تتصاعد وتتسع هجمة المحتل بجنوده ومستوطنيه على شعبنا في الضفة المحتلة، وذلك لا يقتصر على إعلان العدو عن تسهيل قتل الفلسطينيين على جنوده، بل هجمة شاملة تشنها عصابات الاحتلال بشقيها على الفلسطينيين في الضفة، تسعى لكسر إرادتهم وتجريف وجودهم وحصرهم في تجمعات أكثر ضيقًا. وإذا كان تصاعد الفعل الشعبي والنضالي الفلسطيني خلال وأعقاب معركة سيف القدس مؤشرًا وفرصة مهمة لاستعادة قدرة الفلسطينيين على الدفاع عن ذاتهم في مواجهة الاحتلال بالضفة والداخل المحتل، فإنّ هذه الهجمة الصهيونيّة هي تحدٍ لقدرة المجموع الفلسطيني على التضافر وبناء موقفٍ وفعلٍ وطني جامع يتكفّل بتغييرٍ لمصلحة الفلسطينيين داخل الأرض المحتلة. وبذلك يكون النظر لهذه الهجمة كفترةٍ عابرة على الفلسطيني في الضفة المحتلة تحملها هو محض قصر نظر خطير، فما هو على المحك في هذه المرحلة هو إرادة القتال لدى تلك الجموع التي انحازت لخيار المواجهة ورفض الاستسلام، وهو ما لا يمكن التعامل معه بردود الفعل المستنكرة أو عبارات وبيانات التشجيع لأهلنا في خطوط التماس في الضفة المحتلة.
إنّ سلوك القوى والمركّبات الفلسطينيّة السياسيّة والمجتمعيّة منها، داخل وخارج فلسطين، في موضع اختبار، فالقيمة الحقيقيّة لوجود هذه القوى تتكثف في امتلاكها القدرة والإرادة والدراية بواجبها تجاه نقطة الاشتباك، أي قدرتها على اسناد الفلسطيني المشتبك في لحظة اشتباكه المباشر مع المشروع الصهيوني، صحيح أنّ هناك مهمات عدّة تنهض بها هذه القوى تتعلق بالمواجهة الشاملة مع هذا العدو، ولكن هذه المهمات كلها ترتبط بتوفير عوامل الصمود في الاشتباك للفلسطيني المنظّم فصائليًا وغير المنظم.
إنّ القول باستعصاء استعادة التنظيم الفلسطيني في ساحة تقع تحت هيمنة الاحتلال أمنيًا، أو عجز الفصائل عن القيام بواجباتها في تنظيم وقيادة فعل المواجهة، هو موضع خلل خطير، ففعليًا تنهض العديد من المركبات والبنى الفصائليّة والوطنيّة بواجباتها في تلك الساحة حتى في ظل هذه الملاحقة، كما أنّ المواجهة مع محتل من هذا النوع لم تكن يومًا إلا معركة للتغلب على أدواته الأمنيّة، والإبقاء على الفعل الوطني ومقومات وروافع هذا الفعل التنظيميّة والمجتمعيّة حاضرة وفاعلة في ظل أسوأ ظروف القمع الوحشي الصهيوني.
من المؤكّد أنّ سياسات التنسيق الأمني والقمع السياسي تشكّل عائقًا حقيقيًا أمام شعبنا في مواجهته مع المحتل، وأنّ الهجمة الأمنية التي صعّدتها الأجهزة الأمنيّة ضد العمل السياسي في الضفة تضاعف هذا العبء، كما تفاقم من صعوبة بناء أدوات المواجهة الفلسطينيّة، ذلك بجانب ما تحدثه من خللٍ خطيرٍ في البنية الفلسطينيّة سياسيًا كما اجتماعيًا، ولكن المؤكّد بشكلٍ أكبر أنّ هذه السياسات لن توقف مناضلي شعبنا عن القيام بواجباتهم تجاه شعبهم المعرّض لهجمة المحتل الوحشيّة. هذه المواجهة لن تنتظر حل مشاكل البنية السياسيّة الرسميّة الفلسطينيّة، أو تصويب سياساتها، أو حتى تغييرها، لذلك تقع مسؤوليّة المواجهة على عاتق الكادر والقيادات الوطنيّة على امتداد ساحات الوجود الفلسطيني، وهو أمر أثبت شعبنا قدرته عليه في محطات تاريخه النضالي المشرّف.