الخلاصُ منها بالإبعاد وتصعيب إمكانيّات العيش والبقاء، وحتمًا الإبعاد، ليس بالعودة، بل الرحيل إلى المهاجر البعيدة. أما نحن ومنذ البداية ننظر إلى هذا الوجود كونه جزءًا من القضيّة الفلسطينيّة، يفترض أن يتحوّل إلى عامل قوّةٍ لها، عامل قوّةٍ سياسي، بتكريس حقّهم بالعمل والنضال السياسيّ تجاهَ العودة الكاملة إلى فلسطين، كل فلسطين. ومن ضمن الحقّ السياسي، حقّهم كما كلّ فلسطينيّي الشتات باختيار وانتخاب قياداتهم في الداخل والخارج.

من جهةٍ أخرى وربطًا بحقّ العودة، واجبنا النضال لتأمين شروط بقائهم المؤقّت وصمودهم وحقّهم في العيش، ضمن العمل الذي يريدونه ويستطيعونه، كما هي حقوق اللبنانيّين تمامًا، ليستطيعوا إضافةً لذلك في أن يكونوا جزءًا من النضال من أجل حقوق كلّ الفقراء اللبنانيين المقيمين وبشكلٍ خاصٍّ الفلسطينيّين.

* لبنان وفلسطين.. هل يمكن فكُّ الارتباط بينهما والحياد؟   

** كلّ الأجوبةِ السابقة، تصبّ في هذا السؤال. التاريخ والمستقبل، رغم بعض هنّات الحاضر، لن تلغيَ حقيقةَ التكامل والترابط بين لبنان وفلسطين. التاريخ الذي أنتج الأنصار والحرس الشعبي وجمول بتكاملها مع المقاومة الفلسطينيّة، والمستقبل الذي يحكمه منطق المواجهة مع المشروع الأميركي، الصهيوني.

لبنان فرج الله الحلو وجورج حاوي، هو الذي يبقى، أمّا لبنان الآخر الطائفي، لبنان التآمر على فلسطين؛ فقد ذهب مع انهيار نظامهم، وبداية انتهاء كيانهم، وما الإرهاصات المموّلة التي نسمعها اليوم، إلا تردّدات لا علاقةَ لها لا بالتاريخ ولا بالجغرافيا.

واجبنا اليوم هو أن نستطيع كحزبِ العودة إلى صياغة مشروعنا اللبناني، كجزءٍ من مشروعٍ عربيٍّ تقدميٍّ متكامل، فلسطين في القلب منه.