Menu

سياسة غير مبرّرة

الاعتقال الإداري.. مراكمة الخطوات لإنهاء المشكلة من الجذور

فادي نعيم بارود

فلسطين المحتلة _ خاص بوابة الهدف

في وقت تتعالى فيه الأصوات الشعبية والرسمية عربياً وأممياً لوقف سياسة الاعتقال الإداري من قبل سلطات الاحتلال الصهيوني، تسجل الاحصائيات الخاصة بالأسرى الزيادة الكبيرة بأعداد المعتقلين الإداريين، فيما لا تترجم الدعوات لمواجهة جماعية حقيقيّة لمواجهة إحدى أبرز السياسات التي تستخدم بحق الفلسطينيين على كافة المستويات، بهدف تقويض أي حالة للنهوض بالمجتمع الفلسطيني.

تشكّل قضية الاعتقال الاداري بأبعادها السياسية والقانونية ضرباً من ضروب التنكيل الممنهج وغير المبرر بحق المواطن الفلسطيني ممن خاض تجربة الأسر لأول مرة أو من تكررت تجربتهم، حيث يصدر بحق شخص ما دون توجيه تهمة معينة أو لائحة اتهام وبدون حسم قضائي، ويكون بناءً على ملفات سرية استخبارية أو بسبب عدم وجودها أو لنقص الأدلة ضد المواطن.

ومع غياب المساءلة القانونية لدولة الاحتلال من قبل المجتمع الدولي وكذلك غياب الدعم العربي، وحالة التشظي التي تتحكم في ساحتنا الداخلية، تستعمل "إسرائيل" الاعتقال الإداري بصورة تتناقض مع أي قيود ومعايير تتحكم بشكل الاعتقال وكذلك معاملة الأسرى في السجون، حيث يتم الاعتقال تحت غطاء كبير من السرية بحيث لا يتيح للمعتقلين أن يرتبوا لأنفسهم دفاعًا لائقًا.

وعلى مدار السنوات ومع استنزاف الكثير من المحاولات الفردية المستمرة لمواجهة الاعتقال الاداري، حيث احتفظت "إسرائيل" خلال سنوات بآلاف الفلسطينيين إداريًا بصورة مستمرة دون تقديمهم للمحاكمة وبدون الإفصاح لهم عن التهم الموجهة لهم ودون السماح لهم أو لمحاميهم من معاينة المواد الخاصة بالأدلة، بهدف ضمان الحق في الحرية والإجراء العادل والحق في الدفاع والحق في البراءة، يطرأ التفكير الجدي لإيجاد الحل الجماعي لهذا الملف وانهائه من الجذور.

وللوقوف أكثر على تطلعات أبناء شعبنا وحركته الأسيرة حول تطورات سياسة الاعتقال الإداري بعد انتصار الأسرى المضربين عن الطعام خلال معركة ملحمية من الصمود في وجه السجان، حاورت بوابة الهدف الإخبارية الأسير المحرر والباحث بشؤون الأسرى عبد الناصر فروانة متحدثاً عن مناطق الضعف والقوة بما يسمح باقتلاع هذه السياسة من الجذور.

وفي معرض حديثه، قال فروانة: "شكّل انتصار المعتقل هشام أبو هواش ورفاقه انتصارًا للإرادة والعزيمة وعدالة قضيتهم في وجه ظلم الاعتقال الاداري، وتوّج هذا الانتصار بتحديد تاريخ الافراج عنه بعد 141 يومًا، وانهاء اعتقاله التعسفي وتسليط الضوء على تلك الجريمة المستمرة".

وأضاف: "لكن الحقيقة التي يجب أن ندركها جميعًا تفيد بأنّ الاضرابات الفردية عن الطعام، وبرغم اهميتها، إلا أنها دائمًا ما تأتي بحلول فردية للمضرب عن الطعام، فيما لا تعالج جذور المشكلة ولا تأتي بحلول للجماعة ولم تغلق ملف الاداري".

وتابع: أنه "لذا وبرغم ما تحققه الاضرابات الفردية من تسليط الضوء على قضايا الجماعة، وما تشكله من انتصار للفرد وما يمثله، إلا أنه يجب ألا تصبح بديلاً عن الخطوات الجماعية التي تعالج جذور المشكلة وتعالج هموم الجماعة، مع ضرورة الحفاظ على الاضراب كفعلٍ مقاوم".

وأشار إلى أنّه "ومن هنا يجب تقييم وتقويم المرحلة السابقة واستثمار ما تحقق عبر الاضرابات الفردية، والمضي قدمًا في البناء عليه نحو مزيد من العمل الجماعي، داخل وخارج السجون، لإغلاق ملف الاعتقال الاداري أو على الأقل تحجيمه في الوقت الراهن وتقليص أوامر الاعتقال والتجديد".

وبشأن خطوة الأسرى الإداريين لمقاطعة المحاكم الصهيونية، أكَّد فروانة، أنّها خطوة مهمة وفعل نضالي مؤثر، ولكن مواجهة الاعتقال الاداري يجب ألا يقتصر على مقاطعة المحاكم، وهذه الخطوة وبرغم أهميتها، لن تغلق هذا الملف أو تقلّص أوامر الاعتقال الإداري بالشكل الذي نريده، وفق قوله.

وأردف: "إنما هذا يتطلب أن تكون ضمن منظومة من خطوات الاحتجاج الجماعية للمعتقلين الاداريين وتتدحرج تدريجيًا ويمكن أن تصل إلى اضراب جماعي عن الطعام، يرافقها خطوات خارج السجون، على المستوى الرسمي والقانوني والشعبي والاعلامي محليًا ودوليًا.

وخلال سؤاله عن دور الأسرى المنتصرين في اضرابهم، أجاب "جميع هؤلاء حققوا المأمول خلال خوضهم الاضراب عن الطعام في اثارة القضية وتسليط الضوء على هذه الجريمة، وحققوا انتصارات مهمة، ولكن للأسف نحن لم نراكم على ما يتحقق ولم نوظف هؤلاء في البناء على ما حققوه لأجل العام".

وأضاف "جزء كبير من هؤلاء-مع تقديري العالي لجميعهم- ابتعد عن المشهد لأسباب مختلفة، وبالتالي انتهى حضوره بمجرد إغلاق ملفه الشخصي والافراج عنه".

وبيّن أنّ "هناك مسؤولية كبيرة تقع على الجميع في توظيف ما حققوه لأجل القضية العامة وبإمكانهم أن يلعبوا دورًا مهمًا في تسليط الضوء على سياسة الاعتقال الاداري ومعاناتهم مع الاضراب عن الطعام الذي لجأوا اليه رغمًا عنهم لإنهاء اعتقالهم التعسفي وانتزاع حريتهم في ظل عجز المؤسسات الحقوقية"، متابعاً "أعتقد أن عدد من هؤلاء لعبوا دورًا مهمًا في هذا السياق محليًا ودوليًا".

والجدير بالذكر، أنّ الحركة الأسيرة تتوعّد من حينٍ إلى آخر بسلسة إجراءات بعد نقاش ومشاورات تدور بين قيادتها للضغط على إدارة سجون الاحتلال، مؤكدةً أنه "لا زال لديها والشعب الفلسطيني الكثير ما يقدموه ويضحوا في سبيله، أمام صمت المجتمع الدولي المعيب، والذي يجعله شريكاً في هذه الجرائم كافة اللاأخلاقية واللاإنسانية".

ومن ضمن خطوات المواجهة التي تصدرت مؤخراً، قيام نحو 500 أسيراً (اعتقال إداري) بسجون الاحتلال، بمقاطعة محاكم الاحتلال على ضوء جملة من المعطيات الخطيرة التي واجهوها خلال عام 2021، حيث أصدرت سلطات الاحتلال 1595 أمراً إداريّاً بحق معتقلين سابقين أمضوا سنوات في سجون الاحتلال، إضافة إلى معتقلين جدد، وذلك بذريعة وجود "ملف سرّي".

وهناك ثلاثة قوانين مختلفة تتيح لـ"إسرائيل" الاحتفاظ بالفلسطينيين في الاعتقال الإداري وهي "الأمر الخاص" وهو جزء من التشريعات العسكرية السارية في الضفة الغربية، حيث يتم احتجاز معظم المعتقلين الإداريين استنادًا إلى أوامر اعتقال فردية يتم إصدارها استنادًا إلى هذا الأمر، وقد تم إلغاء أمر مشابه بخصوص قطاع غزة مع تطبيق خطة "الانفصال" في شهر أيلول 2005.

وكذلك، "قانون الصلاحيات" الخاص بالطوارئ الساري في الداخل المحتل، الذي استبدل الاعتقال الإداري الذي كان ساريًا في أنظمة الطوارئ من فترة الانتداب البريطاني، حيث يتم التحفظ على مواطنين من سكان المناطق الفلسطينية المحتلة استنادًا إلى هذا القانون فقط في حالات نادرة.

وقانون "سجن المقاتلين غير القانونيين" والذي سرى مفعوله في العام 2002، وقد كان يهدف بالأصل إلى التمكن من التحفظ على لبنانيين كانوا مسجونين في ذلك الوقت في "إسرائيل" كـ"ورقة مساومة" لغرض استعادة أسرى وجثامين، أمّا اليوم فإن "إسرائيل" تستعمل القانون من أجل اعتقال فلسطينيين من سكّان قطاع غزة بدون تقديمهم للمحاكمة.